أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. قال القيادي في “حركة الحر” ولد بيي في تصريح لـ”أفريقيا برس”، إن مطالب الحركة تطورت مع الوقت، وأن مشروعها نضج مع وجود أولويات جديدة. وأضاف ولد بيي أن “حركة الحر” منذ تأسيسها إلى اليوم، تطالب بالعدالة الاجتماعية، وبإشراك حقيقي لمكون الحراطين، والاعتراف به كمكون وطني على غرار المكونات الاجتماعية الأخرى.
ولد بيي هو قيادي بارز في حركة الحر، وهي حركة حقوقية موريتانية تأسست بهدف الدفاع عن حقوق فئة “الحراطين” في موريتانيا، وهي الفئة التي عانت تاريخياً من التمييز العرقي والاجتماعي، ويمثلون فئة المستعبدين سابقًا. “الحراطين” هم جزء من المجتمع الموريتاني الذين كانت أصولهم مرتبطة بالعبودية، ولكنهم بدأوا في السنوات الأخيرة في المطالبة بحقوقهم المدنية والاجتماعية.
ولد بيي يعتبر من الشخصيات البارزة في هذه الحركة، التي تسعى إلى تحسين وضع الحراطين في المجتمع الموريتاني، بما في ذلك المطالبة بالعدالة الاجتماعية، والمساواة، والحقوق المدنية. ومن خلال عمله، دعا ولد بيي إلى وضع حد للتمييز ضد هذه الفئة، والعمل على دمجهم بشكل كامل في المجتمع الموريتاني، مع توفير فرص التعليم والعمل والحقوق السياسية.
ونشرت الحركة عريضة مطلبية تزامنًا مع الذكرى الـ45 لميلادها، تضمنت مطالب بالإشراك السياسي، وإصلاح التعليم، وتوفير الخدمات الضرورية، والاعتراف بمكون الحراطين في الدستور الموريتاني، وتمثيله بالمستوى المطلوب، وحضوره في الوظائف والتعيينات.
وورد في الورقة أن النظام الحالي يتعامل مع قضية الحراطين بتجاهل تام، حيث تميزت مأموريته الأولى بتجاهل الخوض في القضية، أما في المرحلة الثانية من مأموريته الأولى، فكانت المواجهة والإنكار. وقد شكلت الخطابات المتكررة اعتقادًا لدى البعض بأن النظام لديه نية حسنة تجاه قضية الحراطين من خلال التلميح لها في تلك الخطابات، وإظهار اهتمام مزيف عبر عمليات تآزر وتلاعب بمشاعر الحراطين من خلال الصور الموجهة للخارج لاستجداء الصدقات والهبات، حسب تعبير الورقة.
وفي ذكرى تأسيس الحركة إلتقته “أفريقيا برس” في الحوار التالي:
ماذا تحقق في قضايا المهمشين بعد 45 سنة من ميلاد حركة الحر؟
نحن كحركة نطرح رؤية حول مجتمع الحراطين، ولا نخص المهمشين عن غيرهم، ونتحدث عن مشروع وطني وبناء دولة وطنية خالية من العبودية والاسترقاق والتمييز والحرمان، وكل ما لا يليق بالإنسان أو يمس من كرامته. ومنذ ميلاد الدولة الموريتانية إلى اليوم، ظلت أسس الديمقراطية في هذا البلد مختلة، وقضايا الكرامة والحريات ضامرة.
نحن نظن أن ما تحقق اليوم كبير وليس بالأمر الهين. فمنذ انطلاقنا في 1979م، لم يكن هناك من يعامل الحراطين كحراطين، وكانت كلمة “حرطاني” من التابوهات التي لا يمكن الحديث عنها. كنا عندما نجتمع بالحراطين ونقوم بتوعيتهم بحقوقهم، كانوا يتخوفون من ذلك، وهو ما لا نجده اليوم. فالحرطاني أصبح يحس بذاته وبمكانته، وأصبح يعي أنه جزء من كُلٍ، وأن مكانته اللائقة تفرض العيش بالتساوي مع غيره. وهذا كله ناتج عن مسار طويل من التحرر والتوعية.
وقد بدأنا بخطوات كثيرة في سبيل الإعداد لهذه المرحلة. ففي العام 1986، أعددنا لائحة بلدية وكنا على يقين من عدم الفوز حينها، لكن ذلك كان محطة بارزة في مسار توعية الحراطين بمكانتهم والوعي بحقوقهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. الآن، الحراطين يريدون أن يكونوا شيئًا مهمًا في هذا الوطن، وهذا دليل على أن مشروع الحركة تم تحقيق الكثير منه طيلة هذه الأربعين عامًا.
