موريتانيا والسنغال تبدأان تصدير الغاز من “السلحفاة الكبرى”

1
موريتانيا والسنغال تبدأان تصدير الغاز من
موريتانيا والسنغال تبدأان تصدير الغاز من "السلحفاة الكبرى"

أفريقيا برس – موريتانيا. في لحظة توصف بأنها تاريخية في مسار الشراكة الطاقوية الإفريقية، تطلق موريتانيا والسنغال اليوم الإثنين، أول عملية تسييل غاز من منصة «السلحفاة الكبرى/آحميم»، الحقل الغازي المشترك بين البلدين الذي يُعد من أبرز مشاريع الطاقة العميقة في القارة الإفريقية.

وتأتي هذه الخطوة إيذانًا ببدء مرحلة التصدير الفعلي للغاز الطبيعي المسال من هذه المنصة البحرية العملاقة، التي تقع على الحدود البحرية بين البلدين، على بعد 120 كيلومترًا من السواحل، في أعماق تصل إلى 2850 مترًا تحت سطح البحر، ما يجعلها واحدة من أعمق البنى التحتية تحت البحر في إفريقيا.

ويمثل مشروع «السلحفاة الكبرى/آحميم»، نموذجًا فريدًا للتعاون الإقليمي في استغلال الموارد الطبيعية، حيث يُتوقع أن تنتج المرحلة الأولى من المشروع حوالي 2.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا، وسيُخصص جزء من هذا الإنتاج لتوليد الكهرباء محليًا في كل من موريتانيا والسنغال، وهو ما سيساهم في دعم الأمن الطاقوي للبلدين وتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد.

وفي دلالة على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للمشروع، جاء إطلاق العمليات بعد أقل من 48 ساعة على زيارة رئيس شركة «بي بي» العالمية، موراي أوشينكلوس، إلى كل من نواكشوط وداكار، حيث أجرى لقاءات رفيعة المستوى مع الرئيسين الموريتاني والسنغالي.

وتُعد «بي بي» الشريك الصناعي الرئيسي في تطوير هذا المشروع إلى جانب شركة «كوسموس إنرجي» وشركات وطنية.

ومن المتوقع أن يحتل مشروع «السلحفاة الكبرى/آحميم» مكانة متقدمة ضمن مشاريع الطاقة على مستوى القارة الإفريقية، خصوصًا في ظل الطلب العالمي المتزايد على مصادر الطاقة البديلة والنظيفة، وفي ضوء تطورات السوق الدولية بعد الأزمات الجيوسياسية التي فرضت تحديات على سلاسل التوريد التقليدية للغاز، خصوصًا في أوروبا. وتتجاوز أهمية المشروع البعد الاقتصادي إلى آفاق أوسع تتعلق بالتكامل الإقليمي وتعزيز العلاقات الثنائية.

ويشكل التعاون بين نواكشوط وداكار في هذا المجال نموذجًا يُحتذى به في إفريقيا، إذ يُظهر كيف يمكن للموارد الطبيعية أن تكون منطلقًا للتعاون بدلاً من التوترات.

كما يُنتظر أن يُحدث المشروع آثارًا اجتماعية وتنموية في مناطق الشمال السنغالي والجنوب الغربي الموريتاني، من خلال خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتطوير البنية التحتية، ودعم برامج التعليم والتكوين في مجال الطاقة.

ورغم الانطلاقة الواعدة، فإن المشروع لا يخلو من التحديات، أبرزها تلك المتعلقة بالبيئة البحرية، والتقلبات المحتملة في أسعار الغاز، وحاجة البلدين إلى تقوية قدراتهما التقنية والبشرية لمواكبة المتطلبات التشغيلية والتنظيمية لهذا النوع من المشاريع الكبرى.

وبتدشين أولى صادراتها من الغاز المسال عبر منصة «السلحفاة الكبرى/آحميم»، تكون موريتانيا والسنغال قد فتحتا صفحة جديدة في تاريخ الطاقة بالقارة السمراء، في انتظار أن تتحول هذه المنصة إلى نموذج ناجح للتعاون الإقليمي في استغلال الثروات الطبيعية بما يخدم التنمية المستدامة ويعزز مكانة إفريقيا في سوق الطاقة العالمية.

ويأتي إطلاق عملية تسييل وتصدير الغاز الموريتاني السنغالي بعد إشراف الرئيسين الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، ونظيره السنغالي باسيرو ديوماي فاي على الاحتفال الرسمي باستكمال المرحلة الأولى من مشروع حقل السلحفاة آحميم الكبير للغاز الطبيعي.

وفي كلمة بالمناسبة، عبّر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني عن «الاعتزاز العميق» باستكمال المرحلة الأولى من مشروع حقل السلحفاة آحميم الكبير، واصفًا إياه بأنه «يمثل منعطفًا محوريًا في الشراكة بين موريتانيا والسنغال، ومن جهة أخرى، مع شركائنا شركتي «بي.بي»، وكوسموس أنيرجي».

وقال ولد الغزواني إن المشروع «لا يقتصر فقط على كونه إنجازًا تقنيًا أو اقتصاديًا»، بل إنه «تجسيد حي لعمق الروابط التاريخية للأخوة والصداقة وحسن الجوار بين البلدين»، مضيفًا أن «السنغال وموريتانيا بلدان يجمعهما التاريخ والجغرافيا والمستقبل المشترك».

وأضاف ولد الغزواني «أن المشروع الواقع «في أعماق المياه وعلى حدودنا المشتركة» يُظهر بجلاء «ما يمكن أن تحققه دولتان إفريقيتان عندما توحّدان جهودهما وخبراتهما وتسعيان لتحقيق طموحهما المشترك»، مؤكدًا أن «ما تحقق هو ثمرة تعاون صادق ومتوازن قائم على الثقة المتبادلة».

وخصّ الرئيس بالشكر شركاء المشروع، قائلاً: «أتوجه بالشكر الجزيل إلى شركائنا في شركتي «بي.بي»، وكوسموس أنيرجي»، على تعاونهم المثمر وقيادتهم الحاسمة خلال هذه المرحلة»، كما أثمّن «العمل الرائع الذي قامت به الفرق الفنية من كلا البلدين، سواء على مستوى الوزارات أو الشركات الوطنية أو الوحدات المختلطة».

ولفت الغزواني إلى أهمية الاستثمار في العنصر البشري، قائلاً: «يسرّني أن أنوه بالكفاءات الشابة الموريتانية والسنغالية التي تعمل في هذا المشروع، وهو ما يُظهر مدى التزامنا بتعزيز المحتوى المحلي وتنمية مواردنا البشرية».

وأكد أن هذه المرحلة «تمثل حجر الأساس لتحول طاقوي عميق تطمح إليه موريتانيا والسنغال معًا، وهو تحول سيتيح تسريع وتيرة استثمار مواردنا الطبيعية وتوظيف الغاز لتلبية حاجيات شعوبنا في الطاقة والصناعة»، متمنيًا أن «تستمر هذه الشراكة النموذجية في التألق، وأن تُلهم مبادرات أخرى تخدم شعوبنا وقارتنا».

وفي ختام هذا الحدث البارز، تدخل موريتانيا والسنغال مرحلة جديدة في مسارهما التنموي، إذ يُمثل إطلاق تصدير الغاز الطبيعي من حقل «السلحفاة الكبرى» نقطة تحول استراتيجية في خارطة الطاقة لغرب إفريقيا.

فهذا المشروع العابر للحدود لا يعزز فقط مكانة البلدين على الساحة الدولية كمصدرين للطاقة النظيفة، بل يُجسّد أيضًا نموذجًا ناجحًا للتكامل الإقليمي والشراكة الإفريقية البناءة.

ومع تدفق أولى شحنات الغاز الموريتاني السنغالي المسال، تتجه الأنظار إلى المستقبل، حيث تشكل هذه الخطوة ركيزة لمزيد من النمو الاقتصادي، والتحوّل الصناعي، وتحقيق الأمن الطاقوي في المنطقة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس