عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في خطوة مهمة على طريق المصالحة الوطنية، شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، توقيع ميثاق للمصالحة بين بعض الأطراف الليبية تحت رعاية الاتحاد الأفريقي. إلا أن هذه الخطوة، التي كان من المفترض أن تمثل انفراجًا في الأزمة الليبية، أثارت العديد من التساؤلات والانتقادات من مختلف الأطراف السياسية، ما جعل هذه المبادرة محط جدل واسع.
توقيع الميثاق خطوة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي
في إطار جهود الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في ليبيا، وقع وفد ليبي يمثل بعض الأطراف السياسية الميثاق في أديس أبابا، بحضور رئيس جمهورية الكونغو، دينيس ساسو نغيسو، رئيس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي.
من بين الموقعين كان بعض الممثلين الذين يمثلون النظام السابق في ليبيا، بما في ذلك شخصيات مرتبطة بسيف الإسلام القذافي. وقد تم الإعلان عن التوقيع عبر بيان من مجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقي الذي وصفه بأنه “خطوة رئيسية” نحو تعزيز السلام والمصالحة في ليبيا.
ومع ذلك، لم يوضح البيان أي تفاصيل حول الأطراف التي شاركت في التوقيع، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول من هم الأطراف الفاعلة التي غابت عن التوقيع. ومن بين الحاضرين كان هناك بعض الشخصيات الممثلة لنظام القذافي، مثل موسى إبراهيم، القيادي السابق في النظام، والذي أعلن عن التوقيع على الميثاق عبر حسابه الشخصي على فيسبوك.
الغياب المثير، المنفي يحضر لكن لا يوقع
في سياق التوقيع على الميثاق، كان من اللافت أن محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، قد وصل إلى أديس أبابا للمشاركة في أعمال الدورة العادية الـ38 لمؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي. ورغم حضوره، لم يوقع المنفي على ميثاق المصالحة، مما أثار العديد من التساؤلات حول موقفه من هذه الخطوة. وكان قد تم استقبال المنفي رسميًا في أديس أبابا، لكن غيابه عن التوقيع يثير تساؤلات حول موقف المجلس الرئاسي وحقيقة دعمه لهذه المبادرة.
هذا الغياب عن التوقيع تم تفسيره من قبل بعض السياسيين والمراقبين على أنه علامة على عدم توافق المجلس الرئاسي مع فحوى الميثاق أو عدم اقتناعه بآلياته، في حين اعتبره البعض الآخر مؤشرًا على تمسكه بموقفه في ظل غياب آليات حقيقية للعدالة الانتقالية وضمانات لتحقيق المصالحة الشاملة.
الانتقادات والغياب المؤثر
غاب عن التوقيع عدد من الأطراف الليبية الرئيسية، أبرزها القيادة العامة المتمركزة في بنغازي والحكومة المكلفة من البرلمان. هذا الغياب دفع موسى الكوني، نائب المجلس الرئاسي، إلى توجيه انتقادات شديدة للقيادات السياسية التي تقاعست عن حضور التوقيع. وقال الكوني عبر حسابه على الفيس بوك “أُحمل تقاعس القيادات السياسية، شرقًا وغربًا، عن الحضور اليوم لتوقيع ميثاق المصالحة الوطنية في أديس أبابا مسؤولية تأخر ليبيا عن موعدها مع الصلح ولمّ الشمل، وكأن ذلك القصد”. وأضاف الكوني أن ليبيا كانت في حاجة ماسة لفرصة تاريخية للاتفاق والتصالح، وأن هذا الميثاق كان من المفترض أن يكون احتفالًا تاريخيًا بالسلام.
ردود الفعل المتباينة؛ رافضون ومؤيدون
أثار توقيع الميثاق العديد من التساؤلات في الأوساط الليبية حول محتوى الميثاق وآلية تنفيذه. الصحافي الليبي بشير زعبية، رئيس تحرير موقع “الوسط” نقلا عن الصحيفة، أشار إلى أن التوقيع على الميثاق لا يتضمن معلومات كافية حول كيفية تحقيق المصالحة الفعلية على الأرض. وعبّر عن مخاوفه قائلاً: “كلنا نأمل في مصالحة وطنية واقعية قابلة للتطبيق والصمود، لكن التوقيع أطلق مجموعة من التساؤلات المتعلقة بفحوى مشاريع هذه المصالحات، وبين من؟ ومن ستكون؟ وكيف سيجري تحقيقها على الأرض؟ ومن سيديرها ويشرف على تنفيذها؟ وما هي الضمانات التي ستقدم إلى المتصالحين؟”.
من جانبه، أبدى محمد تكالة، المتنازع على رئاسة مجلس الدولة مع خالد المشري، تحفظه الشديد على مضمون الميثاق، منتقدًا صياغته التي اعتبر أنها تخلط بين المصالحة الوطنية والتسوية السياسية، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث التباس عند تنفيذ الميثاق. كما انتقد تكالة عدم تطرق الوثيقة إلى آليات العدالة الانتقالية مثل المساءلة وجبر الضرر وكشف الحقيقة، مطالبًا بالعودة إلى قانون المصالحة رقم 29 لسنة 2013. حسب موقع “روسيا اليوم”.
دعم للمصالحة وجهات نظر إيجابية
على الجانب الآخر، جاءت بعض الردود المؤيدة لهذه الخطوة. موسى إبراهيم، القيادي السابق بنظام القذافي، اعتبر أن توقيع الميثاق يمثل خطوة هامة نحو بناء الثقة بين التيارات السياسية الليبية، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل بداية لتشكيل تمركز سياسي جديد لصالح التيارات المؤمنة بالمصالحة.
وأضاف: “يحقق تمركزًا جديدًا في المشهد السياسي الليبي لصالح التيارات المؤمنة بطريق المصالحة، ويفتح الطريق نحو انضمام من تخلف عن الحضور، ويفوت الفرصة على من يزعم أن الفرقاء الليبيين لا يمكنهم أن يتفقوا.
فيما اعتبر السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند في تغريدة له على منصة أكس نشرتها له السفارة، أن المصالحة الوطنية هي مفتاح نجاح العملية السياسية في ليبيا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تدرك التحديات المستمرة في ليبيا ولكنها تشيد بالجهود التي يبذلها الليبيون لتحقيق المصالحة. وأضاف نورلاند: “ندرك التحديات التي لا تزال قائمة، لكننا نشيد بجميع الليبيين الذين يعملون على تحقيق المصالحة المحلية والوطنية من أجل بلدهم”.
الرفض الشعبي، أصوات ضد العودة للنظام السابق
في المقابل، لا يزال هناك رفض شعبي كبير من أنصار ثورة فبراير 2011 لهذه المبادرة، وخصوصًا من الذين يعتبرون أن العودة للنظام السابق أو أي تمكين لرموزه يعد تجاوزًا لما تم تحقيقه في الثورة. محمود إسماعيل الرملي الباحث والمختص بالشؤون السياسية والإستراتيجية في تصريح خاص لأفريقيا برس،وهو أحد الشخصيات الرافضة لهذه المبادرة في أديس أبابا، اعتبر أن ميثاق المصالحة ليس إلا “محاولة لتسويق الأوهام” و”إعادة تأهيل نظام القذافي”، موجهًا نقدًا لاذعًا لما وصفه بمحاولات “عودة سيف القذافي”. وأضاف الرملي: “إن القذافي انتهى إلى الأبد وأن ابن القذافي سيف مطلوب للعدالة ولن يحكم ليبيا أبدًا”. وأكد أن ثورة فبراير تظل حية وقوية، وأن كل محاولات إعادة تشكيل النظام القديم ستفشل.
في الختام، بناءً على هذه التطورات، يظل ميثاق أديس أبابا يمثل نقطة مفصلية في الأزمة الليبية. وبينما يرى البعض في هذه الخطوة فرصة لإعادة توحيد البلاد وطي صفحة الماضي، فإن غياب العديد من الأطراف السياسية وعدم التوقيع من قبل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي يظل يفتح الباب أمام مزيد من الأسئلة حول موقف المجلس وحقيقة دعمه لهذه المبادرة. كما أن غياب آليات حقيقية للعدالة الانتقالية يضع المزيد من الشكوك حول قدرة هذا الميثاق على تحقيق مصالحة شاملة. وفي ظل هذه الأجواء المتوترة، تبقى المصالحة الوطنية في ليبيا قضية معقدة تحتاج إلى مزيد من الجهد والتفاهم بين جميع الأطراف الفاعلة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس