تقديرات متباينة في القاهرة بشأن العلاقات المصرية الإسرائيلية

6
تقديرات متباينة في القاهرة بشأن العلاقات المصرية الإسرائيلية
تقديرات متباينة في القاهرة بشأن العلاقات المصرية الإسرائيلية

أفريقيا برس – مصر. نتنياهو لم يعد يمثل خطراً” على مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية و”لكنه خطر على المنطقة بالكامل”… بهذه الكلمات عبّر مسؤول مصري مطلع على الجهود التي تبذلها القاهرة لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عن “مخاوف لدى الدوائر المصرية، سواء السياسية أو الاستخبارية، المعنية بإدارة العلاقات مع تل أبيب”.

وبحسب المسؤول المصري، فإن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو “أمام دفاعه المستميت عن مستقبله السياسي، أو بمعنى أدق إبعاد عنقه عن المقصلة، لديه استعداد لأن يعصف بالجميع”.

وأضاف أن علاقة نتنياهو “مع البيت الأبيض والرئيس جو بايدن تكاد تصل إلى طريق مسدود، كذلك باتت بعض ملفات العلاقات المصرية الإسرائيلية على صفيح ساخن”.

ووصلت العلاقات بين مصر وإسرائيل، وفق المصدر، إلى “مرحلة التوتر، بسبب النهج الذي يتبعه نتنياهو، والذي لا يضع نصب عينيه سوى إرضاء اليمين المتطرف، من أجل الحفاظ على تحالفه الحكومي، ومن ثم إطالة أمد الحرب، ووضع المنطقة بالكامل فوق فوهة بركان”.

بركان “يوشك أن ينفجر في وجه الجميع في أي لحظة إذا لم يتم التوصل لإنهاء العدوان في أسرع وقت ممكن”. وأشار إلى أن “هذه الرؤية نفسها، باتت تتبناها الإدارة الأميركية وتعمل على إنجازها خلال الفترة القريبة المقبلة”.

العلاقات المصرية الإسرائيلية مرتبطة بعدة دوائر

وحول مستوى العلاقات بين القاهرة وتل أبيب وطبيعتها في الوقت الراهن، أوضح المسؤول المصري أنه “لا يمكن الحديث إجمالاً عن العلاقة بين مصر وإسرائيل، كون الأمر مرتبطاً بأكثر من دائرة”.

وتابع: “فهناك الدائرة الاقتصادية، التي تكاد تكون العلاقات فيها جيدة للغاية في ظل تفاهم كبير، ويليها المستوى الأمني أو الاستخباري، وهو المشرف على العلاقة بين الطرفين من الجانب المصري، والعلاقات فيه متذبذبة صعوداً وهبوطاً بحكم العديد من المتغيرات، سواء الداخلية أو الإقليمية والدولية”.

أما المستوى الثالث “وهو الدائرة المعنية بالتنسيق العسكري، فهي دائرة متوترة منذ فترة، وتحديداً منذ واقعة المجند محمد صلاح، والذي اخترق الحدود وأطلق النار على الجنود الإسرائيليين (قتل ثلاثة) قبل أن يتم قتله”، في يونيو/ حزيران الماضي.

وقال المسؤول المصري إن “هناك ما يمكن تسميته بفجوة بين المستوى السياسي والمستوى العسكري في ما يتعلق بالتنسيق مع إسرائيل”، مضيفاً أن هذا الأمر “قد يكون مفهوماً نوعاً ما، إذ إن المستوى السياسي خاضع لضغوط دولية وأوضاع داخلية يحاول أن يوفق بينها، في إشارة إلى الضغوط الاقتصادية”.

أما المستوى العسكري “فإن ما يعنيه في المقام الأول هو عدم المساس بخططه في ما يتعلق بالنقاط المشتركة، كالحدود على سبيل المثال”.

ولفت المسؤول إلى أنه “على مدار العام الماضي، كانت هناك تجاذبات كثيرة خلال اجتماعات مشتركة بين المستويين الاستخباري والعسكري في مصر، بشأن ترتيبات لها علاقة بالمناطق الحدودية، كان من بينها مطالب إسرائيلية بتركيب كاميرات على الشريط الحدودي بين سيناء وصحراء النقب، وكذلك ترتيبات متعلقة بإجراءات تسليم جزيرتَي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية”.

وفي ما يخص ما وصفه بـ”تهديد نتنياهو للعلاقات بين مصر وإسرائيل”، قال إن “إصرار رئيس حكومة الاحتلال على التصعيد العسكري في منطقة محور فيلادلفيا على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، وحصر إنجاز المهمة العسكرية في القطاع ضد حركة حماس بالسيطرة على هذه المنطقة والتواجد الدائم فيها” هو أمر “مرفوض تماماً من جانب المؤسسة العسكرية”.

وتمثل التصريحات الإسرائيلية حول هذه المنطقة الحدودية “ملفاً شديد الحساسية في مصر، إذ ترفض المؤسسة العسكرية أية تحركات من الجانب الإسرائيلي في هذا الشأن، باعتبار أن هناك اتفاقيات منظمة لحركة القوات ووجودها في تلك المناطق، وأن ما يلوح به نتنياهو ويشير إليه يعد مساساً بتلك الاتفاقيات”.

وفي 13 يناير/ كانون الثاني الحالي، اعتبر نتنياهو أن محور فيلادلفيا يمثل “فتحة” يتدفق منها السلاح لحركة “حماس” و”يجب إغلاقها”.

وقال في تصريحات للصحافيين إن “غلق المنطقة الحدودية لعزل حركة حماس أحد أهداف الحرب الجارية في غزة”، مشيراً إلى أن “هناك عدداً من الخيارات، تشمل نقل قوات إلى فيلادلفيا، وبحثنا هذه الخيارات ولم نتخذ قراراً بعد”.

ضغط على القاهرة بشأن المنطقة الحدودية

وسعت حكومة الاحتلال خلال الفترة الماضية، للضغط على القاهرة عبر الإدارة الأميركية، لتمرير خطة أمنية تشمل ترتيبات متعلقة بالشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، تتضمن آلية تسمح بإرسال إشعارات فورية إلى جيش الاحتلال عن أية خروقات أمنية.

يأتي ذلك إلى جانب إمكانية توجيه سلاح الجو الإسرائيلي للتعامل المباشر معها، بما في ذلك داخل الحدود المصرية، وهو ما ترفضه القاهرة، إذ تعتبر ذلك مساساً بالسيادة على الأراضي المصرية.

ويمتد محور صلاح الدين المعروف باسم “محور فيلادلفيا” داخل قطاع غزة من البحر المتوسط شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوباً بطول الحدود المصرية، التي تبلغ نحو 14 كيلومتراً.

محور فيلادلفيا… استرضاء لليمين الإسرائيلي

ورأى المسؤول المصري أن “حديث نتنياهو المتكرر بشأن ملف محور فيلادلفيا يأتي في إطار استرضاء الداخل الإسرائيلي واليمين المتطرف، والذي تتعالى بعض الأصوات داخله بضرورة اتخاذ إجراءات صارمة حيال مصر”.

ويحمّل “بعض الساسة الإسرائيليين، أمثال أفيغدور ليبرمان، القاهرة مسؤولية الترسانة العسكرية الهائلة لحماس، إذ يشيرون إلى أن النسبة الكبرى من تلك الأسلحة دخلت عبر الحدود مع مصر”.

وأضاف أن “نتنياهو فضّل أن يرضي مكونات تحالفه المتطرف على حساب العلاقات مع مصر، من دون أن يدري أن الإدارة المصرية في لحظة فارقة قد تضطر لعرقلة اتفاقات أو الإقدام على خطوات تحت ضغط الشارع المصري المضطرب بالأساس اقتصادياً”.

وقد زاد هذا الاضطراب أيضاً “جراء الحرب في غزة وعدم رضا قطاعات واسعة عن إدارة مصر للأزمة”.

لم يكن تلويح نتنياهو بإجراءات حيال المنطقة الحدودية وحده ما أثار استياء دوائر مصرية، لكن إشارات نتنياهو وصمته تجاه تصريحات وزراء في تحالفه الحكومي بشأن الإصرار على تهجير سكان القطاع، وإزاحتهم عبر العمليات العسكرية المتدرجة من شماله إلى جنوبه، ومن ثم تهيئة الأوضاع لاقتحام الحدود مع مصر، تعد الأزمة الكبرى التي سعى لتصديرها إلى القاهرة.

وقد أكدت مصر رفض ذلك في ظل موقف صارم من المؤسسة العسكرية، عكسه المستوى السياسي في مرحلة تالية عبر تصريحات متكررة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في هذا السياق.

تباين المواقف حيال العلاقات المصرية الإسرائيلية

من جانبه قال مصدر مصري آخر إن هناك مستويات تتباين مواقفها في الجانب المصري تجاه العلاقات المصرية الإسرائيلية “تماثل التفاوت في المواقف داخل الدوائر الإسرائيلية”.

وأشار إلى أنه “في ظل تشدد المواقف من المستوى السياسي في الحكومة الحالية في تل أبيب تجاه القاهرة، كان هناك حديث مختلف من جانب مسؤولين في جهازي الشاباك والموساد، ولقاءات عدة جرت خلال الفترة الماضية”.

وتابع: “حتى إنهما أصدرا توصيات للمستوى السياسي، بالإسراع في إعادة ضخ الغاز الإسرائيلي للقاهرة في أعقاب تصاعد أزمة الطاقة، وذلك ضمن تفاهمات بين المسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصري ونظرائهم في تلك الأجهزة”.

وبحسب المصدر، فإنه “يتضح من خلال المباحثات التي تجري بين المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، والمسؤولين في جهازي الموساد والشاباك، أن هناك إدراكاً من المسؤولين الإسرائيليين للتداعيات السلبية للنهج الذي يتبعه نتنياهو ووزراء آخرون في حكومته”.

وأوضح أن “هناك دائماً تطمينات تصدر للقاهرة من المستويات الأمنية الإسرائيلية، بأن هناك حرصاً على العلاقات مع القاهرة، والتعامل السريع مع ما يوترها”.

دبلوماسياً جاء الدفع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بعدم المسؤولية عن إدخال المساعدات لغزة، في إطار دفاع حكومة الاحتلال عن نفسها بشأن تهمة الإبادة الجماعية، في الدعوى المقامة من دولة جنوب أفريقيا، واتهام القاهرة بالمسؤولية عن ذلك، كونها المتحكم في إدارة معبر رفح الحدودي ليلهب ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية.

وقد أثارت تلك الخطوة، بحسب مصدر مصري، “جدلاً واسعاً داخل الدوائر المصرية المعنية بإدارة العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، وصل حد اقتراح ضرورة اتخاذ خطوة بسحب السفير المصري من إسرائيل”، خالد عزمي. وأشار المصدر إلى أنه “بعد مباحثات استمرت لأكثر من 5 ساعات في أعقاب الخطوة الإسرائيلية، تم التوافق على إصدار بيان رسمي يوضح الموقف”.

تراجع في العلاقات المصرية الإسرائيلية

بدوره قال دبلوماسي مصري إن “مستوى العلاقات بين القاهرة وتل أبيب شهد تراجعاً منذ تولي الحكومة الحالية زمام الأمور”، مشيراً إلى أن “الفترة التي كانت فيها الحكومة الائتلافية السابقة، وبالتحديد خلال فترة تولي نفتالي بينت رئاسة الحكومة، كانت الأمور تسير بشكل أفضل كثيراً عن الفترة الراهنة”، موضحاً أن “الأمور ازدادت توتراً”.

وأضاف أن “الصراع الداخلي الإسرائيلي خيّم بظلاله على العلاقة مع مصر، كون ذلك الملف مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بتوجهات الشارع في تل أبيب”.

يأتي ذلك “بحكم ارتباط مصر بملف غزة، والوساطة التي كانت مستمرة قبل اندلاع الحرب الأخيرة بين حكومة الاحتلال وفصائل المقاومة، إذ كانت مصر ترعى المفاوضات غير المباشرة للحفاظ على التهدئة” في القطاع.

وأوضح الدبلوماسي المصري أن “استمرار نتنياهو، أو استمرار النهج الذي يتبعه حالياً، وعدم التفاته لحساسية ملف العلاقات مع مصر، قد يدفع نحو أزمة يصعب السيطرة على تداعياتها”.

وتابع: “حتى ولو كانت هناك داخل الإدارة المصرية، أصوات ضابطة وحاكمة تعمل على ضبط إيقاع هذه العلاقات منذ اتفاقية السلام، خصوصاً إذا اقترن بغضب شعبي إزاء ما تشهده الأراضي الفلسطينية”.

وفي السياق، قال السياسي الفلسطيني، جمال زحالقة، إنه “بالتأكيد تتأثر العلاقات المصرية الإسرائيلية بما يجري في غزة”، معتبراً أن التساؤل هو “إلى أي مدى؟”.

وتابع: “هناك ملفات عينية قد تكون مدعاة لتفجير الأوضاع بين مصر وإسرائيل، خصوصاً في قضية محور فيلادلفيا”. وأشار إلى أن “هناك ملفات أخرى مثل المساعدات الإنسانية التي تحاول إسرائيل أن تعرقلها بشتى الوسائل وأن جعلها بالحد الأدنى وأقل”.

وتابع: “نتنياهو تفاخر بأن ما يدخل إلى غزة هو أقل 10 بالمائة من المعتاد”، لافتاً إلى أنه لا يعتقد أن مصر ستقف مكتوفة الأيدي “إزاء تجويع قطاع غزة وانتشار الأوبئة”.

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، إنه يبدو أن “العلاقات الإسرائيلية المصرية متوترة أصلاً منذ أن بدأت إسرائيل شن العدوان على قطاع غزة قبل ثلاثة أشهر”.

ورأى أن “العلاقات أصبحت في وضع متوتر أكثر، بعد تصريحات نتنياهو عن ضرورة فرض السيادة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا، وهناك طبعاً اتفاقية كامب ديفيد، والتي يوجد بها ملحق أمني له علاقة بترتيبات الحدود بين قطاع غزة ومصر”.

وتابع: “بالتالي فإن أي عودة إسرائيلية لاحتلال محور فيلادلفيا، ستكون لها تداعيات سلبية على اتفاقية كامب ديفيد، ولذلك فإن التصريحات الإسرائيلية من أعلى المستويات السياسية، تضر بشكل كبير بالعلاقة المصرية الإسرائيلية”.

وأشار إلى “ما قاله وزير الخارجية المصري سامح شكري، من أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، سيعيد العلاقات بين مصر وإسرائيل إلى ما قبل كامب ديفيد، بمعنى حالة الحرب عملياً، أو حالة اللا حرب واللا سلم”.

وتابع: “لذلك الأوضاع باتت متوترة، إذا ما لم يتم وقف مثل هذه التصريحات الإسرائيلية، أعتقد أن الأمور مرشحة لمزيد من التوتر”.

من جهته رأى الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، أن “العلاقات بين إسرائيل وكل دول العالم، لحقت بها أضرار متباينة، وربما أكثر مع مصر”، موضحاً أنه “بعد مرور ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وبعد كل ما فعلته إسرائيل، لا أتوقع أن يتصاعد التوتر بين القاهرة وتل أبيب إلى مستوى يثير القلق”.

واستدرك: “إلا إذا أقدم نتنياهو على مغامرة عند محور فيلادلفيا ومعبر رفح”، معتبراً أن “قيادة الحرب لا ترغب في الذهاب خلف نتنياهو في هذه المغامرة الخطيرة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here