عطوان :”من اقتحم “خطّ بارليف” لن يتردّد في تدمير سدّ النهضة”

19
عطوان :

افريقيا برسمصر. الخطوة التي أقدمت عليها القيادة المصرية بإرسال وزيري الخارجية والمياه إلى الكونغو للمشاركة في جولة المفاوضات الأخيرة للتوصل إلى حلٍ سلمي لأزمة سد النهضة مع إثيوبيا تعكس استراتيجية النفس الطويل ومُحاولة كسب ود الاتحاد الإفريقي وثقته.

ولكن الاستِعدادات لمرحلة ما بعد فشل هذه الجولة، وهذا احتِمالٌ مرجح، تسير على قدمٍ وساق بالتنسيق مع السودان، خاصةً بعد أن اتضحت النوايا الحقيقية للسلطات الإثيوبية ومخططاتها بعيدة المدى بدعمٍ “إسرائيل”ي، أي “تدفيع” مصر والسودان ثمن ماه النيل، وإيصال “الفائض” مِنه إلى الدولة العبرية التي تُعاني من نقصٍ كبير في مصادر المياه.

نشرح اكثر ونقول إن التصريحات التي أدلى بها دنيا مفتى المُتحدث باسم الخارجية الإثيوبية في مقابلة مع قناة “الجزيرة” يوم ، وقال فيها بالصوت والصورة، إنه “من حق إثيوبيا بيع المياه الفائضة عن حاجتها بعد الملء الثاني لخزان سد النهضة، لم تكن زلة لسان، وإنما جاءت مدروسةً جيدًا وتحديًا لمِصر والسودان معًا، واستِفزازًا لقيادتي، وشعبي البلدين.

مذيع قناة “الجزيرة” أحمد طه الذي فُوجِئ بهذه التصريحات الخطيرة، لما تحمِله من لهجة تصعيدية واستفزازية غير مسبوقة للبلدين العربيين، وجه السؤال مرتين إلى المسؤول الإثيوبي لاستِيضاح الأمر فجاءت الإجابة نفسها، مُؤكدًا “بأنه لا تُوجد مُشكلة على الإطلاق في بيع حصة بلاده من مِياه السد مثلما ستبيع فائِض الكهرباء”.

***

صحيح أن مفتي عاود الاتصال بقناة “الجزيرة” ونفى تصريحاته هذه، وقال إنها أُخرِجت عن سِياقها، ولكن الصورة لا تكذِب، ومن غير المُستبعد أن يكون تعرض إلى تأنيب من قِيادته، لكشفِه “المستور”.

ة سهلورق زودي رئيسة إثيوبيا دخلت إلى ميدان التصريحات الاستفزازية، ونسفت مُفاوضات الكونغو الثلاثية بعد بدئِها برعاية رئيس البِلاد مُباشرةً، وأكدت أن بلادها “مُستعِدةٌ جدًا للملء الثاني لخزانات سد النهضة في موعده، وأن تنمية حوض النيل الأزرق تُمثل “قضية وجودية” لبِلادها.

إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، زعيم أكبر قوة عسكرية في العالم فشل في إقناع القِيادة الإثيوبية في التراجع عن مواقفها المُتعنتة، والقُبول بالاتفاق الثلاثي الذي جرى التوصل إليه في واشنطن برعايته وصندوق النقد الدولي، فهل سينجح الرئيس الأنغولي فيما فشِل فيه الرئيس الأمريكي ومن بعده رئيس جنوب إفريقيا؟

آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، وتلميذ نِتنياهو، وأحد خريجي مدرسته في الكذب والمُماطلة، يستخدم السد لتوحيد قبيلة الأورامو التي ينتمي إليها، ومن خلفها كُل القبائل الإثيوبية خلف قِيادته، أي أن السد مشروعٌ سياسي قبل إن يكون مشروعًا اقتصاديًا، ويُراهِن على دولة الاحتلال ال”إسرائيل”ي لدعمه، ووقوف دول عربية خليجية في خندقه، وهذا ما يُفسر موقف هذه الدول “المُعيب” والداعم لإثيوبيا والاختِباء وراء عرض الوِساطة، وينسى هؤلاء أن مِصر لم تتوسط في صِراعاتها ووقفت في خندقها دون تردد، والله عيب.

الاستِعدادات المِصرية السودانية لكُل الاحتِمالات وأبرزها الحل العسكري، مُستمرة، وكان آخِر حلقاتها مُناورات “نُسور النيل” العسكرية الجوية والبرية في حُضور الجِنرال محمد فريد حجازي رئيس هيئة أركان الجيش المِصري ونظيره السوداني محمد عثمان الحسيني، ووصول خُبراء عسكريين مِصريين إلى الخرطوم، وبقاء طائرات حربية مِصرية في القواعد السودانية.

كان لافتًا أن “قوات الصاعقة” في البلدين شاركت في هذه المُناورات التي جرت في قاعدة “موري” السودانية الجوية، على بُعد كيلومترات من سد النهضة، مما يعني أن هُناك خطط جاهزة، وقيد التنفيذ للقِيام بضرب السد من خِلال هجمات لهذه القوات لتعطيله وتقليص حجم الخسائر التي يُمكِن أن تلحق بالسودان مِثل الفيضان وتدمير سُدوده وإغراق محاصيله، وهذا لا يعني نفي الضربات الجوية أو الصاروخية، حسب ما قال لنا أحد الخُبراء المِصريين المُتابعين لهذا المِلف.

الرئيس عبد الفتاح السيسي كسر حالة الصمت التي التزم بها طِوال السنوات الماضية، وهدد إثيوبيا علانيةً من عواقب تعنتها عندما قال “محدش حيأخذ نقطة ماء واحدة من مِصر، واللي عايز يجرب يتفضل يجرب، وفي هذه الحالة ستُواجِه المِنطقة حالة عدم استِقرار لم يتوقعها أحد ويدُنا طويلة”.

منطقة “بني شنقول” التي أُقيم عليها السد مِنطقة سودانية، وأهلها سُودانيون لُغةً وثقافةً، وكانت تابعة للسودان، وانتزعتها إثيوبيا بتواطؤٍ بريطاني، تمامًا مثلما انتزعت إقليم أوغادين الصومالي، وضمته إلى إثيوبيا.

***

تصريحات المفتي، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية حول بيع بلاده للماء لمِصر والسودان صادمة وخطيرة جدًا، وتجعل احتِمالات الحرب أقوى من أي وقتٍ مضى، وربما في غُضون أسابيع، فموعد بدء المرحلة الثانية من الملء للخزانات في تموز (يوليو) المقبل باتت وشيكةً، وأي ضربة للسد ربما تكون قبلها.

لا نتمنى الحرب لمِصر والسودان، ونتضرع إلى الله العلي القدير أن تتمخض جولة المفاوضات في الكونغو عن اتفاقٍ مُلزمٍ لحل الأزمة سلميًا وبِما يخفض حقوق الجميع.

ولكن إذا كُتِبت عليهما فإنهما لن يترددا عن خوضها مهما كان الثمن، وعلينا أن نتذكر أن مِصر لا تخشاها، وخاضت أربع حُروب ضد العدو ال”إسرائيل”ي المدعوم أمريكيًا وأوروبيًا، ولم تخش من قنابله النووية، ومن دمر خط بارليف على قناة السويس، لن يعجز حتمًا من تدمير سد النهضة.. “إذا كان آخر العلاج الكي”، والشعب المِصري الشقيق لن يجوع، ولن يركع، ولن يغير آبي أحمد وداعميه مسار التاريخ ومجرى النيل.. والأيام بيننا.

للإشارة..خط بارليف هو سلسلة من التحصينات الدفاعية التي كانت تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس. بُني خط بارليف من قبل الكيان الصهيوني بعد احتلالها لسيناء بعد حرب 1967، كان الهدف الأساسي من بناء الخط هو تأمين الضفة الشرقية لقناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية إليها.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here