أفريقيا برس – مصر. أظهرت الأرقام الصادرة عن هيئة قناة السويس المصرية، تسجيل القناة إيرادات قياسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على الرغم من تغيير خطوط شحن إسرائيلية ودولية مسار سفن لها بعيداً عن البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين في اليمن، وبالتالي عبور القناة، الأمر الذي أرجعه محللون إلى ضآلة وزن هذه السفن بالنسبة لحجم الإبحار في القناة، إلا أن تطور هجمات الحوثيين في الأيام الأخيرة وكثافتها ينذران باتساع الصراع في المنطقة، ما يحمل مخاطر حقيقية لشريان مصر الحيوي.
وأثارت الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون ضد ثلاث سفن في البحر الأحمر، غضب الولايات المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة. وللمرة الأولى، وجهت القيادة المركزية الأميركية أصابع الاتهام مباشرة إلى إيران في الوقوف وراء هذه الهجمات وليس فقط إلى الحوثيين. وقالت القيادة المركزية الأميركية إن لديها “سببا للاعتقاد بأن هذه الهجمات التي نفذها الحوثيون وقعت بدعم كامل من إيران”، مضيفة أن “هذه الهجمات تمثل تهديداً مباشرا للتجارة الدولية وأمن الشحن”.
واعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هجمات الحوثيين لن تضر إسرائيل وحدها، إنما دول أخرى في المنطقة منها مصر. ووفق صحيفة غلوبس الاقتصادية، فإن قناة السويس التي تعد البوابة الشمالية للبحر الأحمر ستتضرر، حيث يمر عبرها حوالى 12% من إجمالي التجارة العالمية، و5% من النفط الخام، و10% من المنتجات النفطية، و8% من الغاز الطبيعي المسال.
وأضافت غلوبس أن “توجيه ضربة اقتصادية كبيرة للقاهرة من شأنه أن يضر بقوة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإذا سقط من السلطة فقد تنهض جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى”.
لكن محللين مصريين حذروا من تهويل الإسرائيليين في وسائل الإعلام الدولية من مخاطر استهداف السفن المتجهة إلى قناة السويس، مؤكدين أنها محاولة للضغط على مصر لقبول التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة.
وقال وائل قدور خبير النقل البحري وعضو مجلس إدارة قناة السويس الأسبق، إن العمليات العسكرية التي تقوم بها جماعة الحوثيين ضد السفن المارة جنوب البحر الأحمر، لن تؤثر على قناة السويس، لأنها موجهة إلى السفن الإسرائيلية أو التي لها علاقة مباشرة بدولة الاحتلال.
وأضاف قدور أن “حوادث هذه السفن لا تمثل أي قيمة، لأنها محدودة العدد والأثر، على عمليات المرور من باب المندب والبحر الأحمر، بالإضافة إلى أن السفن الإسرائيلية بعضها يتجه إلى خليج العقبة دون المرور بقناة السويس، وقليل منها يتجه شمالاً لعبور قناة السويس والبحر المتوسط”. وأشار إلى أن العمليات الموجهة ضد السفن الإسرائيلية سواء بالاختطاف أو التهديد بالضرب، أدت إلى تحويل سفن إسرائيلية مساراتها والمرور عبر رأس الرجاء الصالح، بينما السفن التابعة للدول الأخرى، تمضي في مساراتها الطبيعية، دون أي تأثير يذكر.
ولفت إلى أن شركات التأمين والشحن الدولي لم تغير أية معاملات على السفن المارة في قناة السويس خلال الفترة الماضية، بما يؤكد أن المرور بالقناة ما زال آمنا، ولم يهز ثقة الدول وشركات الشحن والتأمين وأصحاب السفن بالمرور الآمن بالقناة والبحر الأحمر.
وقال خبير النقل البحري إن استمرار العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة، سيدفع الحوثيين وغيرهم إلى الانتقام من الإسرائيليين بشتى السبل، محذراً من أن استمرار العدوان لفترة زمنية طويلة يمكنه أن يوسع دائرة الحرب، ويزيد المنطقة اشتعالاً، بما يهدد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ويدفع إلى آثار سلبية خطيرة على المنطقة ومصر وليس قناة السويس فقط.
ويرجع خبراء عسكريون لجوء الحوثيين إلى اختطاف سفن مملوكة لشركات أو شخصيات إسرائيلية، إلى أن تفاقم العدوان على غزة يأتي في إطار الانفجار الشعبي، الذي يسعى إلى وقف العدوان الإسرائيلي بشتى الطرق، محذرين من خروج عمليات المقاومة الشعبية عن السيطرة، مع رؤية الشعوب الدعم الأميركي والغربي غير المحدود للعدوان، وعرقلة الجهود الدولية التي تبذل عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لوقفه أو وضع سقف زمني لاستمراره، رغم مرور نحو شهرين على ضرب غزة المتواصل، بما هدم 70% من مبانيها وقتل أكثر من 16 ألف شخص معظمهم من الأطفال والنساء، وأصاب عشرات الآلاف وشرد نحو 1.7 مليون إنسان.
وأشار خبراء عسكريون إلى أن فشل القوات الأميركية التي تقود 3 تجمعات لقوات بحرية من 22 دولة لتأمين الملاحة في الشرق الأوسط، والمزودة بحاملات طائرات والمنتشرة لتأمين الملاحة بالخليج العربي وبحر العرب وباب المندب والبحر الأحمر وشمال غزة، يشير إلى تهديد بخروج الأمر عن السيطرة إذا ما اتسعت دائرة الحرب.
ويوضح الخبراء أن الأمر ما زال مطمئناً حالياً، مع التزام الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية دون غيرها، حيث توقفت عملياتهم العسكرية ضد القوات الأميركية، بعد الرد عليها من قبل حاملة الطائرات الموجودة جنوب البحر الأحمر مباشرة، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بما أعاد حالة الهدوء التامة إلى حركة الملاحة.
وحذر خبراء من تهويل الإسرائيليين في وسائل الإعلام الدولية من مخاطر ضرب السفن المتجهة إلى قناة السويس، وإثارة الرأي العام الدولي، وإخافة شركات النقل البحري من المرور في قناة السويس، مؤكدين أنها محاولة للضغط على مصر لقبول التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، بعد أن أثبتت إطالتها زمن العدوان في خسائر فادحة للاقتصاد الإسرائيلي، دون أن تحقق أهدافها التي شنت العدوان من أجلها.
وحققت قناة السويس في نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلى إيرادات لمثل هذا الشهر في تاريخها عند 854.7 مليون دولار، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 20.3%، حسب بيان صادر من هيئة القناة نهاية الشهر الماضي.
وشهدت القناة أيضاً أكبر حمولة صافية شهرية قدرها 135.5 مليون طن، بارتفاع 8.2% على أساس سنوي، فيما زاد عدد السفن العابرة للقناة 4.3% إلى 2264 سفينة في الاتجاهين.
وتعتبر قناة السويس أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، فيما تُعَدّ إيراداتها أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر، إلى جانب أنشطة الصادرات والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج.
ودأبت إسرائيل في السنوات الأخيرة، بالتحالف مع الولايات المتحدة ودول في منطقة الخليج، على طرح مشروعات بديلة لقناة السويس، حيث جرى الترويج لمشروع بين الهند والإمارات والسعودية والأردن، لتجاوز مسار القناة، إلى أوروبا، الذي أعلنه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في قمة العشرين الأخيرة في نيودلهي في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وتتوقع هيئة قناة السويس حصد نحو 10 مليارات دولار بنهاية العام الجاري، فيما بلغت 9.4 مليارات دولار العام المالي الماضي 2022/2023، الذي انقضى بنهاية يونيو/حزيران.
وقال محمد سيف الدولة الخبير في مكافحة الصهيونية، إن حماية الممر المائي لقناة السويس، تبدأ بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد التي تكبل قدرة الدولة على تعمير سيناء (شمال شرق مصر) بملايين البشر والمشروعات، وحماية القناة والمصالح العليا للدولة المصرية، مشيرا إلى أن مشاكل البلاد الأمنية ستظل قادمة من الشرق، حيث يقبع الاحتلال، الذي ساهم في تفريغ المنطقة من المصريين، ليظل مستغلاً الضغوط الاقتصادية والتهديد الأمني للقناة، في بسط السيطرة والعدوان.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس