حملة تبرعات مصرية لإعمار غزة… ومكاسب اقتصادية

حملة تبرعات مصرية لإعمار غزة... ومكاسب اقتصادية
حملة تبرعات مصرية لإعمار غزة... ومكاسب اقتصادية

عبد الكريم سليم

أفريقيا برس – مصر. في ظل اتفاق جماعي على ضرورة إعادة إعمار قطاع غزة وإزالة آثار العدوان الإسرائيلي الذي أباد نحو 90% من مرافقه وأكثر من 80% من منشآته السكنية والتجارية والصحية والخدمية، لاقت دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تبرع المصريين لمشروعات إعادة تعمير غزة استجابةً من مقربين من النظام من الشخصيات العامة والإعلامية وغيرها، إلا أن البعض طالب بوجود آليات محددة لتمويل الإعمار لأن التبرعات بمفردها لا تكفي.

وكلّف السيسي رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات المعنية في الدولة، بدراسة إنشاء آلية وطنية لجمع مساهمات المواطنين وتبرعاتهم، في إطار تمويل عملية إعادة إعمار قطاع غزة.

ويأتي حديث السيسي عن ضرورة إيجاد آلية وطنية للتبرع لغزة بالتزامن مع اقتراب استضافة مصر خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مؤتمرًا دوليًا بشأن إعادة إعمار قطاع غزة، وهو ما يمثل فرصة لمصر لتشغيل شركات الهيئة الهندسية والمتعاونين معها.

وبالتزامن مع التبرع لإعمار غزة طالب مراقبون بتوجيه تبرعات عينية من أدوية ومستلزمات طبية للفقراء في مصر أيضا حيث إن ثلث المصريين يقعون تحت خط الفقر حسب إحصائيات رسمية، لاسيما أن دعوة السيسي جاءت بعد أيام من رفع أسعار المحروقات للمرة الثانية خلال العام، ما ساهم في تصاعد معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.

يذكر أن الكثير من القرى المصرية والجمعيات الخيرية بادرت بالمشاركة في إرسال المساعدات إلى غزة أثناء العدوان الإسرائيلي واستمر في دعم القطاع حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار.

من يتحمل فاتورة الإعمار

وسببت دعوة الرئيس المصري إلى التبرع لغزة موجة من التساؤلات في الشارع حول أسبابها ومن يقف وراءها؟ ومدى إدراك مطلق الدعوة أن أحدًا على الصعيد الدولي لن يتحمل فاتورة إعمار غزة، فيسعى للحصول على تمويل داخلي عبر تبرعات المصريين لتشغيل الشركات المصرية في الإعمار؟ أم أن ثمة تمويلات قادمة وخصوصًا من الاتحاد الأوروبي ويود الحصول على نصيب أكبر من كعكة الإعمار عبر الاستباق بالتمويل المحلي والبدء بالإعمار ثم الحصول لاحقًا على مقابل عملية الإعمار من الخارج؟

وأثيرت تساؤلات أيضا حول الخلافات بشأن أن يكون التبرع جزءًا من اتفاق لوقف الحرب، يقضي بألا تتحمل إسرائيل أو الدول المعنية بالإعمار – مثل الولايات المتحدة أو أوروبا – تلك الفاتورة، فيضع النظام المصري حلًا يقوم على تحميل المصريين المسؤولية عبر تبرعات ذاتية تموّل عمليات تشغيل الشركات المصرية التي ستتولى الإعمار في غزة؟

كما طُرحت تساؤلات أخرى حول مدى تجاوب المصريين مع الدعوة، وحجم التبرعات المتوقع، وما إذا كانت ستكفي فعلًا لتمويل الإعمار، إلى جانب أسباب الامتناع لدى قطاعات واسعة من الشعب.

من جانبه، قال عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين مجدي حمدان، إن دعوة السيسي لإنشاء آلية للتبرع لغزة تحمل أبعادًا خارجية، تتعلق بحثّ الدول العربية والإسلامية على المساهمة بدور أقوى في إعمار القطاع، وتوجيه رسالة بأن مصر والمصريين، رغم ظروفهم الصعبة، سيتبرعون لغزة، في خطوة قد تستفز دول الخليج خصوصًا للقيام بدور أكبر في الإعمار.

وأضاف حمدان أن السيسي ربما يمتلك معلومات تفيد بوجود حالة من التريث لدى دول الخليج وبعض الدول العربية والإسلامية تجاه المساهمة في إعادة إعمار غزة، في ظل عدم استقرار الأوضاع واحتمال تجدّد العدوان الإسرائيلي، ما يجعل أي جهود للإعمار مهددة بالدمار من جديد. ومن ثم جاءت دعوته لآلية وطنية للتبرع لغزة في هذا التوقيت الصعب والمُعقد.

ومضى حمدان قائلًا: “لا ينبغي أن نتجاهل العلاقة بين دعوة الرئيس للتبرع لغزة والمسؤولية التاريخية لمصر تجاه القطاع، وضرورة وجود دور فاعل لمصر في عملية الإعمار، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، انطلاقًا من اعتبارات الأمن القومي المصري”.

ولم يستبعد حمدان أن تكون الدعوة للتبرع محاولة لإيجاد تمويل شعبي للشركات المصرية التي ستقوم بدور في إعادة إعمار غزة، خاصة أن الأزمة الاقتصادية والالتزامات الدولية تُقيّد قدرة الحكومة المصرية على تقديم تمويل رسمي كبير.

ورجّح حمدان أن تلقى الدعوة استجابة من فئات محددة، خصوصًا رجال الأعمال والشركات والمؤسسات الكبرى المُقربة من النظام، إضافة إلى بعض الأحزاب المُهيمنة على المشهد البرلماني، والتي تطرح عضوية البرلمان على الشخصيات العامة ورجال الأعمال مقابل مبالغ ضخمة تصل إلى نحو 70 مليون جنيه، ما يجعلها قادرة على لعب دور مهم في حملة التبرعات.

في المقابل، رجّح أن تكون هناك استجابة شعبية للتبرع ولكن ستكون محدودة للغاية مقارنة بمتطلبات الإعمارالضخمة في غزة بسبب ضعف الأوضاع لااقتصادية للمصريين.

كعكة مطلوبة

قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير السابق، عبد الله الأشعل، إن حملة التبرع لغزة تقف وراءها دوافع داخلية بحتة، في ظل مسعى رسمي لإيجاد آلية لتمويل عمل الشركات المصرية في غزة من جيوب المصريين الفقراء، بسبب الأزمات المالية التي تُعاني منها الدولة، والتي تُقيّد يد الحكومة عن إقرار مُخصصات رسمية للمشاركة في عملية الإعمار.

وأضاف الأشعل أن هناك رغبة في إيجاد آلية تمويل شعبي لدور الشركات المصرية في إعادة الإعمار بعيدًا عن الموازنة العامة للدولة، فضلًا عن أن هذه الآلية سيُشرف عليها مقربون من النظام وموالون له، لضمان السيطرة عليها والحصول على نصيب من “الكعكة”.

واستغرب الأشعل إطلاق هذه الدعوة، رغم أن هناك ضغوطًا أميركية أطلقها الرئيس دونالد ترامب على دول الخليج الثرية للمشاركة بقوة في إعادة إعمار غزة. ورجّح الأشعل استجابة رجال الأعمال والموالين للنظام للدعوة، عبر تبرعات سخية طلبًا لودّ النظام وانتظارًا لمكافآت داخلية، بينما الغالبية الفقيرة من المصريين ستتفاعل معنويا لكن قدراتها المادية ستمنعها من المشاركة الفاعلة مع دعوة التبرع بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تجعل التبرع لغزة أمرًا شديد الصعوبة.

آلية للضغط

أما عميد كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف وأستاذ العلاقات الدولية، نجاح الريس، فرأى أن إنشاء آلية وطنية للتبرع لغزة يمثل إشارة للدول العربية والاتحاد الأوروبي إلى أهمية إعادة إعمار القطاع، وضرورة أن تلعب هذه الدول دورًا في العملية، فضلًا عن رغبة مصر في تسريع وتيرة الإعمار لإعادة الحياة الطبيعية إلى أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع.

وأضاف أن التاريخ لن يرحم من يتقاعس عن دعم غزة، سواء كانوا دولًا أو مؤسسات أو أفرادًا، مُشيرًا إلى أن السيسي يسعى من وراء هذه الآلية لإيجاد ضغط دولي على الاحتلال الإسرائيلي لعدم عرقلة عمليات الإعمار، إذ تُشكل القيود المفروضة على المعابر وخروقات الهدنة أكبر العقبات أمام إعادة بناء القطاع.

واعتبر أن عملية الإعمار إنسانية في المقام الأول، ويجب أن تُترجم في صورة سخاء في المساهمة لإنقاذ حياة أكثر من مليوني فلسطيني عانوا ويلات الحرب والدمار غير المسبوق خلال العامين الماضيين، مُشيرًا إلى رغبة مصرية في رؤية الحياة تعود إلى طبيعتها في غزة خلال فترة زمنية قصيرة.

قوافل مساعدات من المصريين

ورجّح أن تشهد الدعوة استجابة واسعة من المصريين كلٌّ حسب قدرته، مؤكدًا أن المصريين، رغم ظروفهم الصعبة، شاركوا بقوة في إرسال قوافل المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ السابع من أكتوبر، وهو ما يُتوقع تكراره في حملة التبرعات، وإن كان حجم المُشاركة الشعبية سيبقى محدودًا بسبب الأوضاع الاقتصادية.

من ناحية أخرى، اعتبر الخبير الاقتصادي المصري هاني أبو الفتوح أن دعوة التبرع لغزة تُعد “صرخة مصرية” تفضح الأوضاع المأساوية التي يُعاني منها سكان القطاع، وحثًا للمجتمع الدولي على القيام بدوره في تسريع عملية الإعمار، فضلًا عن كونها تمس دوافع دينية وقومية لدى المصريين تحثهم على المساهمة. غير أن أبو الفتوح انتقد تزامن هذه الدعوة مع رفع أسعار المحروقات بنسبة تراوحت بين 20% و42%، ما سيجعل حجم التبرعات الشعبية محدودًا في ظل الضائقة الاقتصادية التي يُعاني منها معظم المصريين.

ولفت إلى أن حالة الغضب الشعبي وارتفاع معدلات التضخم القياسية تجعل الاستجابة للتبرع أمرًا صعبًا، مُشيرًا في الوقت نفسه إلى أن رجال الأعمال ومؤسسات الدولة سيستجيبون بقوة، انطلاقًا من إيمان بعضهم بالدور القومي لمصر في غزة، وسعي آخرين للتقرب من دوائر صنع القرار. ونبّه كذلك إلى وجود علاقة بين دعوة التبرع ومؤتمر إعادة إعمار غزة، حيث تسعى مصر لإنجاح المؤتمر وتأمين دور أكبر لدول العالم في عملية الإعمار، فضلًا عن إيجاد آلية محلية لتمويل عمل الشركات المصرية في القطاع، خاصة أنه لا يوجد بند في الموازنة العامة للدولة مُخصص لدعم رسمي في هذا المجال.

من جانبه، رأى موظف بوزارة الموارد المائية والري، مهدي شعبان، أن المصريين سيستجيبون لدعوة التبرع لغزة انطلاقًا من روابط الدين والدعم والجوار مع أهل غزة، كلٌّ حسب مقدرته، مؤكدًا أن المصريين، ولا سيما في المحافظات، شاركوا في إطلاق قوافل الإغاثة والمساعدات التي ظلت طويلًا أمام معبر رفح، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تفاقمت مع الرفع غير المبرر لأسعار المحروقات.

بدورهم نظر مواطنون للدعوة بشكل متباين، باعتبار أن الأغلبية الساحقة من المصريين ليس لديهم ما يتبرعون به، في ظل صعوبة توفير قوت يومهم، وموجة الغلاء التي أثقلت كاهلهم، مُطالبين الحكومة بعدم التعويل على التبرعات الشعبية، والتركيز بدلًا من ذلك على رجال الأعمال والدائرة الضيقة للسلطة والصناديق التي تُسيطر عليها الحكومة، لدعم الإعمار، فيما شكك مصريون في أن أي آلية خاضعة للسلطة ربما لا تكون آمنة في إيصال التبرعات، حيث تنعدم الثقة في النظام لسوابق عدة، بالمقابل جاءت مُعظم أشكال الاستجابة المعلنة من شخصيات محسوبة على النظام.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here