أفريقيا برس – مصر. استيقظ الفلسطينيون النازحون في خيامهم بمنطقة مواصي رفح، جنوبي قطاع غزة، على صوت سقوط أتبعه صراخ. للوهلة الأولى ظنّ النازحون أن طائرة انتحارية إسرائيلية سقطت على إحدى الخيام كما جرت العادة، لكن بعد دقائق تبيّن أن ما سقط كانت طائرة مسيّرة تحمل أكياساً تعرضت لصاروخ إسرائيلي أثناء طيرانها فوق الخيام آتية من جهة جنوب غزة حيث الحدود المصرية الفلسطينية.
قتلى ومصابون بسقوط المسيّرات
وقال المواطن الفلسطيني م.ق. إن عدداً من مهربي المخدرات كانوا يبحثون عن المسيّرة التي سقطت فوق الخيام، بعد تعرضها للصاروخ الإسرائيلي الذي أدى إلى إسقاطها وإصابة عدد من النازحين، وأطلقوا النار صوب كل من حاول الاقتراب من المكان، حتى سيارات الإسعاف والدفاع المدني لم تسلم من إطلاق النار. وأضاف أنّ المهربين أخذوا ما كانت تحمله الطائرة وانسحبوا من المنطقة، ما سمح لسيارات الإسعاف بالوصول إلى المصابين. ووفقاً للتوثيق، فإنّ المسيّرة التي سقطت في مواصي رفح من النوع الذي يمكنه حمل بضائع تزن 50 كيلوغراماً وأن تطير لمدة ساعتين في الجو، ومتصلة بنظام ملاحة “جي بي أس”.
ما سبق تكرّر مرات عدة في منطقة المواصي التي تبعد بدايتها ثلاثة كيلومترات عن الحدود الفاصلة بين محافظة شمال سيناء ومدينة رفح الفلسطينية، وفي بعض الأحيان أدى سقوط المسيّرات إلى وقوع قتلى ومصابين.
وقال مصدر أمني فلسطيني في مواصي رفح، إن الفترة الأخيرة شهدت تصاعداً في عمليات التهريب عبر المسيّرات القادمة من الجانب المصري إلى داخل قطاع غزة، حيث تُستخدم هذه الوسيلة لتهريب المخدرات بأنواعها المختلفة. وأضاف المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه لدواع أمنية في ظل ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي للعاملين في المجال الأمني والحكومي في غزة، أنه جرى خلال الفترة الماضية رصد طائرات مسيّرة عدّة محمّلة بالمواد المخدرة، استُهدف عدد منها من قِبل طيران الاستطلاع التابع للاحتلال، ما أدى إلى سقوطها بين خيام المواطنين، وسُجّل خلال الأسبوع الماضي استشهاد ثلاثة مواطنين من جراء استهداف مباشر لطائرة مسيّرة.
واللافت في حديث المصدر الأمني الفلسطيني أنّ جزءاً من هذه المسيّرات يسقط في المناطق الشرقية من مدينة رفح وتحديداً حي الشوكة وأبو حلاوة وزلاطة وصوفا وحي النصر، وهي مناطق تنشط فيها مجموعات ياسر أبو شباب، المتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي. وحول ذلك، قال المصدر الأمني: “المسيّرات المحملة بالمخدرات والممنوعات تسقط في المناطق الغربية حيث منطقة المواصي، وكذلك في المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة قوات الاحتلال وعصابة ياسر أبو شباب، حيث يتم استقبال الشحنات بطرق منّظمة وبمساعدة عناصر أبو شباب”.
وأعلن جيش الاحتلال مرات عدة خلال الحرب على غزة تمكّنه من إسقاط مسيّرات تحمل مواد مخدرة وأسلحة قادمة من سيناء، حيث جزء منها، وفق بيانات جيش الاحتلال، أُسقط في مناطق النقب الغربي المتاخمة للحدود بين مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة، وجزء آخر منها أُسقط أثناء اتجاهها نحو المناطق الشرقية من مدينة رفح، لكنّ الإعلانات الإسرائيلية للجزء المتعلق بإسقاطها داخل حدود قطاع غزة كانت قبل سيطرة مجموعات أبو شباب وجيش الاحتلال على المنطقة الشرقية من رفح، لا سيما في فترة اتفاق وقف إطلاق النار في يناير/ كانون الثاني الماضي.
تنسيق بين غزة وشمال سيناء
وبالاتجاه إلى الطرف الثاني من التهريب، حيث مناطق شمال سيناء، قال محمد السواركة، أحد مشايخ محافظة شمال سيناء، إنه منذ عامين، وتحديداً مع بدء الحرب على غزة (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) أو قبلها بأشهر قليلة، ظهرت مسألة التهريب عبر الطائرات المسيّرة، وذلك بعد فشل محاولات التهريب عبر الحدود الفاصلة بشكل يدوي أو بالطرق التقليدية التي كُشفت بشكل كامل لجيش الاحتلال وكذلك لقوات الجيش المصري التي تنشط على الحدود وفي سيناء عموماً.
وأوضح السواركة أن عدداً من الشبان لا يزالون يعملون في التهريب باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا يتضمن تهريب الأسلحة والمخدرات للعصابات النشطة في إسرائيل، لكن الجديد أن التهريب اتخذ مساراً آخر يتمثل في الاتجاه لقطاع غزة. وبيّن أنه مع إغلاق معبر رفح وعدم إدخال شاحنات البضائع والمساعدات إلى قطاع غزة، لجأ المهربون إلى طائرات مسيّرة، يتم شراؤها من عدة مصادر خارج مصر، وإيصالها إلى شمال سيناء، لتحميلها بالمواد المخدرة كالحشيش وأقراص الترامدول وغيرها، وتشغيلها عن بعد من داخل أراضي سيناء، وتمريرها إلى قطاع غزة، وهناك يتم استقبالها من قبل طرف فلسطيني على علاقة بالمهربين في سيناء.
وأكد أن الأجهزة الأمنية وقوات الجيش المصري تمكنت من ضبط عدد من المهربين الذين يستخدمون المسيّرات باعتبار أن سيناء منطقة عسكرية مغلقة يُحظر طيران كل أنواع الطائرات فيها، بما فيها مسيّرات التصوير، من دون التنسيق مع قوات الجيش وأجهزة الأمن المختصة، إلا أن عدداً من المسيّرات تمكنت من الوصول إلى غزة وكذلك إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبالعودة إلى قطاع غزة، أفاد تاجر هواتف محمولة يدعى ن.ف. بأنه تمكن من استلام شحنة هواتف محمولة من خلال طائرة مسيّرة قادمة من سيناء، وذلك بعد تنسيق وانتظار دام أسابيع طويلة، ودفع مبلغاً مالياً ضخماً مقابل ذلك، إلا أنه تمكن من استعادة هذه المبالغ من خلال الأسعار الجنونية للهواتف المحمولة في غزة نظراً إلى عدم سماح جيش الاحتلال بإدخالها للقطاع. وأوضح التاجر أن ثمن الطائرة المسيّرة وعملية التهريب بلغا 70 ألف دولار أميركي، فيما حملت الطائرة أكثر من 100 هاتف محمول بالإضافة إلى عشرات أجهزة الشحن “باوربانك” التي يكثر الطلب عليها في غزة.
من جهته، قال الخبير الأمني في شؤون الإرهاب العقيد حاتم صابر، إن من يقف وراء عمليات التهريب التي تتم في سيناء باتجاه الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، عصابات تهريب تنشط في شمال سيناء وتستغل الطبيعة الجغرافية الصحراوية والمعقدة للمنطقة، وهذه العصابات تتعامل في تهريب الأسلحة، المخدرات، الوقود، وحتى الأشخاص، وتجارة الأعضاء المحرمة دولياً. وأضاف صابر أن بعض العصابات والجهات داخل قطاع غزة التي شاركت في بناء شبكات التهريب عبر الأنفاق، خصوصاً خلال فترة ما قبل 2014، تحاول حالياً أن تستغل الموقف لصالحها. ولفت إلى أن “الدولة المصرية تحارب التهريب على كافة الاتجاهات، إذ من نتائج العملية الشاملة “سيناء 2018″ وما بعدها، نجحت القوات المسلحة والشرطة المدنية في شن حملات عسكرية واسعة النطاق للقضاء على الإرهاب ومن ثم عمليات تهريب السلاح، وتدمير مئات الأنفاق على الحدود مع غزة”. وأشار إلى أن الدولة استخدمت التكنولوجيا الحديثة وتكثيف أعمال المراقبة الجوية والتي تشمل تسيير طائرات الاستطلاع الموجهة بدون طيار وأجهزة استشعار حرارية وكاميرات مراقبة متقدمة ذات خاصية الرؤية الليلية على الحدود الشرقية والغربية والجنوبية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس