نجاح “المقاربة الاستباقية” أم مبالغة في تصوير التهديدات الأمنية؟

4
نجاح
نجاح "المقاربة الاستباقية" أم مبالغة في تصوير التهديدات الأمنية؟

أفريقيا برس – المغرب. شهد النصف الأول من العام الجاري تفكيك الأمن المغربي لخلايا، اعتُبرت من طرف مراقبين تطورا نوعيا خطيرا في الظاهرة الإرهابية. ويعني ذلك ̶ من جهة ̶ أن الأجهزة المغربية تواصل نجاحها، الذي راكمته خلال الربع قرن الأخير في التعامل بنجاعة مع التهديدات الإرهابية. ويعني ̶ من جهة ثانية ̶أن المغرب بات مستهدفا رئيسيا، حيث أكدت
التحقيقات مع الموقوفين في مختلف الخلايا الموقوفة، أن الفرع الأفريقي لـ تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يتوقف عن تجنيد مغاربة من داخل بلادهم وتعبئتهم ضدها.
غير أن إعلاميين وباحثين ورواد الشبكات الاجتماعية مغاربة، ما فتئوا يحذرون من أن مبالغة السلطات المغربية بتصوير التهديد الأمني، يعزّز قبضة وزارة الداخلية أكثر مما يساهم في مكافحة الإرهاب.

سبق أن حذرت ورشة عمل نظمها بالرباط “مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط” الأمريكي، تحت عنوان “تهميش الشباب وتطرفهم في شمال أفريقيا”، من أنه “بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الربيع العربي، تحوّلت منطقة شمال أفريقيا إلى خزان للتيارات الجهادية العابرة للحدود، ومرتع للتطرف في صفوف الشباب. فبسبب فشل الحراك العربي سنة 2011 في تحقيق الأحلام المنشودة من ديمقراطية وحرية وعدالة اجتماعية، برزت حالة من الإحباط في صفوف الشباب دفعت العديد منهم إلى تبني الإيديولوجيات المتطرفة”.

وفي هذا الإطار، تشير دراسات ومنشورات في الشبكات الاجتماعية (بعضها لتنظيمات متطرفة)، بأن شبابا مغاربة قد التحقوا بتنظيم داعش بمنطقة الساحل الأفريقي، الذي يعد العدة لإعلان إحدى دول المنطقة “دولة خلافة” خلال العام الجاري. بينما أعلن آخرون ولائهم للتنظيم الإرهابي من داخل المغرب، وشرعوا فعليا في الإعداد للقيام بتفجيرات باسمه وتحت رايته.

نجاح “المقاربة الاستباقية”

غداة الهجمات الإرهابية التي هزت الدار البيضاء في ربيع 2003، انخرط المغرب بقوة في مكافحة الإرهاب، بناء على سياسة استباقية. فتم إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية أو (إف بي آي المغرب)، ويلقب اختصارا بـ (البسيج / BCIJ)، هو مكتب تابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية) تأسس في سنة 2015، ويترأسه الشرقاوي حبوب، ويقع مقره في مدينة سلا. وتتمثل مهامه بالأساس في: محاربة الخلايا الإرهابية، والإتجار بالمخدرات، والعمليات الاجرامية الكبرى. ودعم ذلك بالتوازي بإصدار تشريعات جديدة وتخصيص محكمة مختصة بقضايا الإرهاب في سلا.

وفي سياق ذلك، تم تفكيك حوالي 209 خلية إرهابية، ومنع وقوع 500 هجمات، واعتقال أكثر من 3500 إرهابي في المغرب منذ عام 2002 إلى غاية نهاية 2020. وقد كشف المكتب المركزي للتحقيقات القضائية عن هذه الحصيلة، خلال مؤتمر دولي حول الحرب ضد التطرف عُقد في 2021. وفي ندوة صحفية عقدت يوم الخميس 30 يناير 2025، كشف الشرقاوي حبوب، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، أن المصالح الأمنية التابعة للمكتب تمكنت من توقيف أكثر من 600 متطرف منذ سنة 2016، من رواد المنصات الإلكترونية، كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية على نمط “الذئاب المنفردة”، الذي يشجع عليه تنظيم “داعش” في إطار ما يسميه بـ “إدامة واستدامة حرب الاستنزاف”.

