أفريقيا برس – مصر. تتواصل التحذيرات الحقوقية بشأن تدهور الأوضاع الصحية لعدد من السجناء السياسيين في مصر، وسط ما تصفه منظمات محلية ودولية بـ”سياسة الإهمال الطبي الممنهج” داخل السجون ومقار الاحتجاز الرسمية. وتؤكد تقارير حقوقية أن بعض السجناء يواجهون تهديدا مباشرا لحياتهم نتيجة حرمانهم من العلاج، أو تأخر حصولهم على الرعاية الطبية الضرورية، في وقت تتزايد فيه المطالبات بالإفراج الفوري عنهم.
في 15 سبتمبر/أيلول 2025، قررت الدائرة الثانية إرهاب بمحكمة جنايات القاهرة تجديد حبس الصحافي سيد صابر 45 يوماً على ذمة القضية رقم (6499) لسنة 2024، رغم خضوعه لعملية جراحية في القلب في إبريل/نيسان الماضي. محاميه الذي حضر جلسة التجديد، طالب بإخلاء سبيله بسبب حالته الصحية الحرجة، لكن المحكمة تجاهلت هذه المناشدة. صابر أُعيد إلى محبسه في سجن العاشر من رمضان بعد فترة قصيرة من نقله إلى المركز الطبي بمجمع السجون، في ظروف يرى حقوقيون أنها تمثل تهديدا مباشرا على حياته، وفق ما ذكره المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وفي القضية نفسها، جدّدت المحكمة حبس المواطنة نورهان السيد أحمد دراز، وهي وكيلة إدارة متقاعدة، لمدة 45 يوما على ذمة التحقيقات في القضية رقم (3528) لسنة 2024. وبحسب ما أورده مركز الشهاب لحقوق الإنسان، الأربعاء، فقد ألقي القبض على نورهان من منزلها في حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة في أغسطس/آب 2024، وظلت مختفية قسريا 12 يوما قبل أن تظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا. وتعاني نورهان من ورم في الرحم يستدعي تدخلا جراحيا عاجلا، إلى جانب أمراض مزمنة، منها قصور الغدة الدرقية بعد استئصالها، لكنها تُحرم من الأدوية والأغطية داخل محبسها، ما يضاعف معاناتها ويزيد المخاوف على حياتها.
وفي سياق متصل، حذّرت مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان من التدهور الحاد في الحالة الصحية للسجين السياسي أمين عبد الحميد الصيرفي، المحتجز في سجن بدر 3 – قطاع 2. وأوضحت المؤسسة في بيانها، أن الصيرفي يخوض إضرابا عن الطعام والدواء احتجاجا على ظروف احتجازه القاسية، حيث يتعرض لعزل انفرادي طويل الأمد وحرمان متعمَّد من الرعاية الطبية. واعتبرت المؤسسة أن استمرار هذه الانتهاكات يمثل خرقا للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، محمّلة السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن حياته.
كما أعلنت منصة جوار الحقوقية أن المعتقل جهاد الحداد، المهندس والإعلامي البالغ من العمر 44 عاما والناطق الإعلامي السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين، يعاني من عجز شبه كامل وفقدان القدرة على المشي نتيجة الإهمال الطبي. وبحسب المنصة، فإن الحداد الذي برز قبل اعتقاله باعتباره أحد أبرز الأصوات الإعلامية المعارضة، يواجه اليوم ظروفاً وُصفت بـ”العقاب الصامت”، حيث تحوّل الحرمان من العلاج والزيارة إلى وسيلة لتدمير حياته داخل محبسه، رغم أنه لم يُدن بأي جريمة.
وتشير تقارير منظمات حقوقية دولية، مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، إلى أن الإهمال الطبي داخل السجون المصرية يمثل نمطا ثابتا منذ سنوات، إذ يُحرم السجناء من الأدوية، ويُؤخَّر نقل الحالات الحرجة إلى المستشفيات المتخصصة، في حين يواجه المصابون بأمراض مزمنة نقصا في المتابعة الصحية. وتؤكد هذه التقارير أن الزنازين تعاني من الاكتظاظ، وضعف التهوية، وسوء التغذية، وأن المرافق الطبية في السجون غالبا ما تفتقر إلى التجهيزات اللازمة، ما يجعل الرعاية مقتصرة على مسكّنات للألم دون علاج فعلي.
الأرقام المتاحة تعكس حجم الكارثة. فقد وثّق ائتلاف المادة 55، وهو تجمع حقوقي مصري، وفاة 296 سجينا في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2020 ويونيو/حزيران 2024 داخل السجون ومقار الاحتجاز. كما أشار التقرير نفسه إلى تسجيل 1319 حالة إنكار للرعاية الصحية و533 حالة إهمال طبي خلال الفترة ذاتها. وفي تقرير صدر عن “صحافيات بلا حدود”، قُدّر عدد الوفيات في عام 2024 بما لا يقل عن 50 سجينا سياسيا نتيجة الحرمان من الرعاية الصحية.
تمثل هذه الانتهاكات، بحسب خبراء القانون الدولي، خرقاً واضحاً لالتزامات مصر بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص على حق كل شخص في الرعاية الصحية حتى داخل أماكن الاحتجاز، بالإضافة إلى مخالفتها للدستور المصري الذي يكفل الحق في الحياة والرعاية الطبية لكل مواطن.
وتطالب المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بالإفراج الفوري عن السجناء المرضى، أو على الأقل نقلهم إلى مستشفيات متخصصة لتلقي العلاج اللازم، ووقف استخدام المرض أداةً للعقاب السياسي، كما تطالب بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة في حالات الوفاة والإهمال الطبي المتكررة داخل السجون، ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان التزام السلطات المصرية بالقوانين الدولية وقواعد الأمم المتحدة الخاصة بمعاملة السجناء.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس