المبادرة الأمريكية تتناقض مع خارطة الطريق وتقلل فرص نجاحها

المبادرة الأمريكية تتناقض مع خارطة الطريق وتقلل فرص نجاحها
المبادرة الأمريكية تتناقض مع خارطة الطريق وتقلل فرص نجاحها

أفريقيا برس – ليبيا. اعتبر الباحث السياسي والقانوني، عبد الله الديباني، أن خارطة الطريق التي أعلنت عنها البعثة الأممية مؤخراً تمثل مخرجًا أوليًا لا يُعول عليه كثيرًا في حل الأزمة الليبية، مؤكدًا أن هذه الخارطة تفتقر إلى الدعم الدولي الحقيقي، وتحديدًا من مجلس الأمن الدولي.

وأوضح الديباني في مداخلة عبر قناة “ليبيا الحدث”، أن خارطة الطريق، في مراحلها الحالية، تشير إلى أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي يطالب بها الليبيون، لن تُجرى قبل الربع الثالث أو الرابع من عام 2026، ما يكرّس استمرار الأزمة وتفاقمها بدلاً من حلّها.

وأشار إلى أن هناك مساعٍ لتشكيل المفوضية العليا للانتخابات، وهو أمر تسعى إليه البعثة، بينما يركّز مجلسا النواب والدولة على تشكيلها بالكامل، لكن الخلاف الحقيقي، بحسب قوله، لا يكمن في هذا التشكيل، بل في تقاسم المناصب السيادية.

وذكر أن مؤسسات مهمة مثل ديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة، وهيئة دعم الشباب، وغيرها، أصبحت محور خلاف بين المجلسين، في ظل تجاهل لمبدأ التوافق الوطني، الأمر الذي يعقّد تنفيذ الخارطة.

وبين الديباني إنه كان يأمل أن يتم تجاوز الخلافات حول المناصب السيادية وتأجيلها لما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مؤكداً أن ذلك كان سيساهم في دعم المسار السياسي، إلا أن ما يحدث اليوم يُظهر أن هذه الخارطة غير واقعية، وغير قابلة للتطبيق في ظل الانقسام القائم.

وفي ذات السياق، أشار إلى وجود خلافات جوهرية لا تزال قائمة بين اللجنة الاستشارية ولجنة “6+6′′، لاسيما فيما يتعلق بالقوانين الانتخابية وبعض المواد الخلافية، إضافة إلى عدم الحسم في مسألة تزامن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وأوضح الديباني أن تشكيل الحكومة يمثل جزءًا أساسيًا من الخارطة، ويجب أن يتم بناءً على توافق واسع وليس عبر فرض الأمر الواقع، مضيفًا أن هذه الخارطة لم تتلقَّ أي دعم ملموس من مجلس الأمن، وهو ما كان يجب أن يظهر عبر قرار رسمي وليس مجرد بيانات ترحيب ودعم معنوي، كما حدث سابقًا مع مبعوثين آخرين.

وأشار الديباني إلى وجود مبادرة أمريكية على الأرض، تتناول أبعادًا اقتصادية وأمنية، وتسعى إلى توحيد المؤسسة العسكرية، قبل الانتقال إلى الجانب السياسي، وهو ما يؤكد أن هذه المبادرة تتناقض مع خارطة الطريق الأممية، وتقلل من فرص نجاحها.

وحسب الديباني فإن المناصب السيادية كانت ولا تزال العقدة الأساسية في المشهد السياسي الليبي، مؤكدًا أن الانقسام حول هذه المناصب مستمر منذ أكثر من خمس سنوات، وهو ما يعرقل التوصل إلى أي تسوية سياسية حقيقية، سواء قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أو بعدها.

وأوضح، أن التركيز على ملف المفوضية العليا للانتخابات دون حسم المناصب السيادية كان خطأً كبيرًا من مجلسي النواب والدولة، مؤكدًا أن هذه المناصب أصبحت منقسمة على نفسها، وباتت تُدار عبر تحالفات ومصالح متشابكة. لافتاً إلى أن المبادرات السياسية الأخيرة التي طُرحت، ومنها مبادرة البعثة الأممية، لم تُحقق التوافق المطلوب، بل تعرضت لما وصفه بـ “الضرب من داخل المؤسسات”.

كما تحدث الديباني عن تغير في المشهد الدولي، مشيرًا إلى أن التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة، التي تُؤثر سلبًا على إمكانية توافق مجلس الأمن الدولي حول خارطة سياسية موحدة لليبيا.

وفي هذا السياق، اعتبر أن الولايات المتحدة تسعى إلى فرض واقع جديد في الشرق الأوسط عبر دعم أطراف معينة، في مقابل تحركات خليجية وشمال إفريقية لموازنة هذه السياسات.

وبالحديث عن الداخل الليبي، شدد الديباني على أن القيادة العامة باتت تملك تحالفات إقليمية ودولية مهمة، تشمل روسيا ودولًا عربية وشرق أوسطية مثل تركيا وباكستان، وهو ما أعاد رسم خارطة التحالفات داخل ليبيا وخارجها، وأضعف من قدرة البعثة الأممية على السيطرة على مسار الأزمة.

وتابع حديثه بمقارنة بين المبادرتين الأمريكية والأممية، معتبرًا أن المبادرة الأمريكية أقرب للواقعية وأكثر انسجامًا مع المبادرة التي قدمها القائد العام المشير خليفة حفتر، والتي تدعو إلى جعل الجيش ضامنًا للاستقرار، وإنهاء الفساد، والمضي نحو بناء دولة ديمقراطية موحدة.

وقال الديباني إن رئيس حكومة الوحدة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة لم يعد يحظى بأي شرعية دولية، مشيرًا إلى أن البعثة الأممية والدول المعنية بالملف الليبي لم تعد تعتبره جزءًا من المسار السياسي القائم. موضحاً أن تشكيل الحكومة كان بالتنسيق مع البعثة الأممية، التي دعمت المسار السياسي، إلا أن الدبيبة، رغم موافقته على مبادرة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لم يبدِ أي تجاوب مع المبادرة الأممية أو تلك المطروحة خارج خارطة الطريق المعتمدة.

وكشف الديباني عن تقرير نشرته صحيفة التليغراف البريطانية، يُقارن بين أوضاع الشرق والغرب في ليبيا، ويفضح فشل الدبيبة في فرض الأمن داخل العاصمة طرابلس، مقابل إنفاقه المليارات على الميليشيات والتشكيلات المسلحة التي لم تحقق أي استقرار يُذكر.

وبينّ الديباني أن المبادرة الأمريكية الأخيرة لاقت قبولًا واسعاً، خاصة وأنها تركز على ثلاثة محاور رئيسية هي: التوافق بين القوانين الانتخابية. إعادة تشكيل الحكومة أو دمجها، وإجراء انتخابات برلمانية، وذلك بعد إنعاش الاقتصاد الليبي ومعالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة، كما أنها اعتمدت على رؤية واقعية تنطلق من توحيد المؤسسة العسكرية، عبر لجنة “5+5” ورئاسة أركان موحدة في غرب البلاد، بعيدًا عن تشكيلات مسلحة أو ميليشيات، وهو ما يُعد خطوة أساسية لبناء أمن مستدام.

وختم الديباني بالتأكيد على أن المبادرة الأمريكية تعد الأقرب إلى الواقع، مقارنة بمبادرات أخرى فضفاضة تُستخدم فقط لتأجيل الحلول الحقيقية، وإطالة عمر الأزمة السياسية بما يخدم أطرافًا مستفيدة من الفوضى، سواء في الداخل الليبي أو على مستوى البحر المتوسط.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here