انقسام السلطة وأزمة السيولة يفاقمان الضغوط على «المركزي»

انقسام السلطة وأزمة السيولة يفاقمان الضغوط على «المركزي»
انقسام السلطة وأزمة السيولة يفاقمان الضغوط على «المركزي»

جاكلين زاهر

أفريقيا برس – ليبيا. بعد نحو عامٍ على توليه مهامه، يجد محافظ «المصرف المركزي الليبي»، ناجي عيسى، نفسه في واجهة المشهد السياسي المعقد، وسط تصاعد الجدل حول أداء مؤسسته وسياساتها، بعدما وجّه البرلمان استدعاءً رسمياً له للمثول أمامه الاثنين المقبل، لمناقشة ملفات اقتصادية ونقدية عدة، أبرزها استمرار وتفاقم أزمة السيولة.

ويرى مراقبون أن الجدل القائم لا يعكس خلافاً حول السياسات النقدية أو إدارة المصرف للأزمات المالية بقدر ما يعكس في جوهره تداعيات الانقسام السياسي والمؤسسي الذي يطبع المشهد الليبي منذ سنوات. ويلفت هؤلاء إلى أن المصرف، الذي يُفترض أن يكون مؤسسة سيادية مستقلة، يجد نفسه مضطراً للتعامل مع حكومتين متنافستين؛ واحدة في الغرب وأخرى في الشرق، تتنازعان الإنفاق والسيطرة على موارد الدولة التي تعتمد أساساً على عوائد النفط، ما جعله عاجزاً عن صياغة رؤية نقدية موحدة لمواجهة الأزمات.

ورغم تأكيده أن مساءلة المحافظ «أمر مشروع من حيث المبدأ»، اعتبر عضو مجلس النواب الليبي، سليمان سويكر، أن تحميله وحده تبعات الأزمات المالية وفوضى الإنفاق الناجمة عن الانقسام السياسي «أمر غير منصف». ودعا سويكر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى الانتباه بأن «المصرف المركزي يعمل ضمن بيئة منقسمة سياسياً ومؤسساتياً تحدّ من قدرته على فرض رقابة موحدة على الإنفاق أو إدارة السياسة النقدية بكفاءة».

ورغم إقرار سويكر بأن «بعض النواب يطالبون بتغيير عيسى ضمن عملية استبدال شاغلي (المناصب السيادية) في إطار التوافق المسبق بين مجلسهم والمجلس الأعلى للدولة»، فإنه أكد «عدم وجود خطوات عملية بهذا الصدد، وأن النقاش يتركّز حالياً على تغيير شاغلي المناصب الأخرى».

وتتنازع السلطة في ليبيا حكومتان: «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، وحكومة أسامة حماد، المكلّفة من البرلمان والمدعومة من قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

ووفق بيان «المصرف المركزي» الصادر في أبريل (نيسان) الماضي، بلغ الإنفاق العام المزدوج لعام 2024 نحو 224 مليار دينار، بينها 123 ملياراً لحكومة الدبيبة، و59 ملياراً لحكومة حماد، و42 ملياراً لمبادلة النفط، مقابل إيرادات نفطية وضريبية بلغت 136 مليار دينار. (الدولار يساوي 5.44 دينار).

وأشار البيان إلى أن هذا الإنفاق أوجد «طلباً على النقد الأجنبي بقيمة 36 مليار دولار، ما أدى إلى اختلال الفجوة بين العرض والطلب على العملات الأجنبية وأضعف استقرار سعر الصرف وقيمة الدينار».

من جهته، استبعد عضو المجلس الأعلى للدولة، علي السويح، إقالة المحافظ خلال الجلسة المرتقبة، «رغم صعوبة موقفه جراء عدم الإيفاء بتعهداته بمعالجة أزمة السيولة وانخفاض قيمة الدينار». ووصف السويح في تصريح، جلسة مساءلة المحافظ بأنها مجرد «استهلاك إعلامي»، رافضاً بدوره «تحميله وحده مسؤولية أزمات ناتجة عن تعدد مراكز القرار في البلاد، وفي مقدمتها الحكومتان المتنازعتان وحلفاؤهما من القوى الفاعلة على الأرض، بل وحتى مجلسَي النواب والأعلى للدولة». وتساءل قائلاً: «لماذا التركيز على تغيير المحافظ المعين منذ عام، وتجاهل شاغلي المناصب السيادية الآخرين الموجودين منذ قرابة عقد؟»، داعياً إلى «التركيز على ملف المفوضية الوطنية للانتخابات، التي لم تشهد أي إنجاز ملموس رغم النقاش حولها منذ شهرين، ورغم كونها أولوية باعتبارها أحد مستحقات المرحلة الأولى من الخريطة السياسية الأممية التي تهدف لتمهيد الساحة لإجراء الانتخابات». واشترط عيسى لحضور الجلسة البرلمانية أن «تُبثّ مباشرة على الهواء».

أما المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ، فربط الجلسة بما وصفه بـ«ضغوط تمارس على المحافظ من قِبَل بعض الأطراف بعد تقييده أوامر صرف كثيرة قد ينتج عنها تداعيات سلبية على الوضع الاقتصادي». وأوضح محفوظ لـ«الشرق الأوسط» أن «المصرف تعاقد مؤخراً مع شركة أميركية مختصة بالمراجعة والامتثال المالي، وهو ما سيقلّص من أوامر الإنفاق الموجهة له، مما أغضب أطرافاً تسعى حالياً للضغط عليه وتهديده بالإقالة». وانتقد المحلل السياسي تركيز البرلمان على أزمة السيولة دون التطرّق بالقدر ذاته لما كشف عنه المصرف مؤخراً بشأن «عشرة مليارات دينار غير معلومة المصدر».

ويرى محفوظ أن استمرار «الفساد وتوقيع المزيد من عقود مشاريع إعادة الإعمار دون رقابة فعلية يفاقمان الطلب على العملة الأجنبية في السوق الموازية، مما يؤدي إلى تبخّر العملة الوطنية رغم ضخ (المركزي) المليارات منها».

وكان البرلمان قد أقر في يونيو (حزيران) الماضي ميزانية ثلاثية بقيمة 69 مليار دينار لـ«صندوق التنمية والإعمار» برئاسة بالقاسم، حفتر، وهو ما انتقدته المبعوثة الأممية هنا تيتيه، معتبرة أن «التوسع المالي قد يقوّض قدرة المصرف المركزي على استقرار سعر الصرف واحتواء التضخم».

وتكررت تحذيرات المراقبين من تسابق الحكومتين على توقيع عقود إعادة الإعمار في مناطق نفوذهما، متجاهلتين مخاطر ذلك، خصوصاً مع غياب ميزانية موحدة للبلاد.

بالمقابل، دافع المحاضر بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة طبرق، حمزة عقيلة، عن قرار البرلمان باستدعاء المحافظ، معتبراً أن «(المركزي) ومجلسه لم يطرحا بعدُ سياسات تعيد الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطن، الذي يفضل الاحتفاظ بالنقد في بيته تجنباً لمعاناته في طوابير طويلة أمام المصارف خلال أزمات السيولة السابقة». وأضاف عقيلة لـ«الشرق الأوسط» أن «(المركزي) يواصل مطالبة التجار والمواطنين بإيداع الأموال في المصارف، مما يزعزع الثقة بسياساته، فضلاً عن مواصلته السماح للمصارف ببيع العملات الأجنبية للتجار فقط دون المواطنين، وتشجيعه الدفع الإلكتروني رغم ضعف البنية التحتية واستمرار تفضيل كثيرين التعامل النقدي (الكاش)».

وانتقد عقيلة «سحب المصرف كميات كبيرة من العملة دون توفير بدائل»، إلا أنه عاد ليتفق مع الآراء التي تربط الأزمة بالانقسام السياسي، مرجّحاً أن «يكون المحافظ قد تعرّض لضغوط لوقف مخصصات مشاريع الإعمار في الشرق والجنوب».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here