أفريقيا برس – موريتانيا. في مشهد برلماني اتسم بالحدة والسجال، تتواصل في موريتانيا تداعيات القانون الذي أجازه البرلمان الموريتاني والذي يُلزم كبار المسؤولين، بمن فيهم النواب، بالتصريح بممتلكاتهم.
وإلى جانب القانون المذكور صادق البرلمان في الوقت نفسه على قانون يقضي بإنشاء سلطة وطنية لمكافحة الفساد.
وقد فجّر إدراج النواب ضمن المشمولين بإلزامية التصريح بالممتلكات، موجة من الجدل تحت قبة البرلمان؛ بين من اعتبره خطوة نحو تكريس الشفافية والمساءلة، ومن رآه استهدافًا لخصوصية المؤسسة التشريعية أو توظيفًا سياسيًا.
وتأتي هذه التطورات ضمن مسعى حكومي معلن لتعزيز آليات محاربة الفساد، لكنها تعكس أيضًا مدى تعقيد الإصلاح في بلد لا يزال يكافح للتوفيق بين النصوص الطموحة والواقع الإداري والسياسي المعقد.
وعكس النقاش البرلماني الحاد للقانون القاضي بإنشاء «السلطة الوطنية لمكافحة الفساد»، تباين الرؤى حول طبيعة الهيئة المنتظرة ومدى قدرتها على إحداث اختراق حقيقي في جدار الفساد.
ويأتي هذا المشروع ضمن حزمة من الالتزامات التي تعهد بها الرئيس ولد الشيخ الغزواني، في برنامجه الانتخابي، والذي أكد فيه عزمه إنشاء وكالة وطنية فعالة ومستقلة لمكافحة الفساد، كجزء من تعهده بتعزيز الشفافية وترسيخ أسس الحكم الرشيد.
وفي هذا السياق، أوضح الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، كوديورو موسى انكنور، خلال عرضه لمشروع القانون أمام النواب، أن إنشاء هذه الهيئة يمثل ترجمة فعلية لإرادة سياسية عليا تهدف إلى مواجهة ظاهرة أصبحت تشكل عائقا حقيقيا أمام التنمية.
ووفقًا لنص القانون، ستتمتع السلطة الوطنية لمكافحة الفساد بالاستقلال الإداري والمالي، وستُمنح صلاحيات واسعة تشمل الرصد والرقابة، واقتراح السياسات العامة في مجال الوقاية من الفساد، وتعزيز التنسيق مع الجهات الوطنية والدولية المعنية، إضافة إلى نشر تقارير دورية حول أنشطتها.
ويؤسس القانون كذلك لهرمية إدارية واضحة للهيئة، ويحدد شروط اختيار أعضائها وضمانات استقلالهم وحصانتهم، بما يهدف إلى حمايتهم من التأثيرات السياسية والإدارية.
ورغم إجماع غالبية النواب على أهمية الخطوة في ملء فراغ تشريعي ومؤسساتي مزمن في مجال مكافحة الفساد، فقد عبّر عدد منهم عن مخاوف تتعلق بفعالية الهيئة المنتظرة وجدوى إنشائها في ظل وجود العديد من الهيئات ذات المهام المتشابهة.
وأشار بعض النواب إلى احتمال تداخل الصلاحيات بين الهيئة الجديدة وهيئات قائمة مثل محكمة الحسابات، والمفتشية العامة للدولة، واللجنة الوطنية للشفافية، مؤكدين أن التحدي الحقيقي لا يكمن في سن القوانين، بل في توافر الإرادة السياسية لتنفيذها بشكل نزيه وغير انتقائي.
وأثارت المعايير المعتمدة لاختيار رئيس وأعضاء الهيئة الجديدة جدلاً داخل قبة البرلمان، حيث اعتبرها بعض النواب «فضفاضة» ولا تضمن بالضرورة الكفاءة والنزاهة؛ كما أن اشتراط سنوات طويلة من الخبرة قد يُفهم – بحسب قولهم – كنوع من الإقصاء المبطّن للكفاءات الشابة أو الفاعلين المستقلين.
ويرى مراقبون أن ولادة هذه الهيئة تأتي في سياق داخلي وإقليمي حساس، جاءت بعد أن تزايدت الضغوط الشعبية والدولية على الحكومات لإظهار نتائج ملموسة في محاربة الفساد، خصوصًا بعد تقارير متعددة كشفت عن اختلالات واسعة في تسيير المال العام، وفشل آليات المراقبة التقليدية في تطويق هذه الظاهرة.
وفي هذا الإطار، فإن التحدي الحقيقي أمام هذه السلطة لن يكون قانونيًا أو إداريًا، بل سيكون سياسيًا وأخلاقيًا، حيث سيكون مطلوبًا منها إثبات قدرتها على العمل باستقلالية تامة، بعيدًا عن التجاذبات، وتقديم ملفات حقيقية للمساءلة، بما في ذلك داخل مؤسسات الدولة نفسها.
غير أن مصادقة البرلمان الموريتاني على إنشاء سلطة وطنية لمحاربة الفساد تمثل خطوة مهمة على الورق، لكنها تبقى منقوصة ما لم تُواكَب بإرادة سياسية واضحة، وتوفير ضمانات عملية لاستقلال الهيئة وفعالية أدائها.
ورغم المصادقة على قانوني إلزامية التصريح بالممتلكات وإنشاء سلطة محاربة الفساد، فإن النقاش الحاد الذي دار حولهما، خاصة بشأن شمول النواب بإلزامية التصريح بالممتلكات، يسلّط الضوء على التحديات التي تعترض طريق الإصلاح الجاد في موريتانيا.
فبين تطلعات الرأي العام إلى مأسسة الشفافية وتردد بعض النخب في التخلي عن الامتيازات غير المعلنة، تبدو معركة مكافحة الفساد في موريتانيا أبعد ما تكون عن نهايتها.
ويظل النجاح مرهونًا لا فقط بوجود قوانين متقدمة، بل كذلك بوجود إرادة سياسية حقيقية، وآليات مستقلة وفعالة تضمن التطبيق العادل والناجز.
ويبقى السؤال المطروح بقوة: هل ستتحول هذه الهيئة إلى آلية فعالة لتجفيف منابع الفساد، أم ستكون مجرد إضافة شكلية إلى قائمة طويلة من المؤسسات التي لم تنجح حتى الآن في إحداث التغيير المنتظر؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس