أفريقيا برس – ليبيا. اشتعل الجدل مجدداً في ليبيا حول «استقلال القضاء وتوزيع الصلاحيات» بين مؤسسات الدولة، بعد أن فجّرت أحكام المحكمة الدستورية انقساماً داخل المجلس الرئاسي، فيما اتهمته حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلس النواب، بـ«تجاوز صلاحياته والتدخل في شؤون القضاء».
وفي مؤشر على وجود انقسام داخل المجلس الرئاسي، برئاسة محمد المنفي، شدّد بيان أصدره، مساء الاثنين، نائباه عبد الله اللافي وموسى الكوني على مبدأ الفصل بين السلطات، وعدّ أن «استقلال القضاء خط أحمر لا يجوز المساس به، أو توظيفه في الصراع السياسي»، محذراً من أي محاولة لاستعمال القضاء لتصفية الحسابات بين الأطراف.
كما رفض اللافي والكوني الزج بالمجلس الرئاسي في التجاذبات السياسية، مؤكدين أن المجلس يجب أن يظل «مؤسسة جامعة وضامنة لوحدة الدولة لا طرفاً في الخلافات أو الاصطفافات». وبدا البيان كأنه رد غير مباشر على موقف المنفي، الذي أبدى ترحيباً بأحكام قضائية مثيرة للجدل، مما كشف عن تباين واضح في المواقف بين أعضاء المجلس.
بموازاة ذلك، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة، هانا تيتيه، في بيان الثلاثاء، إنها بحثت مع اللافي الوضع السياسي وجهود البعثة لدفع خريطة الطريق السياسية قُدماً، من خلال الحوار المُهيكل الذي يشمل قضايا تتعلق بالمصالحة الوطنية.
واستمعت تيتيه ونائبتها للشؤون السياسية، ستيفاني خوري، لوجهات نظر ممثلي منظمات ليبية للأشخاص ذوي الإعاقة بشأن مشاركتهم في العملية السياسية، بما في ذلك الحوار المُهيكل الذي تيسره البعثة.
في غضون ذلك، قال رئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، إنه بحث الثلاثاء في طرابلس مع القائم بأعمال السفارة الأميركية، جيريمي برنت، ومسؤول الشؤون الاقتصادية، جيمس فرومسون، آخر المستجدات السياسية في ليبيا، والخريطة الأممية المقترحة للحل السياسي وآليات تنفيذها، إلى جانب ملف المحكمة الدستورية، وما قد يترتب على تفعيلها من تأثير على وحدة القضاء الليبي. وأكد الجانبان على أهمية استمرار الحوار والتنسيق بين المؤسسات الليبية والمجتمع الدولي، بما يضمن دعم مسار الاستقرار، والوصول إلى انتخابات حرة في أقرب وقت ممكن.
ويأتي هذا اللقاء، الذي يُنظر إليه بوصفه تحركاً دبلوماسياً أميركياً، لدعم الجهود الأممية الرامية لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، وليس وساطة مباشرة، بعد ساعات من دعوة علنية وجهها المجلس الأعلى للدولة إلى مجلس النواب لحسم موقفه خلال أسبوعين، بخصوص تسمية المرشحين لـ«المناصب السيادية»، ولا سيما ما تم الاتفاق عليه بشأن المفوضية العليا للانتخابات، مؤكداً أن الإسراع في حسم هذه الملفات يأتي حرصاً على المصلحة الوطنية العليا.
كما شدّد المجلس في بيان، مساء الاثنين، عقب جلسة عقدها بطرابلس، على ضرورة التزام الجهات والمؤسسات السيادية والتنفيذية كافة بعدم الاعتداد بالأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية المستحدثة دون سند قانوني، وعدم ترتيب أي آثار قانونية أو عملية على مخرجاتها، كونها كياناً فاقداً للشرعية.
في المقابل، اتهمت حكومة حماد المجلس الرئاسي بتكرار التدخل في شؤون خارج صلاحياته، وقالت في بيان، مساء الاثنين، إن ما أعلنه «الرئاسي» بشأن تأييد أحكام الدائرة الدستورية يعد «ادعاءات مضللة»، مشيرة إلى أن هذه الدائرة ألغيت قانوناً بموجب القانون رقم 5 لسنة 2023، الذي أنشأ المحكمة الدستورية العليا، وهي الجهة الوحيدة المختصة بالنظر في الطعون الدستورية.
وأكدت الحكومة أن أي أحكام تصدر عن الدائرة الدستورية السابقة «باطلة ولا حجية لها»، وأن استمرارها في العمل «يمثل اعتداءً على وحدة القضاء ومحاولة لجرّه إلى الانقسام». كما عدّت الحكومة أن ولاية المجلس الرئاسي انتهت وفق اتفاق جنيف، وشدّدت على احترام شرعية مجلس النواب، بصفته الجهة التشريعية الوحيدة المنتخبة، محذّرة من استغلال القضاء لتحقيق مكاسب سياسية قد تهدد استقرار الدولة وسيادتها.
ويتمحور الخلاف السياسي الحاد في ليبيا حول أحكام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، التي ألغيت قانوناً بموجب القانون رقم 5 لسنة 2023 لإنشاء المحكمة الدستورية العليا بدلاً منها، ويشمل إبطال قوانين صادرة عن مجلس النواب، مثل نقل اختصاص إصدار الجريدة الرسمية إلى المجلس، وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية لتشمل محاكمة المدنيين في قضايا الإرهاب.
وفي إطار احتدام الصراع على الصلاحيات والمناصب، حذّرت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب من محاولات «انتحال الصفات السيادية» من قبل جهات غير شرعية، وأكدت شرعية تعيين الفريق أول عبد الرازق الناظوري مستشاراً للأمن القومي.
ودعت اللجنة في بيان، الثلاثاء، المجتمع الدولي والبعثات الدبلوماسية المعتمدة والمنظمات الإقليمية والدولية إلى احترام قرارات مجلس النواب الليبي، وعدم التعامل مع أي جهة، أو شخص يدعي صفات رسمية، دون تفويض صادر عن السلطة الشرعية، محذّرة من أن مثل هذه التصرفات «تقوض جهود الاستقرار، وتربك المسار السياسي والمؤسساتي في ليبيا».
ويعدّ هذا البيان الثاني من نوعه خلال ساعات قليلة فقط، بعد تأكيد الناطق الرسمي باسم المجلس، عبد الله بليحق، على أن الناظوري هو المستشار الشرعي للأمن القومي وفق قرار المجلس، محذراً من أن أي شخص يدّعي هذه الصفة يعد منتحلاً لها، ويعرّض نفسه للمساءلة القانونية.
وبحسب مراقبين، فقد جاء هذا الموقف رداً على زيارة قام بها مؤخراً وفد رفيع المستوى إلى لبنان، بقيادة إبراهيم الدبيبة، قريب رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، الذي اجتمع مع الرئيس اللبناني جوزيف عون في قصر بعبدا، بصفته «مستشار الأمن القومي الليبي».
لكن هذه الزيارة، التي استهدفت تعزيز العلاقات الليبية اللبنانية بما يسمح بإطلاق سراح هانيبال نجل الرئيس الراحل معمر القذافي المسجون حالياً في لبنان، أثارت غضب مجلس النواب، الذي يرى فيها «انتحالاً للسلطة السيادية»، مما يعكس الصراع على الشرعية في ليبيا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





