المحددات الحاكمة لزيارة مسعد بولس إلى ليبيا

المحددات الحاكمة لزيارة مسعد بولس إلى ليبيا
المحددات الحاكمة لزيارة مسعد بولس إلى ليبيا

د. حمدي بشير

أفريقيا برس – ليبيا. أجرى مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكلّف بالشؤون العربية والشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، زيارة إلى ليبيا في 23 يوليو 2025، وهي الأولى لمسؤول أمريكي رفيع المستوى منذ وصول ترامب إلى الرئاسة، وذلك لبحث تطورات الملف الليبي محلياً وإقليمياً ودولياً، حيث التقى مسعد بولس بكل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة»، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى، كما التقى في وقت لاحق بالمسؤولين السياسيين والأمنيين في بنغازي لبحث القضايا المدرجة في جدول أعمال زيارته. وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أبعاد هذه الزيارة في هذا التوقيت.

أبعاد عديدة

ثمة أبعاد عديدة لزيارة بولس إلى ليبيا في هذا التوقيت، من أهمها:

1- إعادة صياغة السياسة الأمريكية تجاه ليبيا: تعكس الزيارة نهجاً جديداً للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في إدارة ملفات السياسة الخارجية، وخاصة في القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال تكليف مستشاريه بقيادة جهود تواصل مباشرة مع الحكومات الإقليمية، سعياً لتحقيق نتائج سريعة على الأرض في ملفات هامة للإدارة الأمريكية، منها إعادة الإعمار والتنسيق الأمني والطاقة. ويعتمد هذا النهج على تجاوز المسارات التقليدية، من خلال إرسال مبعوثين رفيعي المستوى، يتمتعون بصلاحيات مرنة، وقدرة على التفاوض السريع المباشر مع الأطراف الليبية. كما تأتي الزيارة في ظل انخراط إدارة الرئيس دونالد ترامب مجدداً في القضايا الإقليمية عبر أدوات غير تقليدية، يبرز هذا التحرك كمؤشر على احتمالات تحول في مسار التعامل الأمريكي مع الملف الليبي.

2- التحرك لدعم المسار الأممي وملء الفراغ الأوروبي: تأتي الزيارة في وقت تؤكد فيه الولايات المتحدة دعمها المستمر للمسار السياسي الذي تتبناه البعثة الأممية، والذي تدعو من خلاله إلى تشكيل حكومة موحدة، استناداً إلى مخرجات اللجنة الاستشارية، والتي حددت خارطة طريق نحو الانتخابات، تبدأ بتوحيد المؤسسات السيادية، وتهيئة الأطر القانونية والدستورية، وإنشاء قاعدة دستورية توافقية.

ويأتي ذلك في الوقت الذي يتراجع فيه الدور السياسي لبعض القوى الأوروبية المعنية بالوضع في ليبيا، مثل إيطاليا، التي تواجه ضغوطاً ناجمة عن مسارات الهجرة غير النظامية، وتنظر إلى الوضع الليبي كتهديدٍ مباشرٍ لاستقرارها الإقليمي. ومع ذلك، لا تزال الاستجابة الأوروبية مُشتتة، وتعتمد في معظمها على ردود الفعل، دون ظهور استراتيجيةٍ مُتماسكةٍ حتى الآن. فيما تستمر الدعوات لتجديد وساطة الأمم المتحدة، حيث تهدد أزمة ليبيا الاستقرار على جبهاتٍ مُتعددة، ما لم تتحرك الجهات الخارجية بسرعةٍ وحزم.

3- ضبط معادلة توازن القوى في ليبيا: جاءت هذه الزيارة، التي شملت لقاءات مع شخصيات بارزة من حكومة الوحدة الوطنية والقيادة المتمركزة في شرق البلاد، في ظل تصاعد التوترات وتجدد المخاوف من اندلاع صراع في طرابلس التي تواجه خطراً حقيقياً بالانزلاق إلى العنف، مع تصاعد المواجهة بين حكومة الوحدة الوطنية وقوة الردع الخاصة. وقد شددت المليشيا قبضتها على البنية التحتية الرئيسية، بما في ذلك مطار معيتيقة، مما حدّ فعلياً من تحركات رئيس الوزراء. ومن ثم تأتي هذه الزيارة في توقيت حرج ووسط حالة من الجمود والترقب، ووسط دعوات دولية متزايدة لتسريع وتيرة الحل السياسي وتنفيذ الاستحقاقات الانتخابية المؤجلة.

4- تعزيز الحضور الأمريكي في قطاع الطاقة الليبي: التقى مسعد بولس برئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، لبحث فرص التعاون المشترك في مجالات الطاقة والمعادن والبنية التحتية والرعاية الصحية والاتصالات. وأكد الدبيبة حرص حكومة الوحدة الوطنية على بناء شراكات اقتصادية مع الولايات المتحدة تفتح المجال أمام الشركات الأمريكية الكبرى للمشاركة في مشاريع التنمية والاستثمار. فيما قدم فريق الحكومة الليبية مقترحاً مفصلاً يُحدد فرص الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بقيمة تُقارب 70 مليار دولار.

وتشمل هذه المشاريع مشاريع جاهزة للتنفيذ في قطاعات الطاقة والمعادن والكهرباء والبنية التحتية والاتصالات، مما يُتيح مساراً مُنظّماً ومباشراً للاستثمار الأمريكي في السوق الليبية. كما تناولت المباحثات التطورات الأخيرة في قطاع النفط الليبي، وخاصة فيما يتعلق بالفرص الجديدة في كل من المناطق البحرية والبرية. فيما أكدت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، في 23 يوليو الجاري، أن شركة مليتة للنفط والغاز ستعمل مع شركة هيل إنترناشونال الأمريكية للاستشارات الإنشائية لإدارة مشروع يهدف إلى تعزيز إنتاج الغاز في ليبيا.

انعكاسات محتملة

من المتوقع أن يكون لهذه الزيارة انعكاساتها على العلاقات الأمريكية-الليبية وعلى التفاعلات الدولية في ليبيا، وذلك على النحو التالي:

1- إطلاق واشنطن مبادرة لتقريب وجهات النظر بين القوى الليبية: إذ من المتوقع أن يطلق مستشار الرئيس ترامب مبادرة سياسية لتقريب وجهات النظر بين السلطات في الشرق والغرب الليبيين، ودعم المبادرة الأممية تمهيداً لتحقيق مصالحة وطنية وتشكيل حكومة مؤقتة، ودعم المسار السياسي لإجراء استفتاء على الدستور وعقد انتخابات رئاسية وتشريعية، وخاصة في ضوء تحركات الرئيس الأمريكي لوضع حد للأزمات الدولية في العديد من المناطق، في سياق سعيه للحصول على جائزة نوبل للسلام.

2- رفع الحظر الأمريكي على الأموال الليبية المجمدة: وخاصة بعد التوقيع على اتفاقيات لتعزيز الاستثمارات الأمريكية في قطاع النفط الليبي، حيث تسعى إدارة ترامب لإجراء صفقات سياسية واقتصادية للمقايضة على الأموال الليبية المجمدة، والتي تطالب الحكومة الليبية برفع الحظر عنها، وقد ناقش بولس في وقت سابق مع مسؤولين مقربين من الدبيبة مسألة رفع الحظر عن مليارات الدولارات العائدة للصناديق السيادية الليبية المجمدة. وأشار بولس إلى أن جزءاً من هذه الموارد يمكن إعادة استثماره في استثمارات مع شركات أمريكية عاملة في ليبيا.

3- تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع بنغازي: حيث تأتي زيارة بولس في وقتٍ تُعزِّز فيه إدارة ترامب الجديدة علاقاتها مع بنغازي لتعزيز حضورها الأمني والعسكري وخاصة في جنوب ليبيا. وتشير تقارير عدة إلى أن صدام، نجل خليفة حفتر، يُنظر إليه باهتمامٍ من قِبَل دوائر الأمن القومي الأمريكي كقائدٍ مُحتمل في المستقبل. وفي أبريل 2025، أفادت التقارير بأنَّ صدام حفتر أجرى محادثاتٍ سرية في واشنطن مع مبعوث ترامب وكبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية. ولم يُنشر أيُّ بيانٍ رسميٍّ بهذا الشأن.

4- تصاعد التنافس بين واشنطن والقوى الآسيوية في المغرب العربي: حيث كانت ليبيا إحدى محطات جولة بولس التي شملت عدداً من دول المغرب العربي مثل تونس والمغرب، إذ تبدي واشنطن مخاوف متنامية من تصاعد تحركات العديد من القوى الآسيوية مثل روسيا والصين، حيث تسعى موسكو لتعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع دول المنطقة وتعزيز حضورها على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، فيما تسعى الصين إلى زيادة استثماراتها وتعزيز حضورها الاقتصادي في المغرب العربي، بما في ذلك ليبيا. ومن المتوقع أن يتصاعد التنافس مع موسكو بعد إخفاق إدارة ترامب في تحقيق تقارب سياسي مستمر مع واشنطن وإقناع موسكو بخيار التهدئة السياسية وإبرام صفقة سياسية مع أوكرانيا.

5- تنامي التنافس الاقتصادي بين واشنطن والقوى الأوروبية: وخاصة في قطاع النفط الليبي، فبرغم أن العديد من القوى الأوروبية تواجه تراجعاً في نفوذها السياسي في ليبيا، فإنّ دخول واشنطن بقوة إلى قطاع النفط الليبي من المتوقع أن تكون له انعكاساته على العلاقات الأمريكية-الأوروبية، حيث تتصاعد المنافسة الاقتصادية في قطاع النفط الليبي، في سياق الحظر الأوروبي المستمر على النفط الروسي منذ بداية الحرب الروسية- الأوكرانية.

تنافس دولي

إجمالاً، يمكن القول إن زيارة بولس إلى ليبيا تأتي في ظل طموحات الولايات المتحدة لتعزيز حضورها الإقليمي في كلٍّ من المغرب العربي والساحل الأفريقي، لا سيما أن هذه الجولة جاءت عقب اجتماع رفيع المستوى عُقد مؤخراً بين الرئيس ترامب وقادة خمس دول أفريقية، من بينهم رئيس موريتانيا. علاوة على تصاعد التوترات التجارية بعد أن أبدت إدارة ترامب دعمها لفرض رسوم جمركية جديدة على عدة دول مغاربية. وهو الأمر الذي يفاقم من حدة التنافس العسكري مع موسكو والتنافس الاقتصادي مع الصين في ليبيا ومنطقة المغرب العربي.

المصدر: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here