علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. وجدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا نفسها مجدداً وسط عاصفة سياسية وقانونية، بعدما اتهمتها حكومة أسامة حمّاد، المكلّفة من مجلس النواب في الشرق، بـ«تجاوز القوانين الليبية والمواثيق الدولية المنظمة للعلاقات الدبلوماسية»، وتزامنت هذه الاتهامات مع بدء التحضيرات لـ«الحوار المهيكل»، الذي سبق وأعلنت عنه المبعوثة هانا تيتيه ضمن خريطة الطريق السياسية.
تساؤلات حول مدى التزام البعثة
هذه الاتهامات أعادت فتح نقاش قديم حول مدى التزام البعثة بالقواعد القانونية في تحركاتها داخل ليبيا، وما إذا كان الأمر يعكس – كما يرى مراقبون – أزمة ثقة متجذّرة بين سلطتين متنافستين، وبعثة أممية تحاول المناورة في مشهد بالغ التعقيد. ومن منطلق دبلوماسي وقانوني، فإن تدخل الأمم المتحدة في ليبيا يستند إلى قرارات مجلس الأمن، على رأسها القراران 1970 و1973 لعام 2011، الصادران تحت الفصل السابع، ثم القرار 2009 الذي أنشأ بعثة الدعم لتيسير الانتقال السياسي.
لكن بالرغم من أن هذا التدخل الأممي يستند إلى شرعية قانونية واضحة، حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيوإنغلند، الدكتور علي عبد اللطيف حميدة، فإنه يرى أيضاً أن البعثة «أصبحت في مأزق حقيقي لأنها باتت في الوقت نفسه جزءاً من الأزمة وجزءاً من الحل، بعد أربعة عشر عاماً من المحاولات دون تحقيق اختراق حقيقي».
ويعتقد حميدة أن الخلاف الحالي «ليس قانونياً فحسب، بل هو انعكاس لانعدام الثقة بين الحكومتين المتنافستين؛ فحكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس تُتَّهم بالمماطلة للبقاء في السلطة، بينما تعتبر حكومة حمّاد أن هناك التفافاً على دورها، وسط غياب إرادة دولية ومحلية لمعالجة الملفات الجوهرية، مثل تفكيك الميليشيات وتوحيد المؤسسات».
ولا تعترف البعثة بشرعية حكومة حمّاد، المنبثقة عن مجلس النواب، فيما تردّ الأخيرة بسلسلة انتقادات، تتهم فيها البعثة بـ«تجاهل مؤسسات الشرق وانتهاك السيادة الوطنية»، وقد رفعت في الأشهر الأخيرة شكوى رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، تطالب فيها بطرد البعثة من البلاد.
غير أن تحرك بنغازي الأخير بدا أشبه بردّ فعل سريع على قطار «الحوار المهيكل»، الذي تسعى البعثة الأممية إلى إطلاقه برعاية دولية واسعة. فقد سارعت حكومة حمّاد إلى اتهام البعثة بـ«الإصرار على تجاوز القوانين الليبية»، من خلال توجيه الدعوات مباشرةً إلى الجامعات والمؤسسات العامة لاختيار ممثلين للحوار، من دون التنسيق مع وزارة الخارجية، واعتبرت ذلك «انتهاكاً للأعراف الدبلوماسية وتدخّلاً في صلاحيات الدولة».
«تجاوز المؤسسات الليبية»
وفق هذه المعطيات، يعتقد الخبير في القانون الدولي محمد الزبيدي، أن «البعثة الأممية اعتادت تجاوز المؤسسات الليبية منذ عام 2011»، مستشهداً بمؤتمر الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة عام 2015، والذي وصفه بأنه «عُقد بطريقة ارتجالية وأنتج اتفاقاً زاد الانقسام».
وقال الزبيدي إن «مؤتمر جنيف شهد أيضاً شبهات شراء ذمم، بحسب اعتراف عضوة مشاركة فيه»، معتبراً أن «اختيار المشاركين في تلك المؤتمرات كان يتم وفق أجندات دولية لا تعبّر عن الإرادة الليبية».
وحذر الزبيدي من تكرر الأخطاء ذاتها في الحوار الجديد، متسائلاً: «هل تتضمّن خريطة المبعوثة الأممية هانا تيتيه سقفاً زمنياً واضحاً لرحيل حكومة الدبيبة، وتوحيد السلطة واحترام نتائج الانتخابات؟ إن لم تفعل، فسنشهد جولةً جديدةً لإطالة الأزمة لا لإنهائها».
في المقابل، تؤكد بعثة الأمم المتحدة أن الحوار المهيكل «ليس هيئة لصنع القرار، بل منصة تشاورية تهدف إلى إشراك فئات أوسع من الليبيين في صياغة رؤية وطنية موحدة». وجاء في بيانها الأخير أن العملية «جزءٌ من خريطة طريق، تستهدف تهيئة بيئة مناسبة للانتخابات، وتعزيز الحوكمة وتوحيد المؤسسات».
من جهته، يرى المحلل السياسي الليبي، خالد الشارف، أن بيان حكومة حمّاد «يعكس موقفاً مشروعاً دفاعاً عن السيادة الوطنية»، لكنه يرى أن «الفوضى المؤسسية والانقسام بين الحكومتين هو ما أتاح للأمم المتحدة مساحة أوسع للتحرك، دون الرجوع إلى السلطات المحلية». وخلص إلى أن «المسؤولية مشتركة؛ فبينما نرفض أي تجاوز أممي، يجب الاعتراف بأن الانقسام الداخلي أضعف الموقف الرسمي الليبي، وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية».
وتحاول البعثة الأممية من خلال «خريطة الطريق»، التي أعلنتها تيتيه في أغسطس (آب) الماضي، إحياء المسار السياسي عبر تنظيم حوار بمشاركة 120 شخصية ليبية من مختلف المناطق، وصولاً إلى الانتخابات خلال 12 إلى 18 شهراً. لكن استمرار الانقسام بين الشرق والغرب، بعد أكثر من عقد على سقوط نظام معمر القذافي، يجعل الطريق إلى تسوية دائمة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