هل ترون أن المطالب التي نادت بها الحركة منذ النشأة تطورت الآن، وما هي أبرز القضايا الملحة في الظرف الحالي؟
حركة الحر قامت بأول مسيرة مطالبة بحقوق الحراطين ومنددة بالواقع المزري الذي يعيشون فيه، وكان ذلك في العام 1979م. في تلك المسيرة، التي كانت البداية الحقيقية للمواجهة والتي كنتُ من المشرفين على تأطيرها وتنظيمها، انطلقنا من الميناء وانتهينا دون القصر الرئاسي. وقد شارك فيها عدد غير قليل من الموريتانيين، وأعقب ذلك عدد من الاعتقالات والمضايقات. كانت المطالب الأساسية تتعلق بالوجود لمجتمع يعيش الصفر في الحقوق والسياسة والاجتماع وكل شيء.
اليوم، تطورت المطالب كثيرًا، ونضجت الأفكار والتصورات. أصبحنا نطالب اليوم بنصيب أكبر، وبمشروع أضخم مما كنا نطالب به يومها، وذلك لأن حركة التاريخ ومسار المجتمعات يفرض على الإنسان أن يتطور في طرحه ومطالبه وأولوياته، وهذا أمر طبيعي جدًا.
كل الأطوار التي مررنا بها كانت تصب في بناء قيم وطنية مشتركة، وبناء دولة مواطنة كفيلة بخلق الفرص، وترسيخ العيش الكريم. لا شك أن القيم الكبرى ما زلنا بعيدين عن تحقيق كثير منها، لكننا مع ذلك حققنا الكثير، وننتظر المزيد من أجل إدماج الحراطين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلد.
وضعت الحكومة مبادرات كثيرة لعلاج هذه القضايا، أي مشاكل الفقر والتهميش، ووجد عدد من الحراطين الآن يتولون مراكز صنع القرار في البلد. ألا ترون أن هذه الخطوات تبعد عن ما طرحتم في الورقة الأخيرة؟
ما توفر من قوانين وإجراءات مصاحبة يحتاج إلى المراجعة، وما زال دون المطلوب. فلا القوانين المجرمة للرق تم تطبيقها، ولا الحياة الاقتصادية والشراكة السياسية والتوظيف والحضور في التسيير حصل كما ينبغي وكما نطمح. هذه القضايا كلها لا تزال دون المطلوب، والحالات الفردية التي تُرى هنا وهناك، هي الأخرى لم تصبح بالصورة التي تعكس حياة اجتماعية رشيدة في ظل دولة المواطنة والحريات.
الحراطين فيهم الكفاءات وأصحاب الأهلية، وقد خدموا هذا الوطن، ومن واجبهم أن يروا ذواتهم فيه، وأن يحظوا بالإينصاف الحقيقي الذي يعكس قيمتهم ومكانتهم، كباقي أبناء المجتمع. السلطات الموريتانية تطلق الكثير من الوعود والخطابات، ولكن هذا وحده، إذا لم يأخذ طريقه للتطبيق، فإنه سيظل مجرد خطابات ووعود لا تحقق شيئًا على أرض الواقع.
في الورقة المنشورة بالتزامن مع تخليد ذكرى الحر، أشرتم إلى الاختلالات في مجالات مختلفة. ما هو مقترحكم كحركة مطلبية؟
المطالب التي تضمنتها الورقة هي نفس المطالب التي نطرحها دائمًا. فنحن نعتقد أن الحراطين مكون وطني موريتاني، يحق له كما يحق للمكونات الوطنية الأخرى. ونحن نطالب بالاعتراف بهذا المكون دستوريًا، وبحقوقه في الوجود الثقافي والاجتماعي والقانوني كغيره من المكونات، مثل البيظان، الوولف، والسوننكي.
هل ستشاركون كإطار مدني في الحوار السياسي المرتقب؟ وما هي مقترحاتكم لحوار شامل؟
مقترحاتنا تتلخص في التحضير لمؤتمر وطني على غرار مؤتمر آلاك. فبعد عقود من الزمن التي مرت منذ هذا المؤتمر، بدا واضحًا أن هناك اختلالات واعوجاجًا وظلمًا بينًا وصريحًا في مناحٍ كثيرة. يمكن تصحيح ذلك من خلال التداعي إلى مؤتمر وطني يتناول الاختلالات البنيوية الحاصلة، والقضايا الكبرى التي تطرح تحديات ومشاكل كثيرة وأساسية. يتعلق الأمر، على سبيل المثال، بالتعايش بين المكونات الوطنية ونمط التسيير والحكامة. نحن نريد حوارًا يركز على التوزيع العادل للثروة والمشاركة السياسية، والإصلاح الاجتماعي، ومحاربة الفساد، ومعالجة الاختلال في الانتخابات التي لا تتيح فرصة لتقدم الدولة وتطورها. فالمؤتمر هو البديل، وهذا كله منوط بالخروج بقرارات حقيقية صارمة وجادة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس