عدنان النجار: لا أمن حقيقي في ظل ازدواجية السلاح

عدنان النجار: لا أمن حقيقي في ظل ازدواجية السلاح
عدنان النجار: لا أمن حقيقي في ظل ازدواجية السلاح

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. أوضح رئيس حراك العدالة الإنتقالية والناطق السابق باسم حزب الجبهة الوطنية عدنان النجار أن بقاء السلاح خارج شرعية الدولة يشكّل خنجراً في خاصرتها، يعطّل قيام مؤسساتها ويقوّض سيادتها، مؤكداً أن الدولة لا تُبنى إلا على جيش وطني موحّد وأجهزة أمنية محترفة تخضع للقانون لا للأهواء، وترفع راية الوطن لا رايات الفصائل.

وقال النجار في حوار خاص مع “أفريقيا برس” إن استمرار التشكيلات المسلحة يمثل استنزافاً لمفهوم الدولة ذاته وتأجيلاً لمشروع الوطن الذي حلم به الليبيون منذ ثورة فبراير، مشيراً إلى أن الدمج الحقيقي لتلك التشكيلات لا يتحقق بالأوامر ولا بالشعارات، بل من خلال مشروع وطني جامع يخضع لسلطة مدنية منتخبة تعبّر عن إرادة الشعب

كيف تقيّمون تأثير استمرار انتشار التشكيلات المسلحة على جهود الدولة لبناء مؤسسات أمنية وعسكرية موحدة؟

لا شك أن بقاء السلاح خارج شرعية الدولة يشكّل خنجراً في خاصرتها، يعطّل قيام مؤسساتها ويقوّض سيادتها. فالدولة لا تُبنى إلا على جيش وطني موحّد وأجهزة أمنية محترفة تخضع للقانون لا للأهواء، للراية الواحدة لا لتعدّد الرايات. استمرار هذه التشكيلات هو استنزاف لمفهوم الدولة ذاته، وتأجيل لمشروع الوطن الذي حلم به الليبيون منذ ثورة السابع عشر من فبراير حين خرجوا يطالبون بالحرية والعدالة، لا بتعدد مراكز القوة.

ما الخطوات الواقعية التي يمكن أن تمهد لعملية دمج هذه التشكيلات في إطار وطني واحد يخضع للقيادة العامة؟

الدمج الحقيقي لا يتحقق بالأوامر ولا بالشعارات، بل من خلال مشروع وطني جامع يقوم على خضوع كل التشكيلات المسلحة لسلطة مدنية موحدة ومنتخبة تمثل إرادة الشعب. يجب أن يبدأ المسار بحوار شامل يُعيد الثقة بين الدولة وأبنائها، ويُكرّس مبدأ العدالة الانتقالية والمساءلة دون انتقام. عندها فقط يمكن دمج من أراد منهم الانخراط في مؤسسات الدولة على أسس مهنية ووطنية، بعيداً عن الولاءات الضيقة والانقسامات السياسية والقبلية. فلا أمن حقيقي في ظل ازدواجية السلاح، ولا جيش وطني إلا تحت قيادة مدنية واحدة تعبّر عن الدولة لا عن الفصائل.

ما الدور الذي يمكن أن تلعبه البلديات في تعزيز الأمن المحلي وبناء جسور الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة؟

البلديات هي الأساس المتين للدولة الحديثة، وتجسيد عملي للامركزية التي حلم بها الليبيون بعد ثورة فبراير. عندما تُمنح البلديات صلاحيات حقيقية وإمكانيات كافية، تصبح قادرة على توفير الخدمات وتحقيق العدالة المكانية وتشجيع التنمية المحلية، مما يخفف الضغط عن العاصمة ويعيد توزيع التنمية بعدل بين المدن والمناطق. عندها يشعر المواطن أن الدولة قريبة منه، تسمع صوته وتخدمه بعد أن كانت بعيدة عنه أو غائبة.

هل ترون أن منظمات المجتمع المدني تمتلك اليوم القدرة الكافية للتأثير في استقرار المشهد الاجتماعي والأمني؟

نعم، بشرط أن تُمنح الحرية الكاملة لممارسة دورها دون تضييق أو تسييس. فالمجتمع المدني هو ضمير الأمة وشريك الدولة في التنمية والإصلاح. عبر نشاطاته يستطيع أن يعيد بناء الثقة المفقودة، ويؤسس لوعي وطني جامع يقدّم مصلحة الوطن على كل انتماء آخر. الدولة التي تؤمن بالمجتمع المدني، تؤمن بالمواطن ذاته.

كيف انعكس الوضع الأمني الهش على مستوى الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية؟

كل اختلال أمني يدفع ثمنه المواطن من صحته وتعليمه ولقمة عيشه. حين تضعف الدولة، تتعطل المدارس وتُهمل المستشفيات وتُنهب الموارد. الأمن ليس رفاهية بل هو أساس الحياة الكريمة. وعندما يغيب الأمن، تتآكل مؤسسات الدولة ويتراجع الإحساس بالوطن. لقد دفع الليبيون ثمناً باهظاً لانفلات السلاح، وحان الوقت لتصحيح المسار وبناء أمن يليق بشعب قدّم الدم من أجل الحرية.

هل تعتقدون أن تحسن الأمن هو شرط أساسي لتحسين الخدمات، أم أن العكس هو الصحيح؟

الأمن والخدمات وجهان لعملة واحدة، لا يمكن أن يزدهر أحدهما دون الآخر. لكن كليهما رهين بإرادة سياسية وطنية صادقة تقطع دابر الفساد وتواجه المفسدين بلا تردد. حين يتوافر الأمن تنطلق التنمية، وحين تتحسن الخدمات يترسخ الاستقرار. إنها دائرة تكامل لا يفهمها إلا من آمن بأن خدمة المواطن هي جوهر الدولة لا وسيلة للنفوذ.

ما العوامل الأساسية التي فقدت بها الدولة ثقة المواطن خلال السنوات الماضية؟

فقد المواطن ثقته حين رأى الوعود تتبخر والمراحل الانتقالية تتحول إلى متاهة لا نهاية لها. فقدها حين تمسّك من في السلطة بالكراسي ورفضوا العودة إلى الشعب صاحب الكلمة الفصل في صناديق الاقتراع. فقدها لأن المؤسسات تحولت إلى حصون للمصالح لا أدوات لخدمة الوطن، ولأن الخطاب الوطني تراجع أمام لغة المحاصصة والاصطفاف.

ما الخطوات التي يجب أن تتخذها السلطات اليوم لإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساتها؟

الطريق واضح، ولا يحتاج إلى لجان أو اتفاقات جديدة: انتخابات فورية حرة وشفافة، وتوحيد مؤسسات الدولة تحت سلطة مدنية منتخبة، وإعلاء صوت الإنصاف فوق صوت السلاح، وإنجاز العدالة الانتقالية، واعتماد دستور دائم يحدد بوضوح شكل الدولة وحقوق المواطنين وواجباتهم. كما ينبغي الاستثمار الجاد في الإنسان قبل البنيان، عبر تطوير التعليم والصحة والبنية التحتية وخلق فرص العمل للشباب.

بهذا فقط تعود هيبة الدولة، ويستعيد المواطن ثقته وأمله في وطنه. فحين يرى المواطن دولةً تنصفه لا تستغله، وتخدمه لا تتاجر بمعاناته، حتماً سيجد نفسه جزءاً منها لا غريباً عنها.

واختتم النجار حديثه قائلاً: لقد آن الأوان أن يُدرك الليبيون أن الوطن لا يُبنى إلا بإرادة شعبه الصادقة وعزيمته المشتركة، لا بإملاءات الخارج ولا بحسابات المتنفذين، ولا بالشعارات والمناورات. فليبيا ليست غنيمةً يتقاسمها المتنازعون، بل أمانة في أعناق الجميع ومسؤولية جيلٍ بأكمله. وثورة فبراير لم تقم لتبديل الوجوه أو إعادة إنتاج الاستبداد، بل لإقامة دولة القانون والعدالة والمواطنة، وحينها فقط تشرق ليبيا من جديد وتنهض أمةً آمنة كريمة حرّة تستحق الحياة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here