أفريقيا برس – مصر. شهد الملف الحقوقي في مصر تباينات حادة خلال الأيام القليلة الماضية، إذ تزامنت أخبار الإفراج عن عدد من السجناء السياسيين على ذمة قضايا رأي مع قرارات أخرى بتجديد الحبس لناشطين وصحافيين، وإدانة حقوقية دولية ومحلية لملاحقة أكاديمي مصري منفي.
تأتي هذه التطورات في سياق الأزمة المتجذرة لملف السجناء السياسيين في مصر، حيث تواجه السلطات اتهامات مستمرة بقمع المعارضة وحرية التعبير. ففي خطوة إيجابية نحو تخفيف حدة الأزمة، أعلن المحامي الحقوقي البارز خالد علي، مساء أمس الاثنين، عن إخلاء سبيل مجموعة من المتهمين من النيابة، وذكر قائمة بأسماء المخلى سبيلهم وأرقام القضايا المحتجزين على ذمتها. وتشمل القائمة: غريب محمد مدني (القضية 1475 لسنة 2019)، ومحمد جمال محمد (القضية 2207 لسنة 2021)، وأحمد علي سالم ومصطفى هشام (القضية 2490 لسنة 2024)، ورامي محمد طه ومحمد هشام (القضية 6171 لسنة 2024)، ومحمود هشام محمد (القضية 3528 لسنة 2024)، وهاني حامد نجاتي (القضية 952 لسنة 2024)، ومحمد كمال صبرة (القضية 392 لسنة 2023)، وسيف إبراهيم ياسين (القضية 3388 لسنة 2023)، بالإضافة إلى محمد هنيدي شحاتة السيد ومحمد محمد كمال جبر.
وفي تطورات متصلة، أخلت نيابة أمن الدولة العليا، الأحد، سبيل عبد العزيز رمضان علي على ذمة التحقيقات في القضية رقم 3434 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، وبوصوله إلى منزله يكون هو المتهم الرابع الذي يُخلى سبيله في هذه القضية خلال شهر واحد. كما كانت النيابة قد أخلت، يوم السبت الماضي، سبيل متهمين جديدين هما إسلام محمود عبد العزيز وتامر معوض عيد، وقد وصلا إلى منزليهما في محافظتي أسوان والبحيرة. وتأتي إخلاءات السبيل الثلاثة الأخيرة على خلفية اتهامهم جميعاً بـ”الانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، بعد إلقاء القبض عليهم وآخرين في يوليو/ تموز 2024 بسبب منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بـ”ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية”.
لكن في المقابل، شهدت الأيام الماضية تصعيداً في الملاحقات والاحتجازات، لا سيما في قضايا تستهدف المعارضين في الداخل والخارج. ودانت مؤسسة دعم القانون والديمقراطية (LDSF) بالاشتراك مع 17 منظمة حقوقية مصرية ودولية إحالة الأكاديمي المصري المقيم في ألمانيا تقادم الخطيب إلى المحاكمة غيابياً، ضمن قضية تضم عشرات النشطاء والمدافعين داخل البلاد وخارجها. وأكدت المنظمات أن الخطيب يتعرض منذ عام 2017 لحملة انتقامية ممنهجة بسبب مساهمته في توثيق قضية تيران وصنافير، مشيرةً إلى انتهاكات شملت فصله من عمله بجامعة دمياط وحرمانه من منحة الدكتوراه، بالإضافة إلى عرقلة حصوله على أوراقه الثبوتية من السفارة المصرية في برلين.
وشددت المنظمات على أن هذه القضية تأتي في سياق “نمط متصاعد من القمع العابر للحدود” الذي تمارسه السلطات المصرية، مطالبةً بإسقاط جميع الاتهامات الموجهة ضد الخطيب والتوقف الفوري عن ملاحقة المعارضين، وإلغاء الأحكام الغيابية، وضمان حقوق المصريين في الخارج في الحصول على وثائقهم الرسمية.
وبالتوازي، قررت نيابة أمن الدولة العليا، يوم الأحد الماضي، تجديد حبس الصحافية صفاء محمد الكوربيجي لمدة 15 يوماً في القضية رقم 7256 لسنة 2025 حصر أمن دولة عليا، وذلك في ثاني جلسات تجديد حبسها، بعد اتهامها بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”نشر أخبار كاذبة” و”إساءة استخدام حساب خاص عبر شبكة المعلومات الدولية”. كما أفادت مصادر لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان بأن نيابة أمن الدولة العليا قررت، يوم الاثنين الماضي، تجديد حبس الطالب في كلية التربية بجامعة العريش أمير سليمان سلمي سلامة لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات في القضية رقم 1602 لسنة 2025، على خلفية اتهامه بـ”الانضمام إلى جماعة تكفيرية”. ويُذكر أن أمير كان قد تعرض للاختفاء القسري لمدة ثلاثة أسابيع بعد إلقاء القبض عليه في 27 أغسطس/ آب 2025.
على صعيد سير القضايا أمام المحاكم، قررت محكمة استئناف القاهرة، أمس الاثنين، تأجيل أولى جلسات نظر القضية رقم 955 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا إلى جلسة 30 ديسمبر/كانون الأول 2025 لسماع أقوال الشهود، وذلك داخل مجمع محاكم بدر، بحضور المتهمين المحبوسين. وتضم هذه القضية 168 متهماً، منهم 44 محبوساً احتياطياً منذ عدة سنوات، بينما تُنظر القضية غيابياً بالنسبة للباقين من الصحافيين والإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المقيمين خارج البلاد. وتتضمن لائحة الاتهام الموجهة إليهم “تأسيس والانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون، ونشر أخبار كاذبة”. وقد أكد مركز الشهاب لحقوق الإنسان هذا القرار. كما قررت محكمة جنايات القاهرة تأجيل القضية رقم 955 لسنة 2017، المعروفة إعلامياً بـ”قضية التخابر مع تركيا”، إلى 22 ديسمبر 2025، لإعادة فتح باب المرافعة.
وفي سياق متصل بتجديد الحبس، نظرت نيابة أمن الدولة العليا أمر تجديد حبس ثلاثة متهمين على ذمة قضايا مختلفة، وهم حاتم معوض إسماعيل وأشرف سيد محمد على ذمة القضية رقم 6044 لسنة 2025، والمتهم فتوح أحمد البري على ذمة القضية رقم 4285 لسنة 2025.
وتُظهر هذه التطورات اليومية استمرار حالة المد والجزر في الملف الحقوقي المصري، حيث تتداخل الإفراجات الجزئية مع استمرار الملاحقات القضائية والتضييق على النشاط السياسي والحقوقي والإعلامي. ولطالما اعتُبر ملف السجناء السياسيين في مصر من أبرز التحديات التي تواجه سجلها الحقوقي. ويُستخدم مصطلح “السجناء السياسيين” للإشارة إلى الآلاف من المعتقلين والمحتجزين على خلفية قضايا ذات طابع سياسي أو تعبير عن الرأي، وتتنوع التهم الموجهة إليهم لتشمل “نشر أخبار كاذبة”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، و”الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون”، وهي اتهامات يرى المحامون والمنظمات الحقوقية أنها تُستخدم بشكل واسع لتضييق الخناق على النشطاء والصحافيين والأكاديميين والمعارضين. وقد تصاعدت حدة هذه الأزمة على مدار السنوات الماضية، ما دفع عدداً كبيراً من المنظمات الحقوقية المصرية والدولية إلى إصدار بيانات إدانة مستمرة للممارسات القمعية، والمطالبة بإصلاح شامل في المنظومة القضائية والأمنية التي تتعامل مع هذا الملف.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





