وليد عبد الله
أفريقيا برس – ليبيا. أصوات ليبية كثيرة تشكك في أن الخلافات السياسية هي العائق الوحيد لإجراء الانتخابات في البلاد، مؤكدة أن ثمة عوائق أخرى مهمة تمنع تقدم هذا المسار في مقدمتها الوضع الأمني.
فبعد عام من تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، لم يتحقق أي تقدم جدير بالذكر لإجراء الانتخابات، رغم أن كل الأطراف تطالب في العلن بضرورة إجرائها للخروج من الأزمة.
الخلاف بشأن شروط الترشح للرئاسة وبالأخص بالنسبة لمزدوجي الجنسية كان السبب الرئيسي في نسف كل المحاولات السابقة لإجراء الانتخابات.
وبموازاة الجهود السياسية التي تقودها الأمم المتحدة تشرف بعثتها برئاسة عبدالله باتيلي على مسار أمني هدفه تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات.
مجموعة العمل الأمنية التي انبثقت عن مؤتمر برلين الدولي الخاص بليبيا في 19 يناير/كانون الثاني 2020 وتضم إلى جانب بعثة الأمم المتحدة ممثلين كبار لكل من الاتحاد الإفريقي وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ومصر تعقد اجتماعات دورية لتقييم الأوضاع الأمنية في ليبيا.
وكان آخر تلك الاجتماعات في 25 يونيو/ حزيران الماضي ببنغازي (شرق) حيث حدد باتيلي خلال كلمته بالاجتماع 4 تحديات أمام استقرار ليبيا، وهي “ضمان بيئة آمنة للانتخابات، ومعالجة إشكاليات التشكيلات المسلحة، والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وحقوق الإنسان”.
وشكلت المواجهات الأخيرة التي شهدتها العاصمة طرابلس في 14 أغسطس/ آب الجاري بين قوتين أمنيتين تتبع إحداهما لحكومة الوحدة الوطنية والأخرى للمجلس الرئاسي أحد التحديات التي ذكرها باتيلي في الاجتماع الأمني ببنغازي، وخلفت أكثر من 50 قتيلاً وأكثر من 100 جريح خلال يومين.
وجاءت تلك الاشتباكات على خلفية اعتقال جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب التابع للمجلس الرئاسي آمر اللواء “444” محمود حمزة بمطار “معيتيقة الدولي في طرابلس أثناء توجهه إلى مدينة مصراتة، بدعوى تنفيذ أوامر قبض من النائب العام العسكري.
اشتباكات غير مفاجئة
قال المحلل السياسي الليبي فرج فركاش، إن “المواجهات المسلحة الأخيرة التي شهدتها العاصمة لم تكن مفاجئة نظراً للوضع الأمني الهش في ليبيا عامة وفي طرابلس خاصة، وفي ظل استمرار الصراع من أجل بسط السيطرة والنفوذ”.
وأضاف فركاش: “ما لم تكن هناك خطوات جدية وبدعم وثقل دولي فلن يكون هناك تقدم في الوضع الأمني في البلاد”.
وأردف: “الجميع يعلم أن أغلب هذه المليشيات والكتائب المسلحة في ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً وسواء كانت نظامية أو مشرعنة أو جهوية ومهما حملت من أسماء فولائها دائما لقادتها وليس للسلطة الحاكمة”.
وأوضح أن “المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية بنسبة عالية في خذلان الشعب الليبي مرتين الأولى بعد انتفاضة فبراير/شباط 2011” التي أطاحت بنظام الزعيم الراحل معمر القذافي.
وأضاف: “المرة الثانية كانت بعد توقيع اتفاق الصخيرات (في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015) الذي كان من أهم بنوده هو إخراج المليشيات المسلحة وأسلحتها الثقيلة إلى خارج العاصمة والشروع بتفكيكها وإعادة دمجها في أجهزة أمنية وعسكرية بهدف تشكيل جيش ليبي موحد يمتثل للسلطة المدنية”.
ورأى فركاش أن ما حدث هو “تواطؤ بعض الدول ومجاملة قادة هذه المليشيات المسلحة والمشاركة في محاولة إضفاء الشرعية عليها دون أي مقابل من شأنه أن يخدم مصلحة بناء الدولة الليبية وأمنها واستقرارها”.
الوضع العام والانتخابات
واعتبر فركاش أن “استمرار الوضع على ما هو عليه لن يخدم هدف الوصول إلى الانتخابات في ظل تمترس هذه القوى العسكرية بمختلف مسمياتها خلف السلاح ومحاولة فرض آرائها بقوة السلاح الذي من المفترض أن يكون حكرا على الدولة فقط”.
وأضاف: “لا يمكن لأي سلطة حالية أو قادمة أن تتحكم في هذه القوى التي تستطيع أيضا رفض نتائج الانتخابات أو التأثير بصورة مباشرة على نتائجها ما لم تكن هناك عصا دولية وجدية صارمة تدعم السلطات المدنية”.
ولفت فركاش إلى أنه لا يرى مناصا من تحويل دور البعثة الأممية من تسهيل ودعم التحول السياسي في ليبيا إلى دور فرض ودعم الاستقرار وربما بتدخل عسكري مباشر بتفويض أممي من مجلس الأمن.
وتابع: “من المفضل أن يكون ذلك تفويضا لقوى إقليمية صديقة لمساعدة السلطات المدنية على غرار ما حصل في بعض الدول الإفريقية ومنها ليبيريا وبعض الدول الأخرى التي مرت بصراعات أهلية مماثلة”.
وتابع فركاش: “حتى السلطات التشريعية والتنفيذية التي كنا نتمنى أن تأتي عبر الانتخابات أصبح قدومها عبر الانتخابات الآن بعيد المنال في ظل الوضع الأمني وفي ظل التمترس الحالي الذي يخدم استمرار تمدد الأجسام الحالية (في إشارة إلى المليشيات المسلحة).
الانتخابات والاستقرار الأمني
من جانبه قال الصحفي الليبي موسى تيهوساي: إن “إجراء العملية الانتخابية مرتبط أساساً بالاستقرار الأمني باعتباره عامل أساسي ومهم جداً لتهيئة البيئة المناسبة لأن التوترات الأمنية تعتبر من العوائق الكبيرة والخطيرة والرئيسية”.
وأضاف: “التوترات الأمنية الأخيرة تعتبر حالة ليبية موجودة في كل المدن ويمكن أن تتكرر، وبلا شك بأنها ستؤثر في أي عملية انتخابية قادمة والترتيبات المتعلقة بها”.
وأردف تيهوساي: “لكن من الممكن جعلها أقل تأثيرا لأنها حصلت بين أطراف محسوبين على جهة واحدة فقط وليست بين الأطراف الرئيسة التي بينها خلاف سياسي في المراحل الماضية على غرار الشرق والغرب”.
ولفت إلى أن “عدم الاستقرار الأمني من العوامل التي ستبعد عملية إجراء الانتخابات لأنها ستخلق العديد من النزاعات التي يمكن أن تشغل الليبيين عن الانتخابات والمطالبة بها”.
وأشار بهذا الصدد إلى أن “هناك أطراف سياسية موجودة في المشهد تبحث حتى عن أي مبررات لتعليق فشل إجراء الانتخابات عليها وجعلها مبررات للبقاء في المشهد الحالي أطول مدة ممكنة”.
وشدد تيهوساي على “أن تأثر المشهد بهذا الشكل يمكن تجاوزه في الواقع والذهاب للانتخابات في حال كانت هناك إرادة ورغبة قوية من الأطراف السياسية المتصارعة في إيجاد الآليات الدستورية للعملية الانتخابية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس