العلاقات الجزائر- الأوروبية تنحدر نحو التأزيم

1
العلاقات الجزائر- الأوروبية تنحدر نحو التأزيم
العلاقات الجزائر- الأوروبية تنحدر نحو التأزيم

أفريقيا برس – ليبيا. تفاجأت الجزائر بخطوة الاتحاد الأوروبي، باللجوء الى التحكيم الدولي، على خلفية اخلال الطرف الجزائري ببنود اتفاق الشراكة المبرم بين الطرفين العام 2002، وتأتي هذه الخطوة لتترجم فشل مسار المشاورات المفتوحة منذ عدة أشهر لمراجعة الاتفاق المذكور، ولتنضاف الى خطوات أخرى تدفع بالعلاقة الثنائية الى الانحدار، على غرار ادراج مجموعة العمل المالي، للجزائر ضمن الدول العالية المخاطر، بسبب غسيل الأموال وتمويل الارهاب.

يرى النائب البرلماني عبدالوهاب يعقوبي، بأن اطلاق الاتحاد الأوروبي لإجراءات تحكيم ضد الجزائر، يشي الى مداولات ستجرى خارج المحاكم بهدف الوصول الى قرار، وهذا القرار يكون ملزم للطرفين، وأنه سيتم تشكيل لجنة تحكيم مشتركة، ستضم محكمين يعينهما الطرفان (الجزائر والاتحاد الأوروبي)، بالإضافة إلى محكم ثالث يكون محايدا ويتولى رئاسة الجلسة.

وصرح، لـ “أفريقيا برس”، بما أن “الاتحاد الأوروبي هو من بادر بإطلاق إجراءات التحكيم، فهو من سيحاول تقديم إثباتات على عدم التزام الجزائر بـاتفاق الشراكة بين الطرفين، وأن الادعاءات المقدمة حتى الآن من الاتحاد الأوروبي تتمحور حول عرقلة الجزائر لوصول السلع الأوروبية إلى سوقها من خلال رخص الاستيراد، بالإضافة إلى حظر شامل لدخول بعض المنتجات إلى السوق الجزائرية، وهي ادعاءات سهلة الإثبات على الجزائر”.

وأضاف: “اللجوء إلى التحكيم لا يعني توقف المفاوضات، بل يعني ضغطا أكبر من الاتحاد الأوروبي على الجزائر من أجل الوصول إلى اتفاق وإيجاد حل للإشكاليات المطروحة من جانبهم. وهذا يعني أن هناك فرصة كبيرة للتوصل إلى حل للمشكلة خارج نطاق التحكيم”.

ولفت المتحدث، الى أن “الجزائر الآن ملزمة بتعيين محكم خلال شهرين، وإذا قامت بذلك ولم تنجح في إقناع الطرف الأوروبي بالتفاوض خارج التحكيم، فعليها أن تدافع عن موقفها. والدفاع هنا لا ينبغي أن يركز على محاولة نفي ادعاءات الطرف الأوروبي، لأن قيود الاستيراد على المنتجات الأوروبية وحظر استيراد بعض المنتجات هي أمر واقع وموجود منذ مدة”.

فرضية حل الخلاف خارج التحكيم قائمة

وكانت الجزائر قد أعربت عن تفاجئها للقرار “المتسرع والأحادي الجانب”، الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي والقاضي باللجوء الى التحكيم، بسبب ما يعتبره قيودا يفرضها الجانب الجزائري في التجارة والاستثمار.

وقال بيان الخارجية الجزائرية، “قامت المديرية العامة للتجارة التابعة للمفوضية الأوروبية بإخطار السلطات الجزائرية المختصة بقرارها فتح إجراء تحكيمي بشأن ما اعتبر قيودا مفروضة على التجارة والاستثمار، في مخالفة لاتفاق الشراكة الذي يربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي”.

ويعود توقيع اتفاق الشراكة بين الطرفين الى العام 2002، ودخل حيز التنفيذ العام 2025، لكن الاجراءات التقشفية التي فرضتها الحكومة الجزائرية بشأن الاستيراد منذ العام 2021، وتوتر علاقاتها التجارية والاقتصادية الثنائية مع بعض الدول الأوروبية، كفرنسا وقبلها اسبانيا، أثار قلق المجموعة الأوروبية، التي يبدو أنها تدفع الى مزيد من الضغط على الطرف الجزائري، رغم دخولهما في مشاورات منذ عدة أشهر حول مراجعة الاتفاق المذكور.

ويرى النائب المنتمي لحركة مجتمع السلم عبدالوهاب يعقوبي، في منشور له على صفحته الرسمية في منصة فيسبوك، بأنه “يمكن للجزائر أن تثبت تعطيل وصول بعض المنتجات الجزائرية (حتى لو لم يكن بطريقة مباشرة)، وكذلك الإشارة إلى بنود أخرى لم يلتزم بها الطرف الأوروبي، مثل نقل التكنولوجيا والاستثمارات وهذا سيثبت أن كلا الطرفين لم يلتزما باتفاقية التجارة”.

وتابع: “اتفاق التجارة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وضع على أساس إعفاءات جمركية تكون في البداية على المنتجات الجزائرية فقط، ثم بعد خمس سنوات تشمل الإعفاءات تدريجيا المنتجات الأوروبية. وكان الهدف من ذلك هو تمكين الجزائر من بناء قاعدة إنتاجية تنافسية خارج قطاع المحروقات، وهو ما لم تنجح فيه حتى الآن. وهو ما يعني أن الاتفاق لم يخدم الجزائر بشكل فعال على الرغم من كونه نظريا في صالحها”.

وفي تفصيله الى مجريات الملف، يقول النائب يعقوب، “حجة عجز الميزان التجاري الجزائري خارج المحروقات أمام الاتحاد الأوروبي، لا تعتبر حجة كافية، فالبترول سلعة، والجزائر هي المطالبة بالتصدير لأوروبا خارج المحروقات، وليست أوروبا هي المطالبة بالاستيراد من الجزائر، ونفس الشيء بالنسبة لحجة رخص الاستيراد بهدف دعم المنتوج الوطني، فهي حجة تصلح كخطاب سياسي موجه للجزائريين وليس لشريك يعتبر طرف في عقد شراكة”.

ذرائع الاتحاد الأوروبي لا تغطي اجحاف الاتفاق لحق الجزائر

وارتفعت أصوات بالجزائر، في السنوات الأخيرة، تطالب بمراجعة اتفاق الشراكة المبرم بين الطرفين، من أجل تكييفه مع التطورات المستجدة، حيث صرح الرئيس عبدالمجيد تبون، لوسائل اعلام محلية، بأن “الظروف التي أبرم فيها الاتفاق العام 2002، لم تعد نفسها في العام 2025، وأن الجزائر التي لم تكن قادرة على التصدير آنذاك، بامكانها الآن تصدير بعض المواد”.

ويسود اجماع لدى النخب الرسمية والسياسية في الجزائر، بأن اتفاق الشراكة بين الطرفين، على أنه “مجحف وغير متوازن”، ففيما استفاد الاتحاد من 30 مليار دولار، طيلة المدة الماضية، لم تتعد عائدات الجزائر سقف الواحد مليار دولار”.

ويرى خبراء اقتصاديون، بأن الجزائر ستبقى ملزمة بقرار لجنة التحكيم، اذا تم اللجوء إليها ولم يحل الخلاف في اطار المشاورات بين الطرفين، وأن عدم الامتثال سيضر بمصالحها الاقتصادية ويجعلها تخسر سمعتها كشريك موثوق، فضلا عن امكانية تعرضها لضغط دبلوماسي كبير وسياسات أوروبية اقتصادية انتقامية، فيما استبعد هؤلاء فرضية التعويض المالي للشركات الأوروبية التي تثبت تضررها بهذه القرارات.

في المقابل سارعت حركة البناء الوطني، الموالية للسلطة، الى التعبير عن موقفها الداعم لموقف وزارة الخارجية، بينما التزمت قوى سياسية أخرى سواء في الموالاة أو المعارضة، التحفظ لحد الآن، لاسيما وأن بيان الخارجية لم يتضمن أي تصعيد أو نقد للقرار الأوروبي.

وفي بيان اطلعت عليه، “أفريقيا برس”، أكدت حركة البناء الوطني، تأكيد موقفها “الثابت” تجاه ما تصفه بنوايا “التدخل في الشأن الداخلي، وتوجيه المواقف السياسية والاقتصادية، تحت يافطة اتفاق الشراكة”.

وخاطب القيادة الأوروبية، بالقول: “كفوا عن التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، ومحاولة التأثير في سياستها الخارجية ومواقفها الديبلوماسية، اذا أردتم بناء اتفاق نزيه ومتوازن بين الطرفين”.

دور فرنسي غير مستبعد في المنعطف الجديد

وعاد للتذكير بنتائج اتفاق الشراكة غير العادلة والمجحفة، فقد حقق الاتحاد الأوروبي عائدات تقدر بنحو 30 مليار دولار، بينما لم تتجاوز عائدات الجزائر مليار واحد طيلة العشرين سنة الماضية.

وتأتي الخطوة الأوروبية، لتنضاف الى توتر جزائري- أوروبي، سابق تمثل في ادراج مجموعة العمل المالي، التابعة لمجموعة السبعة الكبار، والواقع مقرها في فرنسا، للجزائر ضمن لائحة البلدان العالية المخاطر في مجال غسيل الأموال وتمويل الارهاب، تم تصنيفها في اللائحة الرمادية التي تنجم عنها اجراءات عملية تطبق على المعاملات المالية للبلاد، ويمس بصورتها في عالم المال والأعمال.

وهو الأمر الذي دفع الحكومة الى المسارعة اصدار قانون متمم ومكمل للقانون السابق، من أجل التكيف مع التوصيات التي طالبت بها المجموعة المذكورة، وتم تزكيته من طرف البرلمان خلال هذا الأسبوع، دون أي تعديل أو نقاش ناقد، على أمل أن يكون ذريعة للخروج سريعا من التصنيف المذكور.

ووصف النائب البرلماني عن حركة البناء الوطني عبدالقادر بريش، القرار بـ “المرحلة الحاسمة للجزائر”، وإذ “تأكد الانتقال إلى مرحلة التحكيم، فينبغي ألا يتم التعامل معها كأمر مفروض، بل يجب إدارتها بحكمة وحزم، من أجل حماية المصالح الأساسية للبلاد، وضمان استمرارية وجودة العلاقات الجزائرية الأوروبية”.

وأكد، لـ “أفريقيا برس”، على أن “هذا السياق يبرز الحاجة المتزايدة إلى تقييم جاد ومتوازن لاتفاق الشراكة، بما يسمح بمراجعته وفقًا للتحولات الاقتصادية الجارية والطموحات الوطنية في مجال تنويع الاقتصاد، وأنه لا يزال هناك متسع من الوقت لتجنب مآلات نزاعية، من خلال إعطاء الأفضلية لمسار الحوار العقلاني، والبحث عن أرضية تفاهم تراعي مصالح الطرفين.

واعتبر رئيس الديبلوماسية الجزائرية، أن قرار اللجوء الى التحكيم الدولي، يمثل “إنهاء لمرحلة المشاورات وإطلاق إجراء التحكيم، رغم عقد جلستين فقط من المشاورات خلال فترة قصيرة لا تتعدى الشهرين، ورغم أن 6 من أصل 8 ملفات محل الخلاف كانت بصدد التسوية”.

وأكد على أن “مسار المشاورات، الذي جرى في جو بناء وهادئ، لا يبرر، بأي حال من الأحوال، هذا الانقطاع المفاجئ في الحوار، لا سيما وأن الطرف الجزائري قدم مقترحات عملية بخصوص النقطتين المتبقيتين، دون أن يتلقى أي رد رسمي من نظيره الأوروبي”.

وتأتي الخطوة الأوروبية، لتضع محور الجزائر- بروكسل، على مسار أزمة غير متوقعة، وتلقي بالمزيد من الضغوط على الطرف الجزائري، الواقع أصلا تحت طائلة أزمات يطبعها التوتر والقطيعة مع مجموعة من الأطراف الاقليمية والجهوية.

ويبدو أن المناخ الجيوسياسي المتوتر، ينساب في كل الاتجاهات، وأن التجارب التي تمر بها العلاقات الجزائرية، مع بعض الدول الأوروبية، تلقي بظلالها على المخارج التي يريدها الاتحاد الأوروبي، ولا يستبعد رغبة هؤلاء في وضعها بعين الاعتبار، بأي مخرج للاتفاق الأصلي.

ولم تستبعد تقارير جزائرية، فرضية دور فرنسي في اذكاء الخلافات بين الطرفين، في اطار الصراع القائم بينها وبين الجزائر، حول عدد من الملفات الخلافية، خاصة سجن الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال في الجزائر، والتحريض الممنهج من طرف اليمين المتطرف على الجزائر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here