أفريقيا برس – مصر. وصف وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في لقاء مع طلبة مصريين، سد النهضة الإثيوبي بأنه “سد الخراب والدمار”. ووفق ما ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية، لم تكن تصريحات الوزير “مجرد زلة لسان” أو “خطابًا انفعاليًا في لقاء مغلق”، بل هي “تحوّل مدروس” في نبرة القاهرة تجاه واحد من أخطر الملفات المرتبطة بالأمن القومي المصري، ملف مياه النيل.
ويعود المقطع المصوَّر، الذي جرى تداوله على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلى لقاء عُقد الأسبوع الماضي بين عبد العاطي وطلاب وأعضاء هيئة تدريس بجامعة بني سويف داخل مقر وزارة الخارجية بقصر التحرير. ووفق مصدر رسمي في الخارجية، فإن الوزير كان يستعرض خلال اللقاء “خريطة التهديدات المتزامنة” التي تواجه مصر، من ليبيا والساحل الأفريقي، مرورًا بالسودان، وصولًا إلى القرن الأفريقي وسد النهضة.
وفي هذا السياق قال عبد العاطي بوضوح: “متقولوش عليه سد النهضة، دا سد الخراب والدمار”، معتبرًا أن المشروع الإثيوبي لم يقم على أساس التوافق أو القانون الدولي، بل عبر “إجراءات أحادية فرضت أمرًا واقعًا”، وهو توصيف يتجاوز اللغة الدبلوماسية التقليدية التي دأبت القاهرة على استخدامها خلال سنوات التفاوض الطويلة.
وعلى مدار أكثر من عقد، حرصت مصر على ضبط خطابها السياسي تجاه سد النهضة، متمسكة بمسار التفاوض، والوساطات الدولية، والبيانات القانونية، رغم تعثر المفاوضات وتكرار جولات الفشل. غير أن اللهجة الأخيرة لوزير الخارجية تعكس، بحسب دبلوماسيين مصريين سابقين، “نفاد صبر رسمي” إزاء ما تصفه القاهرة بـ”التعنت الإثيوبي” ورفض أديس أبابا الالتزام بقواعد ملء وتشغيل ملزمة.
ولا يقتصر هذا التحول على وزارة الخارجية وحدها. فقبل أيام، شن وزير الموارد المائية والري هاني سويلم هجومًا مباشرًا على الإدارة الإثيوبية للسد، واصفًا إياه بأنه “غير قانوني”، ومحذرًا من “إدارة غير منضبطة” قد تقود إلى عواقب كارثية على دول المصب. وقال سويلم إن أخطر ما يواجه مصر ليس وجود السد في حد ذاته، بل “غياب الشفافية والضمانات الفنية والقانونية”، معتبرًا أن ملف أمان السد بات “صندوقًا أسود مجهول العواقب”، خاصة في ظل التغيرات المناخية، وتكرار فترات الجفاف والفيضان في حوض النيل.
وكان اللافت في تصريحات عبد العاطي أنه لم يفصل ملف سد النهضة عن السياق الإقليمي الأوسع، بل وضعه ضمن ما وصفه بـ”حزام النار” المحيط بمصر، في إشارة إلى التوترات المتصاعدة في ليبيا والسودان والساحل الأفريقي والقرن الأفريقي، وصولًا إلى البحر الأحمر.
ويعكس هذا الربط، بحسب مصادر مطلعة، تحول النظرة المصرية إلى السد من كونه “نزاعًا قانونيًّا وفنيًّا” إلى “ملف أمن قومي شامل”، يتقاطع مع صراعات النفوذ في شرق أفريقيا، وحالة السيولة الأمنية في السودان، والتنافس الدولي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وتشير هذه القراءة إلى أن القاهرة باتت ترى في استمرار النهج الإثيوبي الأحادي عاملًا إضافيًّا لزعزعة الاستقرار الإقليمي، وليس مجرد خلاف ثنائي حول حصص المياه.
وفي موازاة التصعيد الخطابي، تتحرك القاهرة على المسار الدبلوماسي الدولي. ووفق مصدر دبلوماسي مصري، فإن ملف سد النهضة سيكون بندًا رئيسيًّا على جدول أعمال اللقاء المرتقب بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الزيارة المتوقعة إلى واشنطن قبل نهاية الشهر الجاري.
وتعوّل القاهرة على الدور الأميركي لإعادة إحياء مسار الضغط الدولي على أديس أبابا، خاصة بعد سنوات من “الحياد السلبي”، وفق توصيف مصري، من جانب بعض القوى الكبرى. كما تسعى مصر إلى إعادة تدويل الملف، وربطه بمفاهيم الاستقرار الإقليمي والأمن المائي العالمي، وليس فقط بمسألة تقاسم الموارد.
وبالتوازي مع التحركات الدبلوماسية، تؤكد الحكومة المصرية أنها تتخذ إجراءات داخلية استباقية تحسبًا لأي تطورات غير محسوبة. وفي هذا السياق، أعلن وزير الري أن العمل جارٍ على رفع كفاءة ومرونة السد العالي، ليكون قادرًا على التعامل مع أي طارئ محتمل ناتج عن تشغيل سد النهضة.
ورغم الطابع الفني لهذا الإعلان، يرى خبراء أن الرسالة سياسية بقدر ما هي هندسية، وتعكس استعداد الدولة المصرية لكل السيناريوهات، مع التأكيد في الوقت نفسه أن “الخط الأحمر” يظل هو المساس بحصة مصر التاريخية من مياه النيل. وترجح مصادر مصرية مطلعة أن القاهرة ما زالت تفضّل المسار السياسي، لكنها تسعى في الوقت ذاته إلى إعادة تعريف قواعد الاشتباك في ملف النيل، عبر رفع سقف الخطاب، وتوسيع دائرة الفاعلين الدوليين، وربط قضية السد مباشرة بالأمن والاستقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





