علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. يطالب حقوقيون ونشطاء ليبيون بتسوية الأوضاع القانونية لعشرات من أتباع الطرق الصوفية، المحتجزين منذ نحو عام في سجن الكويفية بمدينة بنغازي (شرق)، وسط شكاوى عائلاتهم من استمرار حبسهم دون محاكمة.
لكن وزير الداخلية في الحكومة المكلفة من البرلمان، عصام أبو زريبة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا السجن «يتبع الشرطة القضائية، ويخضع لإشراف النيابة العامة والمحاكم، ولا يُودع فيه أي شخص إلا بموجب قضية».
ونفى أبو زريبة «وجود أي موقوفين على خلفية الانتماء إلى الطرق الصوفية لدى أجهزة وزارته»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد لدينا أي حالات احتجاز تتعلق بالطرق الصوفية، كما ليست لديَّ معلومات عن وجود موقوفين من هذا النوع في سجن الكويفية».
وبحسب تقارير محلية، فإن الاتهامات التي وُجهت لأتباع الصوفية تتعلق بـ«السحر والشعوذة» بموجب قانون أقره البرلمان الليبي، العام الماضي، وسبق أن أثار جدلاً واسعاً حول استخدامه لتجريم الممارسات الدينية الصوفية في البلاد.
وفي هذا السياق، وجهت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان شكوى رسمية إلى النائب العام، طالبت فيها بتسوية الأوضاع القانونية للمحتجزين البالغ عددهم نحو 70 شخصاً، وفق بيان صادر عنها، عادة أنهم «يُحتجزون منذ عام في سجن الكويفية خارج إطار القانون، ودون أي مسوغ قانوني».
ونشرت المؤسسة الحقوقية، عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، صورة من كشف بأسماء هؤلاء المحتجزين ضمن شكوى قُيّدت لدى مكتب للنائب العام، الأحد الماضي، قائلة إنها «تلقت تظلمات من أسر المعتقلين، الذين ناشدوا السلطات التدخل العاجل لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ شهور طويلة».
وحذرت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» من أن استمرار احتجاز هؤلاء من دون عرضهم على القضاء «يمثل انتهاكاً لضمانات العدالة وحق التقاضي»، ودعت إلى «إحالتهم إلى النيابة العامة، أو الإفراج عنهم فوراً»، مشيرة إلى أن تلك الممارسات «تتناقض مع أحكام قانون الإجراءات الجنائية الليبي، وتُقوِّض مبدأ سيادة القانون».
وانضم عضو المجلس الأعلى للتصوف في ليبيا، الشيخ محمد البيوضي، إلى المطالبين بتسوية الأوضاع القانونية لهؤلاء المحتجزين، قائلاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الاعتقالات «تثير تساؤلات بشأن احترام حرية الفكر والمعتقد في ليبيا، في ضوء الملاحقات التي يتعرض لها أنصار الصوفية في عموم البلاد».
وطالب البيوضي بـ«إصلاح قانوني وتشريعي لقانون ممارسة السحر والشعوذة»، واصفاً إياه بأنه «أداة مشرعنة لملاحقة أنصار الصوفية»، بعدما استُخدم لتبرير توقيفات جماعية.
ويعاقب القانون، الذي أقره البرلمان الليبي مطلع 2024، بالسجن من 3 إلى 5 سنوات، وغرامة بين 10 و15 ألف دينار ضد كل من يدّعي ممارسة السحر أو الكهانة، أو يهدد بذلك، حتى إن لم يكن الأمر على سبيل الحقيقة. (الدولار يساوي 5.44 دينار في السوق الرسمية و7.20 دينار في الموازية).
وتشير شهادات حقوقية إلى أن هذه الاعتقالات ترافقت مع اتهامات بممارسة «السحر»، وهي التهم التي يقول ناشطون إنها «فضفاضة، وتُستخدم لتجريم المعتقدات الصوفية».
ويُعاقب القانون الليبي كل من ادعى القدرة على القيام بأعمال السحر أو الكهانة، أو هدد أحداً بذلك، وإن لم يكن على سبيل الحقيقة، بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف دينار، ولا تزيد على 15 ألف دينار.
وفي مارس الماضي، تم إطلاق سراح شيخ الطريقة القادرية، مفتاح البيجو (79 عاماً)، بعد احتجازه قسراً نحو 13 شهراً منذ اعتقاله في فبراير (شباط) 2024 من منزله بضواحي بنغازي، وظل مصيره مجهولاً حتى وفاته في أغسطس (آب) الماضي.
كما وثّقت منظمة «رصد الجرائم في ليبيا» وفاة مواطن تونسي داخل سجن الكويفية في أبريل (نيسان) الماضي، بعد اعتقاله في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بتهمة تتعلق بممارسة «السحر».
وسبق أن أدان المجلس الأعلى للتصوف في ليبيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي هذه الملاحقات، محذراً من استمرار اعتقال المشايخ والأتباع، وطالب بإحالتهم إلى النيابة العامة فوراً، مؤكداً أن هذه الممارسات «تتنافى مع القيم الدينية والإنسانية، وتمسّ جوهر التعدد الروحي في البلاد».
ولم تقتصر الملاحقات والتضييق على شرق ليبيا، في بلد يعاني انقساماً بين حكومتين، إحداهما في غرب البلاد، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى تسيطر على الشرق وأجزاء من الجنوب، مكلفة من البرلمان، ويترأسها أسامة حماد.
وتشير مصادر قريبة من المجلس الأعلى للتصوف لـ«الشرق الأوسط» إلى «استمرار حملات التضييق في غرب البلاد، خصوصاً من قبل مجموعات أمنية تابعة لوزارة الدفاع والداخلية، أبرزها ما يُعرف بـ(جهاز الردع)».
من جانبه، أبدى الناشط الحقوقي عياد عبد الجليل استغرابه من ملاحقات وعمليات التضييق على أنصار الصوفية، وأضاف إن «هذه المجموعات الدينية السلمية، لا تمتهن العمل السياسي، في مناخ محتقن تعيشه البلاد منذ أكثر منذ عام 2011».
ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها امتداد لسلسلة من التوترات، التي تواجهها الطرق الصوفية في ليبيا منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، حين بدأت موجة من الاعتداءات على الأضرحة والزوايا الصوفية في مدن عدة، بينها طرابلس وزليتن ومصراتة وبنغازي ودرنة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس