أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. كانت زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الأخيرة إلى الشرق الموريتاني بادرة حملت معها آمال السكان في ظل ظروف حياتية ومعيشية صعبة تعاني منها مناطق الداخل عموماً، ومناطق الشرق خصوصاً. وتمثل المنطقة الشرقية قاطرة الاقتصاد الريفي التقليدي الذي لا يخضع للتصنيف، على خلاف الصناعات الاستخراجية والصيد البحري المنظم والموجه إلى الخارج.
وفقاً لدراسة أعدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تمتلك موريتانيا ثروة حيوانية ضخمة مقارنة بعدد السكان، تُقدّر بـعشرين مليار متر مربع من المراعي، أي ما يعادل 20% من المساحة الكلية للبلاد. إلا أن هذه الثروة تعرضت خلال سنوات الجفاف الأخيرة لضغط كبير واضطراب في معدلات النمو، كما ظل مستوى الاستفادة منها وتمدينها ضعيفاً، مما قلل من تأثيرها على التنمية المحلية.
زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تأتي في إطار احتفالات الذكرى الرابعة والستين لعيد الاستقلال الوطني. ووفقاً لما أُعلن، فإن الزيارة، التي تبدأ من ولاية الحوض الغربي، تشمل تدشين عدد من المشاريع التنموية، من بينها إعادة هيكلة المقطع الطرقي الرابط بين مدينة لعيون، عاصمة ولاية الحوض الغربي، وبلدة اعوينات ازبل، بمسافة تقدّر بتسعين كيلومتراً.
كما تتضمن المشاريع انتقال الكهرباء لخمس وعشرين قرية ريفية في نفس المنطقة، بتمويل قدره 140 مليون أوقية جديدة ( حوالي 4 مليون دولار)، بالإضافة إلى وضع حجر الأساس لبناء شبكة اتصال إلكتروني تمتد من مركز هامد بولاية لعصابة المجاورة للحوض الغربي، لتشمل عدداً من المدن في الولايات الثلاث (لعصابة، الحوض الغربي، الحوض الشرقي). وتصل هذه الشبكة من مركز هامد الإداري إلى ولد ينجه، ومنه إلى فصالة فانبيكت لحواش على الحدود مع مالي.
يشير بعض النشطاء المحليين إلى أن التحديات التي تواجه التنمية في الشرق الموريتاني تتجاوز نطاق هذه المشاريع رغم أهميتها. وفي تصريح لـ”أفريقيا برس”، قال المستشار البلدي عبد الله باهي من ولاية النعمة إن التحديات الأساسية تتعلق بمقومات الحياة اليومية، مثل الصحة والتعليم، والظروف المعيشية الصعبة، إضافة إلى العزلة التي تفصل المدن والقرى عن عواصم الولايات، مما يحدّ من تأثير المشاريع الحكومية في المنطقة.
وأضاف ولد باهي: “المياه تُعدّ مطلباً مهماً، خاصة في مناطق مثل عدل بكرو وآمرج وعدد من القرى. لذا، لا بد من تزويد هذه الأماكن بالمياه، فالقضاء على العطش يُعتبر من أولى أولويات المنطقة”.
وقال ولد باهي إن تباطؤ العمل في عدد من الطرق التي بدأ تنفيذها منذ فترة، وتأخر بعضها مثل طريق عدل بكرو – آمرج وطريق إشميم – ابنيكت لحواش، أدى إلى شلل الحياة في المناطق المذكورة، نظراً لارتباطها اليومي بالعواصم الكبرى للولايات.
وأشار إلى أن مدينة “ولاتة” التاريخية، التي تبعد حوالي 100 كيلومتر عن مدينة النعمة، وتمر طريقها عبر عدد من القرى، تحتاج إلى طرق معبدة بشكل ملح أكثر من أي وقت مضى، نظراً لوجودها في منطقة صحراوية صعبة. وأضاف أن الحديث عن فك العزلة عن هذه المدينة التاريخية دار سابقاً، ولكن لم يتحقق شيء من ذلك للأسف الشديد.
وختم ولد باهي قائلاً: “ربط هذه المدن فيما بينها يُعدّ رافداً أساسياً للتنمية في البلاد”.
أما المؤسسات التعليمية، فيرى ولد باهي أنها تعاني نقصاً حاداً في الأطقم التعليمية، وفي بعض القرى والمناطق النائية لا توجد مدارس على الإطلاق.
وأشار إلى أن بعض السكان لجأوا، عبر جهود ذاتية، إلى توفير ما عجزت الدولة عن توفيره للتغلب على غياب التعليم بشقيه التقليدي.
وفيما يتعلق بالنقاط الصحية، أوضح ولد باهي أن “هذه النقاط تغطي مناطق محددة فقط من المدينة، وتعاني المراكز الصحية فيها من نقص الكوادر الطبية والأدوية”. وأعطى مثالاً عن المستشفى المركزي لمدينة النعمة، الذي يُعدّ وجهة رئيسية للمواطنين، وقال إنه “لا يحتوي على أخصائي في المسالك البولية أو أخصائي في السكري، وهو أمر لا يختلف اثنان على أهميته وإلحاحه”.
أشار ولد باهي في تصريح لـ”أفريقيا برس” إلى أن الحرائق أثرت سلباً على المناطق الرعوية في المنطقة، حيث تضاءلت مساحتها بشكل كبير مع اندلاع الحرب الأخيرة في مالي، مما دفع الرعاة الموريتانيين إلى الامتناع عن التوسع داخل المناطق الحدودية بين البلدين.
وأوضح أن ولاية الحوض الشرقي تشترك بحدود جغرافية محدودة مع مالي، ورغم امتداد هذه الحدود في المناطق الرعوية، فإنها تعاني من انعدام نقاط المياه اللازمة لشرب الرعاة وسقي مواشيهم.
واعتبر ولد الداهي أن تفعيل البلديات وتوسيع صلاحياتها، وتمكينها من ميزانية مريحة يُعدّ رافداً مهماً من روافد التنمية في الداخل. وأوضح أن البلديات في الوقت الحالي لا تلعب دوراً حقيقياً في التنمية المحلية، بسبب محدودية الصلاحيات الممنوحة لها وضآلة الغلاف المالي الذي تتحرك فيه.
وأشار أيضاً إلى أن الزراعة المحلية في الولاية تم تمويل مشاريعها من قِبل منظمات دولية بهدف استفادة السكان منها وخلق حياة اقتصادية تُسهم في الاكتفاء الذاتي. لكنه أكد أن هذه المشاريع خضعت لخيارات بعض النافذين وشابتها الزبونية، مما أفقدها قيمتها وعرقل تنفيذها، دون أن تحقق الغايات المرجوة منها.
من جانبه قال الناشط السياسي أيده ولد الحضرامي من ولاية الحوض الغربي إن ولايات الشرق، وخاصة الحوض الغربي، تتمتع بخصوصية كونها مناطق رعوية ذات مساحة واسعة وغنية بإمكانات التنمية إذا وُجدت إرادة حقيقية. وأوضح أن هذه المناطق تعاني من تحديات كبرى، أبرزها قلة دعم الدولة وعدم خبرة الأهالي بطرق الاستفادة من خيرات الأرض وعوائد الثروة الحيوانية، مثل إنشاء شركات للألبان والجلود، خاصة في ظل الهجرة الكبيرة إلى العاصمة نواكشوط.
وأضاف ولد الحضرامي: “لم توجه الدولة رجال الأعمال للاستثمار في هذا المجال، ولم تعمل القوى الحية والمثقفة في المدينة ولا منظمات المجتمع المدني على توعية المواطنين ورجال الأعمال المحليين، الذين يمتلكون أعداداً كبيرة من المواشي، بضرورة استثمارها”. وأشار إلى أن “السياسات الحكومية، رغم وعودها بالتنمية، لم تحقق شيئاً ملموساً حتى الآن”.
وأكد أن تثبيت السكان في المدن الداخلية وإعمارها وتنشيط الحياة فيها يتطلب وجود بدائل عن العاصمة، من خلال تقريب الخدمات، ودعم المشاريع التنموية، وفك العزلة بين المدن، وتوفير أساسيات الحياة اليومية.
وتحدث ولد الحضرامي عن تدني الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، مشيراً إلى أن خدمات الماء والكهرباء لا تتجاوز نسبة 30% من التغطية. كما أشار إلى تفاقم الهجرة من الأرياف إلى المدن الكبرى، التي تمثل مشكلة جوهرية وعائقاً كبيراً أمام التنمية.
وقال ولد الحضرامي: “بعض المنتخبين والموظفين، للأسف، لا يتحملون مسؤولياتهم في نقل الواقع إلى السلطات المعنية أو التبليغ عن سوء الخدمات أو انعدامها في بعض الأحيان”.
وذكر أن مشكلة تخطيط المدينة، التي تشهد توسعاً ملحوظاً وازدياداً في عدد السكان، تظل عقبة حقيقية أمام جهود التحديث والتمدين. وأوضح أن السلطات عمدت في الفترة الأخيرة إلى إعادة تخطيط المدينة، إلا أن الجهود لم تحقق المستوى المطلوب.
واتفق المتحدثون على أن تدني الخدمات العمومية، وانعدام الرؤية التنموية الواضحة، وغياب الوعي، والعزلة، وتهديد الهجرة الحدودية كلها عوامل أسهمت في عرقلة مشاريع التنمية في الشرق الموريتاني، رغم امتلاك المنطقة مؤهلات اقتصادية متنوعة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس