الاقتصاد الليبي رهينة الانقسام السياسي وغياب القرار الموحد

الاقتصاد الليبي رهينة الانقسام السياسي وغياب القرار الموحد
الاقتصاد الليبي رهينة الانقسام السياسي وغياب القرار الموحد

المهدي هندي

أفريقيا برس – ليبيا. لا يمكن فصل واقع الاقتصاد الليبي اليوم عن حالة الانقسام السياسي والمؤسسي التي تعيشها البلاد منذ سنوات، فكل حديث عن إصلاح اقتصادي أو تعافٍ مالي يصطدم بحقيقة واضحة: غياب وحدة القرار السياسي يجعل أي إصلاح اقتصادي هشًا ومؤقتًا.

تقرير البنك الأفريقي للتنمية يعيد التأكيد على هذه المعادلة، إذ يوضح أن ليبيا رغم امتلاكها احتياطيات مالية كبيرة وموارد طبيعية متنوعة، لا تزال عاجزة عن تحويل هذه المقومات إلى نمو اقتصادي مستدام. المشكلة، كما يشير التقرير ضمناً، لا تكمن في نقص الإمكانات، بل في غياب بيئة سياسية موحدة قادرة على إدارة هذه الموارد بكفاءة.

يتجلى هذا الخلل بوضوح في منظومة التجارة الخارجية، حيث تعاني المؤسسات المعنية من تضارب في الصلاحيات وتباين في السياسات. فبين مصرف مركزي يسعى إلى تشديد الرقابة على فتح الاعتمادات المستندية، ووزارة اقتصاد ترى أن هذه الإجراءات تعرقل حركة السوق وتضغط على التجار الصغار، تتسع الفجوة ويضيع الهدف الأساسي المتمثل في استقرار السوق وتوفير السلع.

هذا الواقع ساهم في توسع الاقتصاد الموازي، حيث تشير تقديرات إلى أن نحو 35% من حركة الموانئ تتم خارج القنوات الرسمية. وهي نسبة تعكس ضعف الرقابة وتراجع قدرة الدولة على فرض سيطرتها على التجارة الخارجية. النتيجة المباشرة لذلك هي تقلب الأسعار، نقص السيولة، وزيادة الأعباء على المستهلك.

من المهم التأكيد على أن هذا التباين بين المؤسسات ليس خلافًا فنيًا بحتًا، بل هو انعكاس مباشر لانقسام سياسي أفرز هياكل مؤسسية مزدوجة، وقرارات متناقضة، وقواعد بيانات غير موحدة. في مثل هذه البيئة، تفقد السياسات الاقتصادية فعاليتها، وتتحول قرارات الإصلاح إلى أدوات تجاذب بدل أن تكون وسائل تنظيم.

ولا يقف تأثير هذا المشهد عند حدود السوق المحلية، بل يمتد إلى ثقة المستثمرين. فغياب القرار الاقتصادي الموحد وازدواجية المؤسسات يبعث برسائل سلبية للمستثمرين المحليين والأجانب، ويقوض فرص بناء مشاريع تنموية طويلة الأمد.

يقترح البنك الأفريقي للتنمية مسارًا من ثلاث مراحل يبدأ بإجراءات عاجلة لضبط السوق، ثم تعزيز دور القطاع الخاص وبناء المؤسسات، وصولًا إلى اقتصاد متنوع ومستدام. غير أن نجاح هذا المسار يظل مشروطًا بتوفر بيئة سياسية مستقرة وقادرة على التنفيذ.

في المحصلة، الاستقرار السياسي ليس نتيجة للإصلاح الاقتصادي، بل شرطه الأساسي. فدون توحيد القرار السياسي وإنهاء الانقسام المؤسسي، ستظل الإصلاحات الاقتصادية محدودة الأثر، وسيبقى الاقتصاد الليبي رهينة التجاذبات. ليبيا لا تحتاج اليوم إلى مزيد من التشخيص، بقدر ما تحتاج إلى قرار سياسي يعيد الاعتبار للمؤسسات، ويضع الاقتصاد الوطني خارج دائرة الصراع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here