أفريقيا برس – مصر. أعاد قرار لجنة الأحزاب السياسية في مصر بإعلان تأسيس حزب الجبهة الوطنية بقيادة وزير الإسكان السابق عاصم الجزار رسمياً الجدل حول طبيعة الكيانات الحزبية الجديدة ومدى استقلاليتها عن السلطة. فقد أثار هذا القرار انتقادات واسعة من قبل قوى المعارضة، التي ترى فيه مجرد امتداد لنهج الاحتواء السياسي ومحاولة جديدة لإضفاء مظهر ديمقراطي على مشهد يفتقد إلى التعددية الحقيقية. وتعتبر المعارضة المصرية أن فتح المجال العام والسماح بتكوين الأحزاب يجب أن يكون وفقاً لمعايير تضمن التنافس الحر وليس عبر تكوين كيانات سياسية ذات ولاء مسبق للحكومة. ويرى العديد من المراقبين أن النظام المصري يواصل تجاهل نداءات القوى الوطنية بضرورة تحرير المشهد السياسي، والسماح للقوى الشعبية بالتعبير عن مواقفها الحقيقية بدلاً من إنشاء أحزاب محسوبة عليه.
وقد ربطت بعض التحليلات تأسيس حزب الجبهة الوطنية في مصر بمحاولات النظام رسم خريطة سياسية موجهة، تُقصي الأصوات المعارضة الحقيقية، وتحصر المشهد في نطاق الأحزاب القريبة من السلطة، أو تلك التي يمكن السيطرة عليها. وتأتي هذه الخطوة في وقت تتصاعد فيه الدعوات لفتح المجال العام، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية، وعلى رأسها المخطط الأميركي المثير للجدل بشأن تهجير سكان غزة، والذي يلقى رفضاً شعبياً واسعاً في مصر. وكانت الحركة المدنية الديمقراطية قد دعت السلطات المصرية إلى السماح للشعب المصري بالتعبير عن موقفه الرافض لمخططات التهجير، عبر التظاهر أمام السفارة الأميركية، لإيصال رسالة واضحة إلى الإدارة الأميركية بشأن الرفض الشعبي المصري والعربي لهذا المشروع.
انتقاد حزب الجبهة الوطنية
الانتقادات الموجهة إلى حزب الجبهة الوطنية لم تقتصر على دوره السياسي المتوقع، بل امتدت إلى شخصياته القيادية. فقد أثيرت تساؤلات حول خلفية بعض الأسماء المرتبطة بالحزب، وعما إذا كانت تتمتع بأي سجل سياسي مستقل أو تجربة حقيقية في العمل الحزبي، أم أن وجودها مجرد محاولة لإضفاء طابع التعددية الشكلية على المشهد السياسي. وقد شكك معارضون في مصداقية هذه القيادات، مشيرين إلى أن بعضها كانت له ارتباطات سابقة بمؤسسات رسمية أو لعب أدواراً في كيانات سياسية وُصفت بأنها صنيعة السلطة، وهو ما يعزز المخاوف من أن الحزب الجديد لن يكون سوى امتداد للنهج القائم، وليس خطوة نحو إصلاح حقيقي أو إحياء للحياة السياسية.
وكان عدد من المحامين الحقوقيين في مصر قد تقدم بمذكرة اعتراض رسمية إلى لجنة شؤون الأحزاب السياسية، تطعن في شرعية تأسيس حزب الجبهة الوطنية متهمة إياه بمخالفة قانون الأحزاب السياسية والدستور. وأشارت المذكرة إلى وجود توكيلات من أشخاص محرومين من مباشرة حقوقهم السياسية بسبب إدانتهم في قضايا مخلة بالشرف، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام حزب الجبهة الوطنية بالقوانين المنظمة للحياة السياسية. كما تضمنت المذكرة اتهامات لوكيل المؤسسين، وزير الإسكان السابق عاصم عبد الحميد الجزار، بمخالفته قانون تعارض المصالح، إذ وقّع عقوداً بصفته رئيساً لشركة خاصة بعد أيام من مغادرته منصبه الوزاري، في تجاوز صريح للنصوص القانونية. ووفقاً للمذكرة، فإن الحزب تأسس على أسس قبلية وطبقية تتعارض مع مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور، وهو ما يضع علامات استفهام حول شرعية إشهاره ومدى توافقه مع القوانين المنظمة للحياة الحزبية في مصر.
تكرار للنماذج الحزبية الموجودة
وقال المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن الاعتراض على حزب الجبهة الوطنية ينبع من كونه مجرد تكرار للنماذج الحزبية الموجودة، مشيراً إلى أن أي حزب جديد ينشأ في ظل المناخ السياسي الحالي لن يكون إلا نسخة مكررة، ما لم يحدث إصلاح حقيقي في النظام الحزبي المصري. وأكد أن الرفض لحزب الجبهة الوطنية لا يتعلق بأشخاص مؤسسيه، بما في ذلك وزير الإسكان السابق، بل يكمن في كونه لن يضيف جديداً إلى المشهد الحزبي القائم، مشدداً على أن الأزمة الأساسية ليست في أسماء الأحزاب، بل في طبيعة البيئة السياسية التي تعيق بروز كيانات مستقلة ذات تأثير حقيقي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس