علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. أثار كشف بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن ملامح «الحوار المهيكل»، المرتقب الشهر المقبل، موجةً من الترقب الحذر، في ظل نقاش واسع حول فرص نجاح المسار الجديد في كسر حالة الجمود السياسي، وما إذا كان يُشكّل منعطفاً نحو تسوية شاملة أم تكراراً لتجارب سابقة؟
وتحدّث المتحدث باسم البعثة، محمد الأسعدي لـ«الشرق الأوسط» عن وجود «ضمانات واقعية لتجنب تكرار مخرجات الحوارات السابقة، التي رعتها الأمم المتحدة ولم تصل إلى حل دائم للأزمة الليبية»، مشيراً إلى أن «الحوار المهيكل، ومن خلال تمثيل ليبي واسع وشامل، سيُشكل ضمانة لمحاسبة الأطراف الرئيسية، والدفع باتجاه تحقيق تطلعات المواطنين».
مخاوف من «تكرار إخفاقات الماضي»
يُنظر إلى «الحوار المهيكل» باعتباره مساراً محورياً في «خريطة الطريق» الأممية المعلنة في أغسطس (آب) الماضي. وفي هذا السياق، لفتت البعثة إلى أنه «يمتد بين 4 و6 أشهر؛ مع الحرص على تمثيل متوازن وشامل لمختلف فئات المجتمع، تمهيداً لانتخابات وطنية».
يأتي ذلك وسط آمال ومخاوف من «تكرار إخفاقات» حواري «الصخيرات» المغربية في 2015 و«جنيف» السويسرية في 2021، التي أدخلت ليبيا في مسار السلطات الموازية والصراعات السياسية والعسكرية.
وعلى عكس التجارب السابقة، أوضح الأسعدي، أن «هناك آليات مقترحة للتصدي للمعرقلين، بما في ذلك فرض العقوبات»، وقال موضحاً: «ندرك أن العقوبات من اختصاص مجلس الأمن والدول الأعضاء حصراً؛ لذا تعمل البعثة بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين لضمان عدم إفلات الأطراف المعرقلة من المحاسبة».
وأضاف الأسعدي أن البعثة تُقدم إحاطة لمجلس الأمن كل شهرين، «وتعتزم تسخير هذه المناسبة لعرض التقدم المحرز والتحديات بشفافية، بما في ذلك الإبلاغ عن أي معرقلين، وعند الضرورة، طلب تدخل المجلس».
في الداخل الليبي، هناك أصوات تُعبّر عن تفاؤلها بهذا الحوار، من بينها ما يُعرف بـ«حراك ليبيا الوطن»، بوصفه «محاولة لتصحيح المسار»، الذي قال إن الأمم المتحدة «اقتنعت بأن الأجسام القائمة استنفدت دورها».
وعدّ المحلل السياسي، فرج فركاش، إطلاق الحوار في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل «محاولة أممية لتغيير قواعد اللعبة، وتوسيع ملكية العملية السياسية لتشمل المجتمع المدني والشباب»، مشيراً، عبر حسابه على موقع «فيسبوك»، إلى أن ذلك «يُشكل ورقة ضغط على النخب السياسية التقليدية التي تمسك بمفاتيح السلطة».
ورغم نبرة التفاؤل التي ترافق التحضيرات لـ«الحوار المهيكل»، فإنها لا تخلو من بعض التحفظات، ذلك أن رئيس «حزب التجديد»، سليمان البيوضي، يرى أن أي اتفاق جديد «سيواجه مصير اتفاقي (الصخيرات وجنيف)، ما لم تتوافر إرادة دولية جادة وضمانات لمتابعة التنفيذ».
ويستعيد البيوضي تجارب الماضي، ليُشير لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «العبرة ليست في توقيع الاتفاقات، بل في تنفيذها»، مؤكداً أن «الحوار المهيكل لن ينجح ما لم تُحدد آلية واضحة، وجدول زمني ملزم لمتابعة المخرجات».
وهناك مَن يرى الصورة من زاوية أكثر تشككاً، وفي هذا السياق يعدّ الباحث السياسي، محمد الأمين، أن الخطة الأممية «تكرر نمط إدارة الأزمة لا حلها»، ويرى أن الأمم المتحدة «ما زالت تُمارس وصاية ناعمة تُحدد شكل العملية وأطرافها وتتحكم في وتيرتها، تحت شعار القيادة الليبية للعملية»، وهي -حسب قوله- «وصاية أخطر من التدخل المباشر؛ لأنها تُغلّف الهيمنة بلغة الدعم».
مشاركة فاعلة في الحوار المرتقب
هذه الرؤى تتقاطع مع دعوات النقابات والأحزاب إلى مشاركة حقيقية وفاعلة في الحوار المرتقب، وسط ترقب حذر من تكرار تهميشها في مسارات التسوية السابقة في «الصخيرات وجنيف».
وبهذا الخصوص قال القيادي النقابي، الشاوش أنور، عضو «اتحاد عمال ليبيا» لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريحات البعثة الأممية حول مشاركة واسعة لكل أطياف المجتمع تُقابل بـ«تفاؤل حذر»، في انتظار ترجمتها إلى مشاركة حقيقية.
أما الأحزاب السياسية الليبية فإنها تؤكد ضرورة إشراكها في أي عملية حوارية مقبلة، عادّة أن تجاهلها يعني تكرار أخطاء الماضي. وفي لقاء تشاوري الأسبوع الماضي، طالب عدد من رؤساء وممثلي الأحزاب بأن «يُبنى الحوار على تمثيل شرعي للأحزاب المعتمدة قانونياً»، بوصفها حاضنة للخبرات والكفاءات الوطنية.
ويؤيد عضو الأمانة العامة لحزب «ليبيا النماء»، القيادي حسام الفنيش، القول السابق، مشيراً إلى أن التحضيرات للحوار «تُمثل فرصة لتجاوز إخفاقات الحوارات السابقة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «جدارة المشاركين وكفاءتهم العلمية عنصر حاسم في نجاح العملية الحوارية»، عادّاً أن ليبيا «لا تحتاج إلى حوار جديد، بل إلى منهج جديد للحوار»، مشدداً على أن النجاح «مرهون بالفصل المنهجي بين المسارين الفني والسياسي». كما أوضح أن أبرز التحديات «تكمن في غياب المنهجية العلمية، وضعف الإرادة السياسية، وغياب آليات التنفيذ والضمانات القانونية».
في سياق ذلك، يرى مراقبون أن عدالة توزيع الثروة تُمثل جوهر الأزمة الليبية، في ظل اعتماد الاقتصاد شبه الكامل على النفط الذي يُشكل 98 في المائة من الإيرادات الحكومية، مع إنتاج يومي يقدر بنحو 1.38 مليون برميل.
ومن منظور الخبير محمد الشحاتي، فإن «المسار الاقتصادي هو الأكثر حساسية وتأثيراً»، محذراً من أن تكرار الاعتماد على أطراف دولية لإدارة الحوار قد يحوّله إلى «نشاط إداري بلا مضمون وطني».
واقترح الشحاتي أن يلتئم حوار بـ«مسار اقتصادي مستقل يقوده خبراء ليبيون» لإعادة بناء الثقة، وتحديد أسس عادلة لتوزيع الإيرادات النفطية والإنفاق العام، مؤكداً أن استعادة السيادة المالية «شرط لأي استقرار سياسي حقيقي».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





