سد النهضة: مصر تلوّح بالهجرة غير النظامية

10
سد النهضة: مصر تلوّح بالهجرة غير النظامية
سد النهضة: مصر تلوّح بالهجرة غير النظامية

أفريقيا برس – مصر. كشفت مصادر سياسية وإعلامية مصرية، عن توجيهات صادرة لمختلف المسؤولين المصريين في كافة القطاعات الفنية والدبلوماسية والإعلامية، من الدائرة المقرّبة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإعادة التركيز على دور السلطات في كبح الهجرة غير النظامية للدول الأوروبية، عند الحديث عن قضية سد النهضة. وتستند التوجيهات إلى الاهتمام الدولي المتصاعد بقضية اللاجئين على الحدود البولندية ـ البيلاروسية، الراغبين في دخول القارة الأوروبية. وكشفت المصادر في حديثٍ مع “العربي الجديد”، عن تصوّر خاص أعدته دوائر وأجهزة حكومية مختلفة، يقوم على تكثيف الحديث عن دور مصر في الحدّ من موجات الهجرة غير النظامية، وربط هذا بضرورة معالجة قضية سد النهضة، بغرض منع إلحاق أضرار اقتصادية ومجتمعية كبيرة بالمصريين، نتيجة تضررهم من شحّ المياه. ودعت الجهات الحكومية المسؤولين للتركيز على أن إنشاء السد وفقاً للخطط الإثيوبية الأحادية سيؤدي إلى خروج الأوضاع عن السيطرة، خصوصاً إذا أصرّت إثيوبيا على مواصلة العمل بالجداول الزمنية المعلنة لعملية تشغيل السد.

التهديد بشبح الهجرة غير النظامية أصبح استراتيجية معتادة لدى النظام المصري

ويبدو أن التهديد بشبح الهجرة غير النظامية واللاجئين، أصبح استراتيجية معتادة لدى النظام المصري ويستخدمها جميع المسؤولين، بدءاً من السيسي مروراً بالدبلوماسيين وحتى وزير الري والموارد المائية محمد عبد العاطي، الذي استخدم تلك الورقة في محادثات أخيرة مع وفد أميركي، ضمّ خبير المياه لدى الحكومة الأميركية ماثيو باركس، ونيكول شامبين نائبة السفير الأميركي في القاهرة، جوناثان كوهين، وممثلي السفارة الأميركية، يوم السبت الماضي. وقال الوزير المصري خلال اللقاء إن بلاده “أبدت مرونة كبيرة خلال مراحل التفاوض المختلفة بشأن سد النهضة، وإن أي نقص في المياه سيؤثر على العاملين بقطاع الزراعة، مما سيسبب مشاكل اجتماعية وعدم استقرار أمني في المنطقة ويزيد من الهجرة غير الشرعية”. وحاول إقناع المسؤول الأميركي بوقوع “ضرر ذي شأن” على بلاده، في حال لجأت مصر إلى المبدأ الثالث في اتفاق إعلان المبادئ (الموقّع بين مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم في 23 مارس/آذار 2015). وينصّ المبدأ الثالث على أنه “سوف تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق/ النهر الرئيسي. وعلى الرغم من ذلك، في حالة حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً”.

وقال عبد العاطي إن “الجانب الإثيوبي يتعمّد إصدار بيانات مغلوطة وإدارة السد بشكل منفرد، مما تسبب في حدوث أضرار على دولتي المصب”. وشدّد على أن “الندرة المائية والتغيرات المناخية تزيد من صعوبة الوضع في إدارة المياه في مصر، وتجعلها شديدة الحساسية تجاه أي إجراءات أحادية”. وأشار الوزير المصري إلى أن “الأضرار التي تعرّض لها السودان نتيجة الملء الأحادي في العام الماضي، تتسبّب في معاناته من حالة جفاف قاسية أعقبتها حالة فيضان عارمة، بسبب قيام الجانب الإثيوبي بتنفيذ عملية الملء الأول من دون التنسيق مع دولتي المصب (مصر والسودان)”. وتطرّق إلى “قيام الجانب الإثيوبي بإطلاق كميات من المياه المحملة بالطمي خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، من دون إبلاغ دولتي المصبّ مما تسبب في زيادة العكارة بمحطات مياه الشرب بالسودان”.

وجاء في بيان الوزارة حول اللقاء، أن عبد العاطي استعرض خلال اللقاء الموقف المائي في مصر، والتحديات التي تواجه قطاع المياه، وعلى رأسها محدودية الموارد المائية، والزيادة السكانية، والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية. واعتبر أن احتياجات مصر المائية تصل إلى نحو 114 مليار متر مكعب سنوياً، بعجز يبلغ 54 مليار متر مكعب سنويا. وقال، وفقاً للبيان، إنه “سيتم سد تلك الفجوة من خلال إعادة استخدام المياه، واستيراد مصر محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنوياً”.

وفسّر مراقبون وخبراء تصريحات عبد العاطي، بأنها محاولة لإيجاد مخرج آخر للأزمة، خارج اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة السودانية الخرطوم في عام 2015. ورأوا أن الوزير المصري لوّح بورقة المهاجرين التي تسبب قلقاً كبيراً في الدول الغربية، في تناغم مع تصريحات سابقة للسيسي.

وجاءت تصريحات عبد العاطي في الوقت الذي أكد فيه مدير مشروع سد النهضة كفلو هورو، أن نسبة إنجاز البناء في السد بلغت 83 في المائة، موضحاً أن “كمية الأمطار التي هطلت هذا العام تجاوزت التوقعات، وبذلك اكتملت التعبئة الأولية للسد بنجاح، بمرحلتيها الأولى والثانية بمقدار 18.5 مليار متر مكعب”. وأشار هورو إلى أن الاستعدادات جارية لإنتاج الطاقة الأولية من السد عبر تشغيل توربينين اثنين، بمقدار 700 ميغاوات.

واعتبر مراقبون أن النظام المصري يتصور أن أسلوب التهديد باللاجئين يمكن أن يؤدي إلى مخرج من اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة في 2015 بشأن سد النهضة، وهي الاتفاقية التي تكبل القاهرة في تلك الأزمة. ورأوا أن النظام المصري يعتقد، بناء على نصائح، بأن هذا الوقت مناسب لإثارة ملف الهجرة غير النظامية، واستخدامه كورقة ضغط، في ظل الحالة التي يعيشها العالم الآن وتكدس اللاجئين على الحدود البيلاروسية ـ البولندية.

وحول هذه التطورات، أفاد أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة في حديثٍ مع “العربي الجديد” بأن “لا شيء يحكم الدول الثلاث، إلا اتفاقية إعلان المبادئ لسنة 2015″، مؤكداً أنها “معاهدة دولية ملزمة دخلت حيز النفاذ فور توقيعها”. وأشار إلى أنه على الرغم من ذلك، فإن “المعاهدة وحدها لا تكفي، لأنها اتفاقية إطارية عامة يلزمها اتفاق فني”. وشدّد على أنه “لا يجوز الحديث عن اتفاق قانوني ملزم، لأن الاتفاقية الموقعة ملزمة بطبيعة الحال، شأنها شأن النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية وميثاق الأمم المتحدة”. وأوضح أستاذ القانون الدولي أنه “طالما أن الدول الثلاث أطراف ذات سيادة وتعتمد القانون الدولي، فإن المعاهدة الدولية خلقت حقوقاً وواجبات دولية متبادلة ومتكافئة، بالتالي فإن مصر والسودان لا يستطيعان الخروج منها”.

وأكد سلامة أن “ما يحكم مصر وإثيوبيا والسودان هو الانتفاع المنصف المشترك بالمياه العابرة للحدود، وليس الانتفاع المنصف المشترك بالأنهار الدولية”. وأوضح أن “نهر النيل هو ذلك الشريط المائي، لكن الانتفاع المنصف المشترك بالمياه العابرة للحدود الدولية شيء آخر، قررته الأمم المتحدة في اتفاقية 1979. وهو ما يعني بالنسبة للسودان ومصر، كل ما يتعلق جغرافياً وطبيعياً ويتصل بنهر النيل، مثل الآبار والنهيرات والترع طالما أنها متصلة اتصالاً وثيقاً ولصيقاً بنهر النيل”. وأضاف أنه “في عام 1997 تحولت كل دول العالم من مفهوم النهر الدولي القاصر على مجرى النهر نفسه إلى امتداد النهر الجغرافي والطبيعي”.

إعلان المبادئ يكبّل مصر ويمنعها من التصرّف خارج بنوده

وكانت قوى سياسية وشعبية مصرية قد طالبت في إبريل/ نيسان الماضي السيسي والبرلمان بمراجعة اتفاق إعلان المبادئ بشأن سد النهضة. وحول ذلك، قال دبلوماسي مصري سابق لـ”العربي الجديد” إن “أساتذة وفقهاء القانون الدولي الكبار خارج مصر يسمون إعلان المبادئ الموقع عام 2015، باتفاقية (الأسد) في إشارة إلى إثيوبيا، لأن الاتفاقية تحتوي على مبدأ يمنح دولة السد حق تعديل وتغيير قواعد تشغيل السد بشكل منفرد”. وأضاف أن “لا الولايات المتحدة ولا “إسرائيل” استطاعتا ردع إثيوبيا في موضوع السد”.

وسبق لـ”الحركة المدنية الديمقراطية” في مصر، التي تضم أحزاباً وكيانات وشخصيات سياسية بينها المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، حمدين صباحي، أن أكدت في إبريل الماضي، على “الحق المشروع في استخدام كل موارد القوة، بما في ذلك القوة العسكرية، للدفاع عن الحق في المياه والحياة، في إطار الحق الشرعي في الدفاع عن النفس”. واعتبرت أن “الإلحاح الإثيوبي على خصخصة النهر، والقبض على محبسه وتحويله لنهر إثيوبي وتحويل مصر والسودان إلى مصرف أو بحيرة تابعة، يمثل تهديداً وجودياً يمس الحق في الحياة والمياه والسيادة والمكانة بالمخالفة للتاريخ والجغرافيا والقانون الدولي الذي يؤكد مبدأ الإدارة والسيادة المشتركة للدول المتشاطئة للأنهار الدولية”.

وكانت “نيوزويك” قد كشفت بعد توقيع اتفاق المبادئ، أن القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية محمد دحلان “أدى دوراً محورياً في الوساطة بين مصر وإثيوبيا للتوقيع على اتفاقية سد النهضة”. وكشفت أن الاتفاقية “جاءت بعد عام من المفاوضات والاجتماعات في أبوظبي، بين أديس أبابا والقاهرة”. ونقلت عن مصادر قولها إن دحلان “كان محور هذه المفاوضات، بعدما دعاه السيسي للوساطة في المحادثات مع رئيس الوزراء الإثيوپي السابق ميلس زيناوي”. وأضافت، نقلاً عن مصدر مقرب من دحلان، أنه “تلقى دعوة من رئيس الوزراء الإثيوبي، وقام بوضع أساس الاتفاقية حسب طلب الرئيس المصري”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here