أفريقيا برس – مصر. أحيا إصرار الحكومة على قانون الإجراءات الجنائية الجديد الحديثَ عن قوانين أخرى مشابهة، جرى تمريرها رغم اعتراضات سياسية وحقوقية والمطالبة بمراجعتها وتعديلها و(ربما) إلغائها، مثل قوانين التظاهر والإرهاب. ووافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المصري على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في جلستها الختامية الأربعاء الماضي، وذلك بعد أن تقدمت اللجنة في 17 أغسطس/آب الماضي بمشروع القانون المُقدم من الحكومة منذ العام 2017.
قانون الإجراءات الجنائية
ويواجه مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد عاصفة من الرفض في الأوساط السياسية والحقوقية في مصر وخارجها، التي تقول إنه يهدر أبسط قواعد المحاكمة العادلة والمنصفة، ويلغي الفصل بين السلطات، ويشطب ضمانات وحقوق المتهم في الدفاع عن نفسه، وينسف بشكلٍ كامل دور المحامي في الدفاع عن المتهم ويهدد استقلال مهنة المحاماة باعتبارها شريكاً أصيلاً للقضاء في تحقيق العدالة. وتتلخص أوجه الرفض الواسعة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية في أنه “يعطي لرجال الشرطة الحق في دخول منازل المواطنين من دون إذن قضائي في حالة الخطر تنفيذاً لنص الدستور”، و”لم يضع تعريفاً محدداً للخطر المقصود ولا عددَ حالات الخطر”.
وينص مشروع قانون الإجراءات الجنائية على أن “كل إجراء باطل وقع في حضور محامي المتهم لا يمكن التمسك به أمام المحكمة”. في نفس الوقت الذي منح هذا القانون لوكيل النيابة الحق في منع المحامي من الكلام أثناء التحقيق”. وأيضاً “يفتح القانون الباب أمام تنفيذ الأحكام الغيابية التي ليس لها حجية وتُعاد المحاكمة بمجرد الطعن عليها. رتب هذا القانون على الحكم الغيابي إجراءً فورياً لمعاقبة المتهم، الذي ربما لا يدري أنه متهم في قضية من الأساس، وهو التحفظ على أموال المتهم ومنعه من التصرف”.
وكذلك “يمنع المحامي من الحصول على صورة من أوراق التحقيقات وجمع الاستدلالات إذا رأى وكيل النيابة أن ضرورة التحقيق تقتضي ذلك”. وأيضاً “يمنح مشروع القانون النيابة العامة سلطتي الاتهام والتحقيق؛ ويعطيها الحق في رفض سماع شهود النفي والإثبات إذا طلب المتهم ذلك”. كما “يبالغ في رفع قيمة الرسوم القضائية”، ما يجعل مهمة الفقراء وغير القادرين في اللجوء للقضاء صعبة ومكلفة، ما يخل بمبدأ المساواة أمام القانون. ويأتي هذا القانون ليضاف إلى ترسانة القوانين والتشريعات الصادرة عن السلطات المصرية على مدار السنوات الماضية، والتي تُخضع المناخ السياسي بالكامل للأجهزة الأمنية، بدءاً بقانون التظاهر وقانون مكافحة الإرهاب.
قانون التظاهر
قانون التظاهر أُقرّ في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. واشترط على منظمي التظاهرات والمواكب والاجتماعات العامة لأكثر من عشرة أشخاص في مكان عام من دون دعوة شخصية مسبقة إخطار وزارة الداخلية قبل الموعد بثلاثة أيام على الأقل. ومنحت المادة 10 مسؤولي وزارة الداخلية حقاً مطلقاً لحظر أي تظاهرة أو اجتماع عام، على أساس مبهم مثل وجود “معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم”، من دون اشتراط تقديم مبررات محددة. ومن حق المنظمين نظرياً الطعن على الحظر أمام المحكمة الابتدائية المختصة، إلا أن القانون لم يحدد إطاراً زمنياً، بمعنى أنه يمكن للمحكمة نظر الطعن بعد انقضاء الموعد المحدد للفعالية.
ونصت المادة الثانية من القانون على انطباق القانون أيضاً على الاجتماعات العامة في فترة الحملات الانتخابية، أو على أي اجتماع يضم ناخبين ومرشحين أو ممثلين لهم، وعلى اجتماعات اختيار المرشحين. وصدر القانون على الرغم من الاعتراضات الواسعة عليه، إذ “يمنح على نحو فعال مسؤولي الأمن سلطة تقديرية لحظر أية تظاهرة على أسس غامضة، ويسمح لرجال الشرطة بتفريق أية تظاهرة بالقوة إذا قام ولو متظاهر واحد بإلقاء حجر، ويعاقب بالسجن على جرائم غامضة من قبيل محاولة التأثير على سير العدالة، كما يمنح القانون لوزارة الداخلية حق حظر أي اجتماع ذي طابع عام لأكثر من عشرة أشخاص في مكان عام، بما في ذلك الاجتماعات المتصلة بالحملات الانتخابية. ولا ينص القانون على استثناءات للتظاهرات الأصغر حجماً والتي ليس من شأنها تعطيل المرور، أو للتظاهرات العاجلة والعفوية”، حسب تقييم منظمة هيومن رايتس ووتش.
قانون الإرهاب
صدر القانون رقم 95 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب بتعريف فضفاض للإرهاب الوارد في قانون العقوبات المصري. وبحسب هذا التعريف، شمل “العمل الإرهابي أي استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع الذي يهدف، من بين ما يهدف إليه، إلى: الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر… أو تعريض… حريات الأفراد أو حقوقهم… للخطر… أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي، أو إلحاق الضرر بالبيئة… أو بالمباني أو بالأملاك… أو منع أو عرقلة الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة أو غيرها… من القيام بعملها أو بعض أوجه نشاطها”.
وأصدرت الحكومة قانون مكافحة الإرهاب بعد اغتيال النائب العام هشام بركات في 29 يونيو/حزيران 2015 في تفجير بسيارة مفخخة في القاهرة. وحسب تقييم منظمة هيومن رايتس ووتش، “يتجاوز القانون بشكل كبير تعريف الإرهاب الذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع في 2004 والذي أقرّه المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان في وقت لاحق. وينص ذلك التعريف على أن الإرهاب عمل يُرتكب بقصد القتل وإحداث إصابات بدنية خطيرة، أو أخذ رهائن بهدف تخويف أو ترويع السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على شيء ما”.
وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، “يتعارض قانون مكافحة الإرهاب في مصر مع مبدأ أساسي في القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على أن تُصاغ القوانين بشكل دقيق وتُفهم على أنها ضمانة ضدّ الاستخدام التعسفي، وتُعرّف الناس على الأعمال التي تعتبر جرائم”. وشمل قانون مكافحة الإرهاب كل شخص أو جماعة مصنفة إرهابية بموجب قانون الكيانات الإرهابية الذي صدر في فبراير/شباط 2015، والذي حدد الإجراء الذي تعتمده المحاكم للموافقة على إعلان النيابة العامة أشخاصاً، أو جماعة، معينين أنهم إرهابيين. ونص قانون مكافحة الإرهاب على عقوبة الإعدام في حوالي عشرة أعمال مختلفة، والعقوبة إلزامية في حق مُدان بتمويل جماعة إرهابية أو عمل إرهابي. ومن الأعمال الأخرى التي قد تنجر عنها عقوبة الإعدام إذا تسببت في الوفاة، تصنيع الأسلحة، وإلحاق الضرر بشبكات الغاز والمياه والكهرباء، وإجبار شخص ما على الانخراط في جماعة إرهابية أو البقاء فيها. ولا ينص القانون على أن يكون القتل متعمداً.
وبموجب القانون الدولي، فإن الدول التي تحافظ على عقوبة الإعدام مطالبة بالحد من تطبيق هذه العقوبة في الجرائم الخطيرة فقط. كما جرم القانون الالتحاق بمجموعة إرهابية أو المشاركة فيها، مع العلم بأهدافها، ونص على عقوبة بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات في حق كل عضو فيها حصل على تدريب عسكري أو أمني. وتكون المجموعة “الإرهابية من ثلاثة أشخاص على الأقل. ونصت المادة 8 من القانون على أن “يُعاقب على التحريض على ارتكاب أية جريمة إرهابية… وأياً كانت الوسيلة المستخدمة فيه بذات العقوبة المقررة للجريمة نفسها، بغض النظر عما إذا كان التحريض عاماً علنياً أو غير علني أو لم يترتب عليه أثر”.
وجرم قانون الإرهاب “التحريض الخاص الذي لا يكون له مفعول، وذلك بربطه بتعريف للإرهاب الذي يشمل استخدام القوة أو التهديد للإخلال بالنظام العام أو الإضرار بالوحدة الوطنية، وهو ما يُمكن أن يُفهم على أنه يشمل العصيان المدني. كما يفرض القانون قيودًا أخرى على حرية التعبير في المادة 35 التي تنص على “معاقبة كل من يقوم بنشر أو ترويج أخبار غير حقيقية عن أعمال إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع بغرامة مالية تتراوح بين 200 ألف و500 ألف جنيه مصري (بين 4500 دولار و10500). وإذا قام شخص ما بنشر مثل هذه الأخبار في إطار عمله، تستطيع المحكمة تعليق نشاطه لمدة تصل إلى سنة كاملة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس