أفريقيا برس – مصر. قررت وزارة الموارد المائية والري المصرية، السبت، فتح مفيض توشكى (مفيض طبيعي لتصريف المياه الزائدة خلف السد العالي بمحافظة أسوان) لتصريف جزء من المياه الزائدة، الناتجة عن التصرفات “الأحادية وغير المنضبطة” من الجانب الإثيوبي إزاء تشغيل سد النهضة، مؤكدة أن قرار فتح المفيض اعتمد على الرصد اللحظي وصور الأقمار الصناعية، من أجل ضمان التوازن الهيدروليكي واستقرار تشغيل المنظومة المائية المصرية.
وذكرت الوزارة، في بيان، أن مصر طالما حذرت من مخاطر الإدارة الأحادية وغير المنضبطة للسد الإثيوبي “المخالف للقانون الدولي”، مستطردة بأنه كان من المتوقع -وفق آليات إدارة وتشغيل السدود- خفض منسوب المياه في بحيرة السد تدريجياً من 640 متراً إلى 625 متراً بنهاية العام المائي، في 31 يوليو/ تموز الماضي، بما يضمن عدم تشغيل السد عند أقصى مناسيب تشغيلية لفترة طويلة للمحافظة على مرونة مجابهة التغيرات الهيدرولوجية المحتملة.
وأضافت الوزارة أن إثيوبيا لم تلتزم بذلك الأمر، بل أسرعت في غلق مفيض الطوارئ في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى خفض التصريفات الخارجة إلى حوالي 139 مليون متر مكعب، ثم الاستقرار عند متوسط 160 مليون متر مكعب يومياً حتى 20 أكتوبر/تشرين الأول، بما يعني تشغيل نحو 50% فقط من التوربينات المتاحة.
وانتقدت الوزارة الأسلوب الإثيوبي في التشغيل بوصفه غير منضبط هيدرولوجياً، ويعتمد على خفض التصريف لزيادة التخزين ورفع المنسوب، ثم إعادة تصريف المياه لاحقاً بشكل مفاجئ، وبكميات تفوق الحاجة الفعلية، بدلاً من تصريفها تدريجياً كما تقتضي القواعد الفنية السليمة، معتبرة أن هذا النمط يعكس غياباً لخطة تشغيل علمية مستقرة أو رؤية واضحة لإدارة السد.
وأكملت أن منسوب المياه داخل بحيرة السد الإثيوبي ارتفع مرة أخرى مقترباً من منسوب 640 متراً، وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول لوحظ زيادة مفاجئة في التصريفات لتصل إلى نحو 300 مليون متر مكعب في اليوم، نتيجة فتح مفيض الطوارئ المخصص في الأصل للظروف الاستثنائية، وليس لتشغيل السد بشكل يومي، ما يعكس استمرار العشوائية في إدارة السد، لا سيما مع استمرار متوسط التصريفات عند حدود 320 مليون متر مكعب لمدة عشرة أيام متتالية.
وأوضحت الوزارة أن مفيض الطوارئ أغلق للمرة الثانية في 31 أكتوبر، وبلغ متوسط المنصرف خلال الفترة من 1 إلى 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي نحو 180 مليون متر مكعب يومياً، بزيادة تقارب 80% عن المتوسط التاريخي لنفس الفترة، والبالغ حوالي 100 مليون متر مكعب، بما يؤكد استمرار التقلبات الحادة في التصرفات المائية على مجرى النيل الأزرق.
وزادت أن غياب الضوابط الفنية والعلمية في تشغيل السد الإثيوبي يعرض مجرى نهر النيل لتقلبات غير مأمونة التأثير، الأمر الذي يمثل تهديداً لحقوق ومصالح دولتي المصب (السودان ومصر)، فضلاً عن تأثير التصرفات الإثيوبية على تشغيل السدود الواقعة خلف سد النهضة مباشرة، والتي تضطر لاتخاذ إجراءات تحفظية لاستيعاب التغيرات المفاجئة، وضمان التشغيل الآمن لها.
وقالت الوزارة إن لجنة إيراد النهر، التي تضم خبراء في مجالات الهيدرولوجيا وتشغيل السدود والاستشعار عن بعد، قررت فتح مفيض توشكى لتصريف جزء من المياه الزائدة، بما يحقق التوازن الهيدروليكي داخل المنظومة المائية المصرية، ويضمن استقرار تشغيلها، ما تسبب في تأجيل استكمال أعمال رفع القدرة التصريفية لقناة ومفيض توشكى، وهي جزء من خطة التطوير الشاملة للمنظومة المائية، نتيجة توجيه الجهود للتعامل مع الزيادات المفاجئة وغير المنضبطة في كميات المياه الواردة من أعالي النيل.
وطمأنت وزارة الري المواطنين بأن المنظومة المائية المصرية تعمل بكفاءة عالية، إذ يظل السد العالي خط الدفاع الرئيسي للبلاد في مواجهة أي تقلبات أو تصرفات غير منضبطة، خاتمة بأن أجهزة الدولة ملتزمة بإدارة الموقف المائي باحترافية لضمان تلبية جميع الاحتياجات المائية، وحماية مصالح الشعب المصري.
وفي مطلع أكتوبر، حملت مصر إثيوبيا مسؤولية ما وصفته بـ”الفيضان الصناعي المفتعل” الناتج عن التصرفات الأحادية في تشغيل السد، بينما نفت أديس أبابا أي علاقة بين السد وارتفاع منسوب النيل، معتبرة ذلك نتيجة طبيعية لزيادة تدفقات النيل الأبيض بفعل الأمطار الموسمية.
وقد تعرضت قرى مصرية في مناطق وسط وغرب الدلتا والجزر النهرية والأراضي المشاطئة لنهر النيل، للغرق بعد فتح السلطات بوابات السد العالي لتعمل بكامل طاقتها، بما أدى إلى ارتفاع معدل منسوب المياه بمسار النهر، وفتح أبواب الخزانات للحد من ضغوط المياه المفاجئة على منشآت الري القديمة، عقب اندفاع الفيضان من سد النهضة بإثيوبيا في اتجاه السودان والأراضي المصرية.
ويشكل سد النهضة، الذي تبلغ سعته التخزينية الإجمالية نحو 74 مليار متر مكعب، حجر الأساس لخطط إثيوبيا للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الكهرباء، خاصةً إلى السودان وجيبوتي وكينيا. في حين تخشى القاهرة أن يؤدي الملء والتشغيل من دون تنسيق إلى تراجع منسوب بحيرة ناصر خلف السد العالي، ما يهدد الأمن المائي والغذائي المصري، في ظل الاعتماد شبه الكامل على مياه النيل.
وتقدر موارد مصر المائية بحوالى 56.6 مليار متر مكعب سنوياً، فيما تبلغ احتياجاتها حوالي 114 مليار متر مكعب، بعجز يصل إلى 57.4 مليار متر مكعب سنوياً. وتعتمد القاهرة على نهر النيل للحصول على نحو 97% من احتياجاتها من المياه العذبة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





