أفريقيا برس – ليبيا. تدفع توصيات معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، للادارة الأمريكية بضرورة الانفتاح الاستراتيجي، وتفعيل الخارطة الجيوسياسة، بما يحقق شراكة مثمرة مع الجزائر، وقبلها الرسالة المفعمة التي وجهها الرئيس الأمريكي لنظيره الجزائرية بمناسبة ذكرة الاستقلال الوطني، الى انخراط جزائري واسع في مسار التقارب مع أمريكا، وهو ما كرسه انفتاحها في الآونة الأخيرة على شركات الطاقة، وادراج الرئيس تبون، للرسوم الأمريكية الجديدة على التبادل التجاري في خانة القرار السيادي للأمريكيين.
أبدى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في ظهوره الاعلامي الجديد مع وسائل اعلام محلية، تفهما لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جديدة على المنتوجات الجزائرية تقدر بـ 30 بالمائة، واصفا خطوة الرئيس الأمريكي بـ “القرار السيادي” الذي يستوجب الاحترام، كما نريد نحن احترام قراراتنا السيادية، خاصة وأن المسألة لا تشكل إلا 0.5 بالمائة من اجمالي النشاط التجاري لبلاده.
وفي رسالة تعبر عن رغبة الرجل في ولوج مسار انفتاح واسع على الولايات المتحدة الأمريكية، ذكّر باستقباله لقائد قوات “أفريكوم” الجنرال مايكل لانجلي، ثلاث مرات في رئاسة الجمهورية، وأن البلدين أبرما خلال الأشهر الماضية اتفاقا عسكريا مهما، لم يكشف عن تفاصيله، فضلا على أن المشاورات المتنوعة مستمرة بين قادة البلدين حول مختلف القضايا والملفات الثنائية والاقليمية والأمنية، وفيها ما هو غير معروف من طرف وسائل الاعلام.
وسجل محور الجزائر- واشنطن في السنوات الأخيرة حركة دؤوبة، بفعل تبادل الزيارات والوفود، والتي كان آخرها استقبال مسؤولين كبار في شركتي “شيفرون” و”اكسين موبايل” من طرف الرئيس تبون، ما أعطى الانطباع بأن الجزائر بصدد ارساء تعاون طاقي لافت، ولا يستبعد أن تكون الشركتين صاحبتا حصرية الشروع في استغلال الغاز الصخري.
وأوحى تصريح تبون، لوسائل اعلام بلاده، الى أن الجزائر مستعدة للانفتاح على جميع القوى الفاعلة في العالم، وهو ما أكده بالقول: “لا يمكن للجزائر أن تكون في هذا الخندق من أجل ارضاء هذا الطرف، ومخاصمة طرف آخر، لأنها تلتزم بسياسة الحياد والدفاع عن مصالحها ومبادئها، بالحفاظ على صداقتها مع الجميع، ولا يمكن للجزائريين أن ينسوا دور الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي في دعم ثورة التحرير الجزائرية”.
الرسوم الأمريكية لا تزعج الجزائريين
واذ أعرب عن أسف خافت على انخراط الجزائر خلال العقود الماضية في المعسكر الاشتراكي، والابتعاد عن الولايات المتحدة الأمريكية، في اشارة الى حقبة الرئيس الراحل هواري بومدين، فان الرجل بدا متحمسا للانفتاح على الجميع، لدحض الاشارات المتداولة حول عزلة الجزائر.
ويبدو أن الرئيس الجزائري، تلقف الرسالة التي انطوى عليها تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، الصادر مؤخرا، والذي دعا الادارة الأمريكية الى الانتفاح الاستراتيجي مع الجزائر، بما تشكله من ثقل ودور هام في المنطقة، واضطلاعها بأدوار سياسية وأمنية واقتصادية مفتاحية، مما يعطي الانطباع بأن القيادة الجزائرية تريد عبر رسائل التعاون مع واشنطن، الى وأد الأصوات التي ارتفعت في السنوات الأخيرة، من أجل معاقبتها وعزلها، بسبب قربها من الروس.
كما شكلت رسالة الرئيس دونالد ترامب، لنظيره عبدالمجيد تبون، بمناسبة الذكرى الـ 63 للاستقلال الوطني المصادف للخامس من جويلية / يوليو، والتي حملت دلالات لافتة، ووصفتها تقارير مختلفة، بأنها “خارطة طريق في جلباب رسالة تهنئة”.
وجاء فيها، ” إذ نحيي معا، الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر ذكرى الاستقلال في اليوم نفسه، نستحضر بهذه المناسبة شراكتنا المستدامة بين أمتينا. لقد حققنا سويا إنجازات لصالح الاستقرار الإقليمي ومجهودات في مجال مكافحة الإرهاب وأخرى من أجل تأمين الحدود لفائدة أمننا المشترك وعلاقاتنا الاقتصادية”.
وأضافت: “إن تعاوننا اليوم في مرحلة خلق مستقبل أكثر ضمانا وأكثر ازدهارا للأمريكيين كما للجزائريين. إننا نطمح في أن تواصل علاقتنا الازدهار وعلى وجه الخصوص في المجالات التجارية والمبادلات الثقافية، إذ نستطيع رسم معالم مستقبل أكثر إشعاعا لبلدينا”.
ويرى المحلل السياسي عمر براس، بأن “العلاقات الجزائرية- الأمريكية اتسمت بالاحترام وبالعراقة، رغم حالات الفتور التي مرت بها في بعض المراحل، وهي تملك من المؤهلات ما يجعلها علاقة مثالية، قياسا بالمصالح المشتركة بين البلدين، والبعد الجيوسياسي لهما، فاذا كانت واشنطن القوة الأولى في العالم، فان الجزائر تمثل مفتاحا اقليميا للأمريكيين في التوسع والانفتاح على المنطقة وعلى القارة الافريقية عموما”.
وأضاف، لـ “أفريقيا برس”، بأن “الحركة الدؤوبة بين البلدين في السنوات الأخيرة، توحي وكأنهما يعيدان اكتشاف بعضهما البعض، مما يترجم قناعة لدى قيادتي البلدين، في ضرورة ارساء تعاون مشترك، والاستفادة المتبادلة من البعدين الجيوسياسي لكليهما”.
ولفت المتحدث، الى أن الادارة الأمريكية الباحثة عن دور ناعم في المنطقة، بلغة التعاون الاقتصادي والتجاري، تحتاج الى شريك وازن يتوفر على معايير استراتجية وجيوسياسية، خاصة وأن المنطقة في حاجة الى ترتيب أوراق أمنية وحماية مصالح كبرى، قبل أن تكون ساحة مفتوحة للعبة النفوذ والتمدد.
وفي تقرير لمعهد واشنطن لسياسيات الشرق الأدني، أعدت الخبيرة صابينا هانبيرغ، تقريرا بعنوان: “الشراكة الاستراتيجية الأمريكية مع الجزائر: مسار في ظل ديناميكيات عالمية متغيرة”، خلصت الى أنه في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، والتنافس بين القوى الكبرى على النفوذ في شمال أفريقيا والساحل، تبرز الجزائر كفاعل إقليمي رئيسي يمتلك مقومات تؤهله لأن يكون شريكًا استراتيجيًا موثوقًا للولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي هذا في وقت تتجه فيه الجزائر إلى تنويع شراكاتها الدولية على أساس ثوابتها الدبلوماسية ومبادئها الراسخة، وفي مقدمتها السيادة الوطنية، وعدم التدخل، والمصالح المتبادلة”.
وأضاف: “تستند الجزائر إلى موقع جغرافي استراتيجي يجعلها صلة وصل بين ضفتي المتوسط وعمق أفريقيا، وتتمتع باستقرار مقارنة بجوارها، إضافة إلى موارد طبيعية هائلة (الغاز، النفط، المعادن النادرة) تؤهلها للعب دور محوري في أمن الطاقة العالمي، لاسيما في ظل التوترات في أوروبا الشرقية”.
وتابع: “كما تعتمد الجزائر على سياسة أمنية صارمة في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، ما يعزز من مكانتها كشريك موثوق في تحقيق الاستقرار الإقليمي. ومن الناحية الاقتصادية، تسعى البلاد إلى تنويع اقتصادها والانفتاح على استثمارات أجنبية نوعية في مجالات الطاقات المتجددة، الأمن الغذائي، الرقمنة، والتعليم العالي.
وخلص الى أنه لتوظيف هذه المقومات، ينبغي تحويل الشراكة الجزائرية-الأمريكية من مجرد تعاون تقني إلى شراكة استراتيجية حقيقية متعددة الأبعاد، تستفيد من الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية كرافعة لتعزيز المصالح المشتركة.
ودعا الى إرساء حوار استراتيجي دائم يشمل الملفات الأمنية، الاقتصادية، والتقنية، ودعم الاستثمار الأمريكي في الجزائر عبر اتفاقيات تشجيع وحماية الاستثمارات، وتعزيز التبادلات الأكاديمية والعلمية والشراكات الجامعية، والتعاون الثلاثي في أفريقيا جنوب الصحراء لتنفيذ مشاريع مشتركة، واحترام خصوصية الجزائر السياسية والثقافية كشرط أساسي لبناء الثقة.
كما شدد على ضرورة بناء شراكة استراتيجية جزائرية- أمريكية يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ورؤية مشتركة تقوم على المصالح المتبادلة والمنافع المتوازنة. وتملك الجزائر من المقومات الداخلية والموقع الجيوسياسي ما يجعلها شريكا لا غنى عنه في معادلات الاستقرار والتنمية في شمال أفريقيا وحوض المتوسط.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس