أفريقيا برس – المغرب. لعيد العمال في المغرب هذا العام جوانب مختلفة، منها التي تدخل في الاعتياد ككل سنة من خلال المسيرات العمالية التي تقودها النقابات في الشوارع والخطابات الحماسية التي يلقيها زعماء تلك التنظيمات، ومنها تلك الاستثنائية التي تحقق السبق مثل انضمام نساء إلى تلك التظاهرات بمعزل عن المطالب المعتادة، لتخضن معركة أخرى قد تبدو ترفا للبعض، لكنها أساس تغيير العقليات نحو المساواة الحقيقية التي تطالب بها المرأة.
وفي هذا السياق الاستثنائي، قررت “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة”، الانتفاض في وجه العمل المنزلي “غير المرئي الذي تقوم به النساء”، وذلك بمناسبة الأول من أيار/ مايو عيد العمال الأممي، من خلال إطلاق حملة وطنية واسعة النطاق تهدف إلى تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي تؤديه النساء داخل المنازل في المجتمع المغربي.
الحملة المذكورة التي تدعمها هيئة الأمم المتحدة- مكتب المغرب- تسلط الضوء على هذا الجهد اليومي، “الذي لا يُقابل بأي مقابل مادي، ويمثل عماد الحياة الأسرية، ويحافظ على توازنها، ويُجنّب الأسر تكاليف ضخمة كانت ستُصرف على خدمات مثل رعاية الأطفال، التنظيف، الطهي، الدعم الدراسي، أو العناية بكبار السن. ومع ذلك، لا يُعترف بهذا العمل ولا يُثمَّن، بل يبقى غالبًا حبيس الجدران، ونادرًا ما يُتقاسم داخل الفضاء المنزلي، رغم كونه دعامة أساسية للبنية الاجتماعية”، وفق تعبير الجمعية في بيان لها.
لذلك تؤكد أن هذه الحملة الوطنية هي الأولى من نوعها، وتأتي من أجل تقييم العمل المنزلي للنساء بهدف الاعتراف به وتثمينه وتقاسم أعباءه مع نظرائهن الرجال، الذين انخرط بعضهم قبل حلول عيد العمال في الحملة عندما ارتدوا مئزر العمل المنزلي الذي التصق بالنساء، ونشروا صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي في إطار “هاشتاغ” تحت عنوان “شقا الدار ماشي حكرة” (العمل المنزلي ليس احتقارا)، وكان لا فتا للانتباه إصرار بعض الأسماء المعروفة في مجال الاعلام والعمل الجمعوي من الرجال، على إرفاق الصورة مع تعليق مقتضب يتضمن الاسم الكامل والمدينة التي ينتمي إليها كل واحد منهم.
ذلك المئزر الذي يعتر رمزا للشقاء الذي تتكبده النساء طيلة حياتهن الأسرية، تحول إلى أيقونة في مسيرات عيد الشغل، حين قررت الجمعية المذكورة تنظيم مسيرة خاصة بها في مدينة الدار البيضاء شارك فيها رجال ونساء ينتمون إليها، وهم يرتدونه في إشارة إلى رمزيته التي تحيل على ربة البيت صاحبة المهام المتعددة في البيت من طاهية إلى مربية، من ممرضة إلى مدبرة منزل، من منظمة إلى مخططة. وقد تم تجسيد هذه البطاقة على مئزر منزلي صُمّم خصيصًا للحملة، ليُصبح أداة بصرية ناطقة وشعارًا ميدانيًا يجسّد رسالتها.
وحددت بشرى عبدو، المديرة التنفيذية لـ”جمعية التحدي للمساواة والمواطنة”، الهدف الأول للمشروع في “الاشتغال على العقليات من أجل الاعتراف بأن العمل المنزلي الذي تقوم به النساء ليس حكرة (احتقار)، ولا يقلل من قيمتهن بل على العكس هو عمل له قيمة مادية مهمة جدا وقيمة إنتاجية أيضا، ويساهم في دعم الأسرة بكل مكوناتها كذلك”.
وأضافت بشرى عبدو متحدثة لـ”القدس العربي”، أن الهدف الثاني “متعلق بالترافع والضغط من أجل أن يصبح العمل المنزلي معترفا به كباقي الأعمال الأخرى، وهو ما سيحيلنا من بعد على رفع مذكرة مطلبية متكاملة إلى الجهات المعنية”.
وفي رأي المديرة التنفيذية للجمعية، فإن هذه الحملة موجهة خصوصا للرجال والشباب في كل من جهة الدار البيضاء سطات ومراكش أسفي، ويستهدف الشباب داخل المؤسسات التعليمية والجامعية وأيضا داخل الأسر”، وقالت إن أكثر من 100 أسرة ستكون مستهدفة بهذه المشروع التوعوي، حتى تشتغل مع أبنائها لتقاسم أعباء المنزل.
وتابعت المتحدثة توضيحاتها بقولها إن هذه المبادرة تأتي في سياق التزام الجمعية “الراسخ بتعزيز المساواة بين النساء والرجال”. مشيرة إلى أنه “حين نسلط الضوء على العمل المنزلي غير المرئي، فإننا نُساهم في تفكيك الصور النمطية، ونضع أسس عقد اجتماعي أكثر عدلًا داخل الأسرة”.
ولتوضيح حجم الفجوة الزمنية التي تعمق الفجوة الاجتماعية، استشهدت بشرى عبدو بمعطيات صادرة عن “المندوبية السامية للتخطيط” (مؤسسة رسمية للمسوح والاحصائيات الاقتصادية والاجتماعية)، التي أفادت بأن النساء المغربيات ينجزن أكثر من 90 في المئة من إجمالي الوقت المخصص للأعمال المنزلية، بمعدل خمس ساعات يوميًا، مقابل 43 دقيقة فقط للرجال. وهو في رأي المتحدثة، “خلل زمني صارخ يُلقي بثقله على مسارات النساء المهنية والشخصية، ويُضعف فرص تحقيق المساواة الفعلية”، وفوق كل ذلك فإن “العمل المنزلي غير المؤدى عنه هو أحد الزوايا العمياء في نسيجنا المجتمعي”. لذلك فقد “آن الأوان لتسميته، إبرازه، وتقاسمه”، تؤكد بشرى عبدو.
وأبدعت الجمعية في تصميم ملصق الحملة التي ظهر فيها مئزر العمل المنزلي وكتبت إلى جانبه عبارات دالة مثل “الشقا حتى هو خدمة” (الشقا تعبير مغربي عن الأعباء المنزلية للمرأة)، و”نديرو خطة باش الشقا فالدار ما يبقاش حكرة” (لنقم بخطوة حتى لا يبقى العمل المنزلي احتقارا)، ثم توصيف لمهنة ربة البيت وعقد عملها الممتد مدى الحياة بصفر درهم.
وقالت الجمعية في بيان اطلعت “القدس العربي” عليه، إن العمل المنزلي يُنظر إليه تقليديًا بوصفه أمرًا “طبيعيًا”، في حين أنه غير مرئي، غير مدفوع الأجر، وغير معترف به اجتماعيًا، لذلك قررت المشاركة في المسيرة العمالية التي تنظمها نقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” من أجل “إظهار ما ظل مخفيًا، وجعل غير المرئي مرئيًا، وإثارة نقاش وطني حول مظلمة بنيوية ما تزال مغيبة عن الخطاب العام”.
وترى الجمعية أن هذه المبادرة تتجاوز نطاق توعية، لتشكل دعوة إلى وعي جماعي بواقع العمل المنزلي غير المرئي، باعتباره من الأسباب الهيكلية لاستمرار التفاوت بين الجنسين. كما تتجاوز مسألة الرمزية إلى خطة عمل حقيقية هي جزء من برنامج وطني طموح يمتد حتى أيلول/ سبتمبر 2026. ويتمثل الهدف العملي منه في تقليص ساعة واحدة يوميًا من الوقت الذي تخصصه النساء للأعمال المنزلية، داخل العائلات المستهدفة.
ويندرج هذا المشروع ضمن البرنامج الإقليمي Dare to Care وهو مبادرة تهدف إلى تفكيك التصورات الذكورية التقليدية، ومراجعة المعايير الاجتماعية التي تُكرّس التمييز الجندري، مع الدفع نحو تمكين النساء اقتصاديًا في العالم العربي.
وأوضحت الجمعية في بيانها، أن الحملة تعتمد على تعبئة شاملة متعددة الأجيال، من خلال حملات رقمية موجهة للشباب، عروض رياضية، مسرح متنقل، ولوحات حضرية تفاعلية. كما تشجع على إنتاج محتوى إبداعي هادف- من فيديوهات، وبودكاست، وأفلام قصيرة- يُصمم بالشراكة مع الشباب ومن أجلهم.
ومن أجل الوصول إلى عقد اجتماعي أكثر عدلًا، يوضح البيان، فإن الحملة لا تتوقف عند حدود التوعية، بل تهدف إلى إحداث تحول بنيوي في إدراك وتقاسم العمل المنزلي بين النساء والرجال، مبرزا أنه آن الأوان للتوقف عن اعتبار المهام المنزلية “مساعدة عرضية”، والاعتراف بها كمكون جوهري للحياة اليومية، يستحق التقدير والتوزيع العادل.
وتشدد الجمعية على أن هذا المشروع يدخل في إطار الالتزامات الوطنية للمغرب في مجال التمكين والمساواة بين الجنسين، ويشكّل تذكيرًا، في سياق يوم العمال العالمي، بأن كل جهد يُبذل داخل المنزل، يستحق أن يُرى، يُثمّن، ويُشارك بإنصاف.
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس