أفريقيا برس – ليبيا. أوضح الاقتصادي والخبير المصرفي فوزي ددش في حواره مع “أفريقيا برس”، أن ليبيا أصبحت تحت تأثير وتوجيهات مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين وأشار لوجود كفاءات محلية ذات خبرة يمكنها تقديم الحلول المناسبة دون الحاجة لتوجيهات خارجية، كما حذر من تطبيق قرارات قد تزيد من معاناة المواطن وتؤدي إلى نتائج عكسية.
وأضاف أنه في ظل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها ليبيا، يتفاقم العجز المالي وتزداد الضغوط على المواطن حيث يجد نفسه محملاً بمزيد من الأعباء في وقت يعاني فيه من غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي.
هل هناك ضغط من المصرف المركزي على الحكومات من أجل رفع الدعم ودعم الميزانية؟
بالتأكيد، هناك ضغط مستمر من خلال الاجتماعات المتتالية مع صندوق النقد الدولي، حيث يتم مناقشة الموازنة العامة، العجز المالي، وأوجه الصرف المختلفة. في هذه الاجتماعات، يتم تقديم مقترحات وحلول لمعالجة المشاكل المالية، ومنها رفع الدعم عن المحروقات كأداة لتخفيض العجز المالي.
مع ذلك، فإن المشكلة تكمن في أن المصرف المركزي والحكومة لم يبحثا في الأسباب الجذرية لهذا العجز. بدلاً من معالجة أسباب هذا العجز، يتم تحميله على المواطن الذي لا يتحمل المزيد من الأعباء. الدعم، الذي كان مخصصاً للمواطنين، استفادت منه فئات مثل المهربين والمحتكرين، وهو ما يعمق الأزمة. إذا كان الهدف هو معالجة الوضع المالي، فليس من المنطقي أن يتحمل المواطن البسيط فاتورة فساد وتهريب الدعم. هذا النهج لا يمكن قبوله ويجب إعادة النظر فيه.
هل تم دعم الميزانية العامة بقيمة الدعم السنوي للسلع الذي تم رفعه منذ 2013 أم تم تجاهله؟
للأسف، لم يتم الالتفات إلى هذا الموضوع بشكل جاد. استمر المواطن في شراء السلع الأساسية بأسعار مرتفعة، وهو غير قادر على تحمل هذه الزيادات في الأسعار، في وقت لم تتم فيه زيادة مرتباته أو تقديم أي تعويض له. لم يتم توفير حلول ملموسة لمعالجة هذا الوضع، وبالتالي تحمل المواطن أعباء إضافية نتيجة العجز في الموازنة العامة. هذه الأوضاع إذا استمرت قد تؤدي إلى غضب شعبي عارم، وقد نرى احتجاجات واسعة. الدول قد تنهار بسبب الفساد أكثر مما يمكن أن تتأثر من القنابل والإرهاب.
هل من الممكن رفع قيمة الضرائب العامة بدلاً من رفع قيمة الدعم عن المحروقات ويكون بديلاً ناجحاً لتغطية العجز؟
رفع الضرائب على المؤسسات العامة والخاصة قد يكون بديلاً أقل وطأة. بدلاً من التركيز على رفع أسعار السلع بشكل مستمر، كما حدث مع رفع الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات، يمكن زيادة الضرائب بشكل تدريجي على المؤسسات التي تحقق أرباحاً كبيرة. هذا التوجه سيخفف الضغط عن المواطن العادي. ومع ذلك، يجب أن يتم ذلك في إطار نظام ضريبي عادل وشفاف.
المواطن الليبي أصبح في حالة من اليأس والغضب بسبب الضغط المستمر عليه. إذا استمر هذا الوضع، فإننا قد نشهد احتجاجات واسعة وعصيان مدني في مختلف أنحاء البلاد، حيث يشعر المواطن بأنه لا يمكنه الاستمرار في تحمل المزيد من الأعباء. الوضع الحالي يعكس فشلاً في السياسات المتبعة من قبل الحكومة، والتي تركز على مصالحها الشخصية وتغض النظر عن معاناة الشعب.
هل الاقتصاد الليبي بالفعل بحاجة ماسة لرفع الدعم عن المحروقات أم يحتاج لتصحيح المنظومة الاقتصادية بشكل كامل وسليم؟
في الحقيقة، نحن بحاجة ماسة إلى إصلاح اقتصادي شامل. لطالما نادينا بتطبيق الإصلاحات الهيكلية في المؤسسات المالية والاقتصادية، لكن لم تُتخذ خطوات جادة في هذا الاتجاه. قبل التفكير في رفع الدعم عن السلع الأساسية، يجب أولاً معالجة الأزمات المالية من جذورها، سواء على المستوى المالي أو النقدي.
إن رفع الدعم عن المحروقات أو السلع الغذائية يجب أن يكون جزءًا من خطة شاملة تستند إلى إصلاحات اقتصادية ومالية حقيقية، لا أن يكون مجرد إجراء عشوائي يفتقر إلى الدراسات المتعمقة. إذا تم اتخاذ هذه القرارات بناء على إملاءات خارجية دون مراعاة الظروف المحلية، فإنها ستؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل. نحتاج إلى بناء منظومة اقتصادية سليمة تستند إلى أسس محلية ومتخصصة، بعيدًا عن سياسات تستهدف المواطن وتزيد من معاناته. الحلول لا تكمن في فرض المزيد من الأعباء على المواطن، بل في إصلاح النظام المالي والاقتصادي بشكل كامل.
هل التوصيات الاقتصادية التي تأتي من البنك الدولي هي التي دفعت الحكومة الليبية لتطبيق هذا القرار؟
نعم، ليبيا أصبحت تحت تأثير واضح لتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن السؤال الأهم هو: هل ليبيا بحاجة فعلًا إلى توجيه البنك الدولي لإصلاح اقتصادها؟ لدينا كفاءات محلية ذات خبرة يمكنها تقديم الحلول المناسبة دون الحاجة لتوجيهات خارجية. للأسف، هذه الكفاءات تم تهميشها، مما أدى إلى تزايد الاعتماد على المؤسسات الدولية.
وإذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن السياسات التي قد تفرضها هذه المؤسسات قد لا تكون بالضرورة ملائمة للسياق المحلي، وقد تضر بالاقتصاد أكثر مما تفيده.
في رأيك هل هناك حاجة ملحة لرفع الدعم عن المحروقات في الوقت الحالي؟
من حيث المبدأ، يمكن رفع الدعم عن المحروقات لكن في إطار منظومة اقتصادية قوية ومستقرة. وفي حال تطبيق هذا القرار في الوقت الحالي، سيؤدي إلى تفاقم معاناة المواطن، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها البلاد. قد يكون من الأفضل معالجة الأسباب الجذرية للعجز المالي وتوجيه هذه الإجراءات إلى محاربة الفساد والتهريب قبل أن يتم تحميل المواطن أعباء إضافية. أي قرار اقتصادي يجب أن يكون مبنيًا على دراسة علمية معمقة، ويجب أن يتم من خلال مشاورات محلية تأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس