حواء القمودي: اليوم الرتيب والممل يلهمني كتابة قصيدة

13
حواء القمودي: اليوم الرتيب والممل يلهمني كتابة قصيدة
حواء القمودي: اليوم الرتيب والممل يلهمني كتابة قصيدة

أفريقيا برس – ليبيا. حواء القمودي شاعرة وكاتبة ليبية. في مارس/آذار 1983، نشرت أولى قصائدها في الصحافة باسم مستعار هو دلال المغربي.

عاشت حواء القمودي أعواما من التخفي وراء أسماء مستعارة بدأت بأريحا صامد، مرورا باسم بنت سوق الجمعة إلى أن نشرت أول نص شعري باسمها الحقيقي عام 2000.

تتعدد رؤى الشاعرة، تكتب حتى تجد أجوبة كافية لأسئلة الشعر، أسئلتها مفتوحة على التأويل وعلى الحياة، وظفت الحرب في نصها الشعري وكأنها تقاوم القبح بالكتابة.

في كل قصيدة لها هناك روح مختلفة، لا تقفز على الواقع، ولكنها تقترب منه باعتبارها جزءا من الحياة بكل مجرياتها، وصدر لها “هكذا صرخت”، “بحر لا يغادر زرقته”، “وردة تنشب شوكها”، فإلى الحوار:

مرت تجربتك الشعرية بعدة مراحل، من البدايات مرورا بكتبك الشعرية “هكذا صرخت”، و”بحر لا يغادر زرقته”، و”وردة تنشب شوكها” ما الذي تغير؟ وما الذي أحببته في هذه التجربة؟

الشعر، الشعر، أظنه هتافا سيظل يتسامق داخلي، حكاية لا أعرف كيف بدأت، تراني قادرة على قراءة ملامح تجربتي، منذ أول نص نُشر وصار مقروءا يواجه المتلقين، كان مقتطعا من قصيدة طويلة، قصيدة ركضت حواء ذات الـ20 عاما، تلك الطالبة في السنة الرابعة من معهد المعلمات (قسم علوم ورياضيات).

تلك البنت جلست ذات عشية، وكتبت في كراسة مدرسية نصا ركضت في أرضه الشاسعة، كتبته في 20 صفحة وربما أكثر ووضعته في مظروف وأعطته لصديقتها المعلمة لتضعه في بريد سوق الجمعة (ولم تحفظ بنسخة منه، نص طويل، تابعت رحلة طفولتها ومدرستها وصديقها الذي كانت تضع حقيبتها على دراجته حين عبوره آتيا من مدرسته وهي ترافق زميلات الصف ثم صار (ضابطا يلبس الكاكي ويضرب أخته)، تلك القصيدة النثرية الطويلة، اقتطع منها جزء صغير جدا ونشر في مارس/آذار 1983 باسمي المستعار (دلال المغربي).

أظنها كانت بداية التورط أن ُينشر ويُقرأ لك يا حواء نص حتى وإن كان باسم مستعار، اسم تلبّسني ولم أشعر لحظة بالغربة معه، دلال المغربي الفلسطينية الشهيدة على أرضها المغتصبة، ستظل أيقونتي والسماء التي ظللتني لأكتب قصيدتي الجريئة، وأتغطى بجسارتها وأنام.

إذا ها أنا بعد تجربة امتدت عقودا، وبعد تساؤلات عن تأخر صدور حتى ديوان واحد، يحكي عن هذه التجربة، أقدم ديوانين متتاليين “بحر لا يغادر زرقته” (2018)، ثم “وردة تنشب شوكها” (2019)، وحظيا بالمشاركة في اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

أعترف أني مارست المكر في اختيار القصائد في كليهما، ستجدين في كل ديوان قصائد بدون تأريخ، وربما هذا يخلق فوضى ما، ولكن آثرت أن أنشئ ديوانا يتكلم عن هذه التجربة، وأن قصائده تتهيأ للمثول أمام قراء وقارئات، فإنها تخوض معركتها وحيدة، وكمنتجة لهذي القصائد، أشبه الأم التي قامت بما توجب عليها، وعلى هذي الذرية -إن صحت التسمية- وهي تخرج لتخوض بحر الدنيا، وتتواجه مع تجربتها، إن تثبت أنها جديرة بالحياة. وربما في هذا إرباك وارتباك للقراء.

ولكن قمت بتجربة أحببتها، أن قدمت ديوانا لأصدقاء وصديقات لا يعرفونني شخصيا، وأظن أنهم لم يقرؤوا لي قبلا، ومعرفتي بهم كانت عبر الفضاء الأزرق، ولكن قرأت لهم ما يشي بثقافتهم. اهتمامهم وفعلا لم ألتقهم حتى اللحظة، وأعترف أني تفاجأت بأن لعبتي في كل ديوان حين تركت القصائد بلا تاريخ، قد أثمرت بقراءات مختلفة ومهمة، وسأضع هنا رأيا لسيد كريم لا أستطيع الاستئذان منه لأنه غادر عالمنا لذا لا أستطيع ذكر اسمه وكنت أهديته ديواني (وردةٌ تنشب شوكها) وضعت هديتي في مكتبة عمي رجب الوحيشي رحمه الله.

(أقصائدُ هي؟.. لا

أبياتُ شعرٍ إذن.؟.. لا

نثرٌ من تبرٍ منضدٍ في حروف وكلمات تكادُ من ولهٍ تفقد ارتباطها.. لولا خيط رفيع من حس أنثوي مرهف جَموح يلظم فيها معاني وآهات وزفرات تكاد تنطق بلا لسان. نصوص تجاوزت حدود التصنيف الضيقة، فكُّ الحرف لا يكفي لقراءتها، تلتهمها حشاشة الوجدان قبل أن تلاحظها عين القارئ، الديوان أكثر من رائع.

إذ يشي بموهبة فذة والقصائد معالم متفردة كل بذاتها في وحدة الشكل والمضمون، بقي الإشارة إلى ملمح غاية في الأهمية وهو اتسام أغلب النصوص بحسٍ موسيقي خفي، لا يمكن قياسه بقافية أو وزن بل بالإحساس المجرد باللغة في أعمق تجل لها).

وأظن يا عزيزتي أن هؤلاء القراء والقارئات هم وهنّ من يجعلوننا نستمر ونكتب، قد لا نلتقي معا، لكننا نحتاجهم، لنشعر بالزهو. فقد عبّر الأكاديمي والشاعر والمترجم السوري المقيم في كندا: (نوفل نيّوف) عن رأيه في قصيدتي التي نشرتها مؤخرا في أحد المواقع، وأرسلتها له عبر الماسنجر، قصيدة كتبتها ولم أهتم بها، حتى أني نسيتها ولم تدرج في أي ديوان، رغم أني كتبتها ونشرتها عبر الفيس قبل صدور ديواني الأول (بحرٌ لا يغادر زرقته)، قصيدة خطر لي مؤخرا أن أجعل لها تسمية:

الخوف مما؟

لأني بعد هذه القصيدة المنسية، كتبت قصائد كثيرة، ونشرت ديواني الثالث (هكذا صرخت) وقصائده كتبت في زمن محدد ولذا كان عنوان كل قصيدة هو تاريخ كتابتها، وما زالت أتوكأ اللغة وأنسج قصيدتي بل دخلت تجربة جديدة، أستغل فيها ما تغني البنت الليبية وتهزج به في أعراسنا، وأرقِّش قصيدتي.

تغني عاشقة

فوق المكتب

يا ريتني عصفور فوق المكتب

ونشبح الغالي كيف يقرأ ويكتب

سأعبر هذي المسافات والليل لأراك أنظر أصابعك تنقر الحروف أتأملك وأتنهد.

يا ريتني عصفور.

لأن طرابلس بنت البحر/ عصية هي/ كما لو كان الماء/ ما خلق إلا ليغسل قدميها..

هي ضاحكة من كل الذي كان/ اتكأت جذع نخلة وبكت/ خبأت (سوق الجمعة) في القلب/ توسد البحر ركبتها ونام.

ما حكايتك مع مدينتك طرابلس، ومنطقتك سوق الجمعة؟

سؤال يستدعي تساؤلا عن معنى (المكان)، هل هو مجرد هذه الجغرافيا في متنها تاريخ يحدد تفاصيل كل زمن مرّت به وعبرت إليه.؟ أم هي فيض المشاعر الذي ينبجس داخلنا بمجرد أن يختلط الهواء الذي نتنفسه برائحة تستدعي مكانا محددا عششّ في ثنايا الروح واستوطن القلب؟

علاقتي مع طرابلس تستدعي الكثير من الأسئلة، والتي بدأتها بقصيدة غاضبة سميتها (دمعة).

طرابلس لن أحبّك/ سأمزق صدرك بأظافري/ وأبصق على وجهك الصفيق البرد يأكلني/ وأنتِ تسفحين شمسك للغرباء /

أظنني لست غاضبة منها،

أنا فقط غاضبة لأجلها.

وأما (سوق الجمعة) فهو المكان الذي عبأني بالمشاعر الضاجة بالروائح والألوان،

وقد اقتنص المبدع الناقد: منصور بوشناف هذه الركيزة في قصائدي حين كتب في مقالة له عن تجربتي الشعرية “فلاحة تصل من سواني سوق الجمعة كل صباح إلى وسط العاصمة، محملة بالياسمين والخوخ والمشمش والرمان، تصل كما ظل أسلافها يصلون كل صباح طوال قرون من الزراعة والاستقرار، تصل وترش على وسط العاصمة فل وياسمين سواني سوق الجمعة.

تصل الشاعرة كل صباح مثقلة بحقيبتها المكتظة بالأوراق والأحلام والقصائد، كما كانت عربات أسلافها تئن بالفواكه والخضار، تئن حقيبتها وكتفها الصغير حاملة زوادة وسط العاصمة من روائح وفاكهة الريف التي خبأها رأسها الصغير وذاكرتها الشاسعة من زمن السواني والنجوم والقمر ومواسم الحصاد قبل حفلات إعدام الأشجار، قبل غابة الإسمنت”.

الأزمات المختلفة التي تمر على بلادنا اليوم. كيف كان تأثيرها على نصك الشعري؟

تسألينني عن (بلادنا، أمنّا ليبيا) نظرة متقصدة لقصائدي قبل 2011 ثم نظرة تالية لقصائدي بعد 2011، سيجد هذه البلاد حاضرة. أنشدتُ على خشبة مسرح مدينة درنة عام 2009، قصيدتي (إشارة)

هذه ليست وطنا!

هذه ليست بلادا

هذه ليست أمي!

فلماذا أحبُّها؟

كتبت عن التلميذ الذي كان يجب أن يكون على مقعده في المدرسة. لكنه في (شارع الرشيد) رثّ الثياب في قدميه شبشب ممزق يجرّ (عربة اليد) لينقل بضائع المشترين، وبعد فبراير/شباط 2011، صارت قصيدتي حاضرة بأحداث مختلفة وقضايا جديدة، كتبت قصائد تشابكتْ معها (الحلم يبكي) و (رومانسية بائسة). وظهرت كلمة (الحرب) بتنوعاتها..

(يقولون: إن الحرب شرسة/ وإن فيوض الحبّ/ لم تعد قادرة حتى على لمس وردة/ براميل متفجرة وصواريخ/ شظية ستخترق قلبي/ هذا القلب الذي انتظرك).

قصيدتك متعددة الإيقاعات، تمتلك القدرة على الإفلات من مفردات اللغة العادية، طويلة وقصيرة، غاضبة، ووديعة. ما الذي يلهمك في يوم رتيب وممل لكتابة قصيدة؟

أحببت جدا هذا الوصف، القراءة لقصيدتي. هذه الرحلة، التجربة في سفينة الكلمات تظل تميمة نجاة، كي أواصل الأمل، التنفس البكاء، الصراخ والحب.

وأظن أن هذا اليوم الرتيب والممل، هو أكثر ما يلهمني لكتابة قصيدة، كيف سأقاوم الرتابة والتكرار، إلّا باختلاق يوم آخر، أترك مخيلتي تجوب أمكنتي المخبأة في الروح، لتفوح روائح العشيات حين هذه البنت (حوا) مع صويحباتها تأخذهن روائح الزهر والحنة والفل، يغالبن النعاس كي يظللن متيقظات، ثمة شجرة توت باسقة، ثمرها الشهي ينادي، لذا لن يغلبهن النعاس، وسَأراهُنْ، كل واحدة احتضنت غصنا قويا ويدها الصغيرة تلتقط تلك الحبّات الشهية.

كيف تنظرين إلى قصيدة النثر الليبية التي تكتب اليوم؟

قصيدة النثر تحديدا، فهي تماما حيث تكون، شعراء وشاعرات يفاجئنني بتجارب تقول ذواتهم، منحتهم الفضاءات الجديدة مساحات للركض.

ما طقوسك في الكتابة؟

أظنني صرت شاعرة تكتب قصيدتها منشورا على صفحتها في الفيس بوك، وكم أتفاجأ بقصائد نسيتها تظهر في ذاكرة (الفيس)، وأحيانا (براثن النت) تأكل قصيدة أحببتها فأبكي.

المصدر: الجزيرة نت

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here