تصاعد أزمة تقاسم ثروة النفط في ليبيا.. الخلفيات والتداعيات

17
تصاعد أزمة تقاسم ثروة النفط في ليبيا.. الخلفيات والتداعيات
تصاعد أزمة تقاسم ثروة النفط في ليبيا.. الخلفيات والتداعيات

وليد عبد الله

أفريقيا برس – ليبيا. لم يعد الانسداد السياسي الحالي الوجه الوحيد للأزمة الليبية، فمسألة التوزيع العادل لإيرادات النفط أصبحت إحدى أوجه الأزمات المتجددة، التي من المتوقع أن تتصاعد خلال الأيام القادمة بين حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، المتحكمة في الإيرادات النفطية، وأسامة حماد، المكلف بتسيير الحكومة المعينة من مجلس النواب في طبرق (شرق).

خليفة حفتر، قائد قوات الشرق الليبي، الذي يسيطر على أهم الحقول والموانئ النفطية، انضم إلى هذا النقاش، بعد مطالبته، في 3 يوليو/ تموز الجاري، بتشكيل “لجنة عليا” للإشراف على توزيع إيرادات النفط بين البلديات بشكل عادل.

وفي طرابلس، لم تصم السلطات آذانها عن هذه المطالب، حيث بحث رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة، ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، الأربعاء الماضي، تشكيل “لجنة مالية عليا” بمشاركة كل الأطراف، تشرف على التوزيع العادل للثروة وإيرادات النفط، وفق بيان رئاسي.

حجز إداري على الإيرادات

أصل القضية بدأ في 24 يونيو/ حزيران الماضي، عندما هددت حكومة حماد (غير معترف بها دوليا)، بدعم من مجلس النواب بطبرق بوقف تصدير النفط عبر اللجوء إلى القضاء، وذلك على خلفية صراع على تقاسم الإيرادات النفطية مع حكومة الدبيبة.

وأعلنت حكومة حماد، في بيان، أنها “استكملت إجراءات الحجز الإداري على إيرادات النفط لعام 2022 وما بعده، والتي تزيد عن 130 مليار دينار (نحو 27 مليار دولار)، استنادا إلى الإعلان الدستوري في مبدأ التوزيع العادل للثروة”.

والحجز الإداري إجراء تقوم به الجهات الحكومية دون اللجوء إلى القضاء، وينفذ ضد أي شخص أو جهة بشكل مباشر، وهو امتياز للسلطة العامة فقط.

وعلق وزير النفط بحكومة الوحدة محمد عون، على هذه التهديدات قائلا “إن الشعب الليبي سيكون المستهدف بقرار إغلاق النفط، وهو من سيتأثر به قبل شريحة المستوردين، الذين قد يجدون بديلا آخر”.

وأضاف عون، في تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، أن “تكرار التهديد بإيقاف النفط يعرض البلاد لاحتمال فقدان الزبائن المستوردين له إلى غير رجعة”.

ولفت إلى أن “إغلاق الموانئ والحقول ومن ثم فتحها من جديد يتطلب عمليات صيانة ذات تكلفة عالية، وذلك لمعالجة مشاكل فنية خاصة بالأنابيب، حيث ستتحمل خزانة الدولة هذه التكاليف الباهظة دون سواها”.

الولايات المتحدة وعلى لسان مبعوثها الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، دعت “إلى الابتعاد عن التهديد بإغلاق النفط، والذي من شأنه أن تكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد والشعب الليبيين”.

وحثت الفاعلين السياسيين الليبيين على “وضع آلية شاملة للتحكم في الإيرادات، كطريقة بنّاءة لمعالجة التظلمات حول توزيع عائدات النفط، ولإرساء الشفافية دون المخاطرة بسلامة الاقتصاد”.

وردا على تصريح المبعوث الأمريكي، قال حماد، في تغريدات على تويتر، إن التهديد بوقف تصدير النفط جاء من أجل “الحفاظ على أموال الدولة”، داعيا نورلاند، إلى عدم التدخل في الشأن الليبي أو الانحياز لطرف دون آخر.

ولقيت خطوة حكومة حماد بالحجز الإداري على إيرادات النفط دعما من 76 نائبا (من إجمالي نحو 170 نائبا)، الذين اعتبروا أن ما قامت به من “إجراءات قانونية” جاء “دفاعا عن قوت الليبيين، ولكبح جماح الفساد المتفشي في موارد الدولة”، على حد قولهم.

وانتقد النواب في بيانهم تصريحات المبعوث الأمريكي واعتبروها تدخلا في أحكام القضاء وفي الشأن الداخلي، وانحيازا إلى طرف دون آخر.

وشهد قطاع النفط في ليبيا خلال السنوات الماضية عدة إغلاقات للعديد من الحقول والموانئ، من قبل مجموعات مدنية وعسكرية تحت عناوين مختلفة، وعلى رأسها التقاسم العادل للإيرادات.

حقوق للمناطق المنتجة

من الناحية الفنية، يقول الخبير النفطي محمد الشحاتي، إن “توزيع الإيرادات النفطية عملية اقتصادية محاسبية دقيقة يكتنفها العديد من الحسابات الرشيدة، والتي لا تقوم بها إلا مؤسسات قانونية محايدة، وأهم ركن في عملية التوزيع يتمثل في وضع موازنة حكومية، يتم اعتمادها من سلطة تشريعية منتخبة”.

وتابع: “يجب أن تقوم السلطة التشريعية، بعد وضع الموازنة، بمحاسبة المنفذين في نهاية كل سنة بعد إغلاق الحسابات الختامية للدولة ومؤسساتها، ومراجعتها حياديا. من دون هذا الإجراء فإن أي منهجية أخرى للتوزيع تعتبر نوعا من الهراء”.

وأوضح الشحاتي أن “التوزيع العادل يحتاج إلى إعطاء الحقوق المشروعة للمناطق المنتجة، وهنا لا أتكلم عن مخصصات مالية منفصلة، بل على سياسات تشمل المسؤولية الاجتماعية”.

ولفت إلى أنه في ظل “عدم وجود خطة تنموية واضحة معروضة للعامة وموافق عليها من السلطات التشريعية فإن عمليات توظيف وتخصيص الأموال تفتقد إلى البوصلة، وتتسبب في وضع لا توازني فيما يخص توزيع العائدات النفطية، ما يزيد من السخط الشعبي”.

الخبير النفطي أشار إلى أن “التوقف عن إنتاج النفط له آثار مالية واقتصادية على الدولة تنعكس في فقدان الدخل من المبيعات النفطية، خصوصا في ظل عدم كفاءة السلطات المالية والنقدية لمواجهة مثل هذه الاختناقات، مثل تفاقم مشكلة السيولة النقدية، احتمال ارتفاع التضخم، أو انخفاض قيمة الدينار، في ظل إنفاق حكومي غير رشيد”.

وردا على سؤال عن البدائل الممكنة لتوزيع الإيرادات النفطية في حالة عدم اعتماد تشريعات، قال الشحاتي، “لا أظن أن هناك بدائل، لا بد من القول إن التشريعات الموجودة كافية على الأقل في مرحلة انتقالية لوضع ركائز توزيع مقبول في حال الالتزام بها من السلطات التنفيذية، لحين استكمال العملية السياسية، ولكن انقسام المؤسسات وعدم الرشد في الإنفاق الحكومي لن يقود سوى إلى مزيد من الهدر في التوزيع”.

هدف عكسي

من جانبه، قال المحلل السياسي فرج فركاش، إن “أحد الأسباب التي جعلت الحكومة المكلفة من البرلمان تهدد بإغلاق النفط أن مجلس النواب أصبح يدرك أن حجب الثقة عن حكومة الدبيبة جاء بهدف عكسي ولم تتحصل هذه الخطوة على أي اعتراف دولي يذكر، إلا من مصر، التي أيضا أصبحت تتراجع وتتقارب شيئا فشيئا مع حكومة الدبيبة”.

ورأى فركاش أن “الدبيبة أصبح يتصرف بعيدا عن أية رقابة تشريعية، وتمكن من سحب البساط من تحت أقدام النواب ومن يتحالف معهم، بتحالفه مع الصديق الكبير (محافظ المصرف المركزي)”.

وزاد أن “هناك سببا آخر يقف وراء التهديدات بإغلاق النفط، وهو محاولة إضعاف الدبيبة واستبداله، والضغط لإقالة الصديق الكبير، في صفقة مع جناح بالمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) المتماشي مع أهداف وتطلعات عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب)”.

واعتبر أن هذا الجناح “يقوده خالد المشري (رئيس مجلس الدولة) ويسعى لاستخدام بعض الرؤوس ومنها رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، وبعض المناصب السيادية الأخرى، من بينها محافظ مصرف ليبيا المركزي، كبش فداء لإتمام هذه الصفقة” على حد قوله.

وأشار إلى أن “هذه الخطوة لن تتم إلا بموافقة حفتر، الذي يبدو أنه اصطف إلى جانب نجله بلقاسم، الذي يلاصق عقيلة صالح، ويملي عليه ما يفعله”.

“صفقة لم تثمر”

وعن سبب هذا التحول، اعتبر فركاش، أنه جاء بعد عدم تبلور أي نتائج عن مفاوضات نجل حفتر الآخر صدام، مع ممثلين عن الدبيبة، في محاولة لإعادة تشكيل حكومة الوحدة، واستيعابها لبعض المعارضين، وخاصة ممثلين عن حفتر فيها.

ويرى أن “صفقة” تغيير رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، بين الدبيبة وحفتر “لم تثمر، ولم يستفد منها الأخير كما كان يرغب”.

وفي يوليو 2022، عين الدبيبة، ابن قدارة على رأس مؤسسة النفط، خلفا لمصطفى صنع الله، ما أدى إلى إنهاء إغلاق الحقول والموانئ النفطية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات حفتر.

فركاش، أشار في هذا الصدد إلى “تهديدات الطرف الموالي لحفتر، بإقالة ابن قدارة وممارسة ضغوط عليه من أجل أن يصطف إلى جانب مطالبهم، بما يسمونه التوزيع العادل للثروة أو لموارد النفط”.

وقال إن “موضوع التوزيع العادل للإيرادات النفطية لن يتم إلا من خلال دستور توافقي يرسم ملامح وشكل الدولة ويحدد العلاقة بين مؤسساتها التشريعية والتنفيذية ويحدد الحقوق والواجبات وكيفية توزيع الثروة وفق عدد السكان والمساحة، مع مراعاة مناطق إنتاج النفط، وتحديد نسب لها للتنمية المكانية ليستفيد منها مواطنوها”.

وأردف أن “ما يسعى إليه هؤلاء النواب ومن يحركهم من خلف الستار، تحت شعار حقوق الأقاليم، التي يستخدمونها عندما يضيق الخناق عليهم، هو في الواقع محاولة تقسيم الكعكة من موارد النفط، ليتمكنوا من الاستمرار في البقاء والتمدد”.

وشدد على أن “مواطني هذه الأقاليم لن يروا منها أية نتائج على الأرض سوى ذهاب هذه الموارد إلى جيوب المتنفذين، كما رأينا في السابق”.

وبخصوص موقف المجتمع الدولي من إغلاق النفط، قال فركاش إن “محاولة التلويح بإغلاق النفط في هذا التوقيت، ومع استمرار أزمة الطاقة بالعالم، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، فهذا ما لن يسمح المجتمع الدولي به، وخاصة الجانب الأوروبي والأمريكي”.

واعتبر أن مثل هذه الخطوة “ستكون بمثابة مسامير أخرى في نعش من يقوم بها أو من يدعمها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here