وتقول تقارير أمنية واستخباراتية غربية إن الأجهزة المغربية المكلفة بمحاربة الإرهاب (الجماعات التكفيرية)، لا تكتفي بتوقيف المتهمين والتحقيق معهم قبل عرضهم على القضاء المتخصص؛ بل أصبحت رائدة في دراسة الظاهرة الإرهابية على المستوى الدولي. فسبق لها أن حذرت نظيراتها في فرنسا وإسبانيا وألمانيا ودول الساحل الأفريقي، من عمليات إرهابية كانت وشيكة الوقوع في بلدانها. وتواكب الأجهزة المغربية السجناء على ذمة قضايا الإرهاب في المغرب، حيث تمت “إعادة دمج” عدد منهم في المجتمع، بعدما تخلوا عن تطرفهم وحصلوا على عفو ملكي. وتعد حاليا من الأفضل في العالم في تفكيك خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، حتى أنها سبق أن كشفت لنظيرتها الأمريكية حالة جندي أمريكي في إحدى القواعد بالولايات المتحدة كان بايع هذا التنظيم المتطرف، وكان يعد العدة لاقتراف جرائم إرهابية في بلاده!

وتتويجا لكل هذه المتابعات، أفاد “معهد الاقتصاد والسلام” العالمي، في تقريره السنوي “مؤشر الإرهاب العالمي” للعام 2025، بأن المغرب حافظ على تصنيفه ضمن الدول الخالية من الإرهاب، محققا درجة صفر في المؤشر، وهو ما يعني عدم تسجيل أي حادث إرهابي في البلاد خلال السنوات الخمس الماضية. واحتل المغرب المرتبة 100 عالميا، وهي المرتبة التي تضم الدول التي لم تشهد أي أنشطة إرهابية أو تأثيرات مرتبطة بالإرهاب خلال الفترة المشمولة بالتقرير.

وفقا للتقرير، فقد برز المغرب كحالة استثنائية بين الدول الإقليمية، حيث لم يسجل أي حوادث إرهابية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعكس الجهود الأمنية والاستراتيجية الوقائية التي تتبعها المملكة، سواء على المستوى الداخلي أو في إطار التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. في المقابل، وعلى سبيل المقارنة، جاءت الجزائر في المرتبة 42 عالميا، تلتها تونس في المرتبة 43، بينما احتلت ليبيا المرتبة 53 مسجلة تحسنا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية.

“داعش” يكرر المحاولة

بحسب مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة (الإمارات)، فإن المكتب المركزي للأبحاث القضائية المغربي قد نجح في تفكيك 40 خلية تابعة لتنظيم “أسود الخلافة بالمغرب الأقصى” العام الماضي، مدعومة من قيادات “داعشية” بالخارج. ويكشف توالي تفكيك الخلايا وعمليات الاعتقال، برأي المركز، عن استمرار تهديدات تنظيم داعش واختياره لمسارات بديلة وأدوات مبتكرة لضرب أمن البلاد. وذلك ما يوحي به تعدد مصادر التجنيد وجهات التخطيط وبنك الأهداف. كما تأتي هذه التهديدات في وقت يسعى فيه داعش إلى خلق روابط محلية، تَسنُد مشروعه في تأسيس فرع تابع للتنظيم بالمغرب.

في 20 من فبراير الماضي، تم تفكيك خلية مرتبطة بتنظيم داعش في منطقة الرشيدية. وأسفرت العملية التي نفذت على الضفة الشرقية لوادي جير في تل مزيل، وكذلك في وادي النعم في بوذنيب[جنوب شرق قرب الحدود مع الجزائر]، عن ضبط شحنة كبيرة من الأسلحة التي وصفتها السلطات بـ “الحربية” كانت مخبأة في منطقة جبلية، واعتقال اثني عشر شخصا في العملية تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاما، من تسع مدن بعد عام من المراقبة..

وكانت الأجهزة الأمنية تراقب المنطقة منذ أسابيع، وتدمج البيانات الميدانية والتحليلات الفنية التي تشير إلى وجود نقطة عبور لوجستية لأعضاء الخلية. ويُشتبه في أن هذا المخبأ كان يُستخدم لتخزين وتوزيع الأسلحة لشن هجمات مستقبلية. وبعد عملية بحث وتعقب استمرت أكثر من ثلاث ساعات، اكتشف الضباط مخبأ للأسلحة مدفونا بعناية في منطقة منعزلة أسفل تلة صخرية. وكانت الأسلحة معبأة في أكياس بلاستيكية وصحف من مالي، بما في ذلك الصحف الأسبوعية المؤرخة في 27 يناير 2025، مما يشير إلى تحركات إمداد حديثة. ومن بين المواد المضبوطة: بندقيتان من نوع “كلاشينكوف” مع مخازن الذخيرة، وسلاحان ناريان من عيار كبير، وعشرة مسدسات فردية من أنواع مختلفة، إلى جانب كمية كبيرة من الخراطيش والرصاص من عيارات مختلفة.

وكشف مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية الشرقاوي حبوب، فإن المحرض على هذا المخطط الإرهابي هو عبد الرحمن الصحراوي، الليبي الأصل والقيادي البارز في تنظيم داعش الإرهابي بمنطقة الساحل، والذي يرأس لجنة “العمليات الخارجية” المسؤولة عن تدويل الهجمات الإرهابية خارج منطقة الساحل والصحراء. وهو الذي أشرف على تمويل الخلية، وهو من أطلق عليها اسم “أسود الخلافة في المغرب الأقصى”.

وفي 28 من الشهر الماضي، أعلن الأمن المغربي عن توقيف فتاة في العاصمة الرباط، للاشتباه في موالاتها لتنظيم “داعش”، و” الإعداد والتحضير لتنفيذ مخطط إرهابي بالغ الخطورة”. وقال بيان للمكتب المركزي للأبحاث القضائية إنه تمكن على ضوء معلومات استخباراتية دقيقة من توقيف طالبة متطرفة موالية لتنظيم داعش تبلغ من العمر 21 سنة، وتتابع دراستها في أحد المعاهد التقنية العليا بالعاصمة المغربية. ولم تكشف السلطات المغربية أي معلومات حول جنسية المشتبه فيها أو خلفياتها ودوافعها. لكن بلاغا للمكتب المركزي للأبحاث القضائية أشار إلى أنها “انخرطت فعليا في التحضير لمشاريع إرهابية، من خلال اكتساب خبرات في مجال المتفجرات وإعداد السموم، وتوفير بعض المعدات اللازمة لذلك. في أفق القيام بعملية إرهابية حددت كهدف آني لها استهداف إحدى المنشآت الدينية الموجودة بالرباط”.

أياما قليلة بعد ذلك، أعلنت السلطات المغربية في في 2 يوليو الجاري، عن تفكيك الأجهزة الأمنية لخلية تابعة لتنظيم “داعش”، تتكون من 4 أفراد تتراوح أعمارهم بين 20 و27 عاما، كانوا ينشطون بين مدينتي تطوان وشفشاون شمال البلاد و”يخططون للقيام بأعمال تخريبية تمس بالأمن العام”.

وأشار بلاغ للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، إلى أنه ثم العثور خلال تفتيش منازل الموقوفين على “مخطوط يتضمن نص (البيعة) التي أعلنها أعضاء هذه الخلية للأمير المزعوم لتنظيم داعش، وكذا التسجيل الذي يوثّق لهذه البيعة، فضلاً عن راية ترمز لهذا التنظيم”. وأضاف البلاغ بأن أفراد الخلية “شرعوا في التحضير لتنفيذ مخططاتهم، من خلال القيام بتجارب ميدانية بإحدى المناطق الجبلية بتطوان، بغرض صناعة عبوات ناسفة”.

“مبالغة” في تصوير التهديدات؟

منذ إعلان أبو بكر البغدادي “قيام دولة الخلافة” بالعراق والشام (داعش)، قبل أكثر من عقد، نشط مغاربة في هذا التنظيم، من خلال القيام بعمليات استقطاب وتجنيد مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي بدعم غربي. ودعوا من خلال أشرطة دعائية الشباب المغربي إلى الهجرة لسوريا لما يُتصور فيها من مكاسب في الدنيا والآخرة، وهو ما عبّر عنه أحد مغاربة داعش في شريط دعائي بالقول: “من أراد الدنيا عليه بالشام ومن أراد الآخرة عليه بالشام”. ولم تتوقف تهديدات بعض مغاربة سوريا، بعد ذلك، بنقل العمليات الإرهابية إلى داخل المغرب.

وما أشبه اليوم بالبارحة. فالتهديد أصبح قادما من العمق الأفريقي القريب، ومصدره هو نفسه: تنظيم داعش. لكن الأجهزة المكلفة بالتصدي للظاهرة الإرهابية أصبحت أكثر تطورا وقوة ونفوذا، عما كانت عليه قبل عقد من الزمان. لكن انتقادات كثيرة تلاحقها من طرف نشطاء وإعلاميين ورواد الشبكات الاجتماعية المغاربة، من أن “الأجهزة” المغربية الأمنية والاستخباراتية تراكم التجاوزات في حق من لا علاقة له بالإرهاب أو بالتيار الديني حتى.

ويرى رئيس المركز المغربي لتحليل السياسات الدكتور محمد مصباح، الذي يعتبر من أفضل الخبراء المغاربة الذين درسوا الظاهرة الإرهابية، بهذا الصدد، بأنه “على الرغم من المقاربة التي تعتمدها القوى الأمنية [المغربية]، فإن تكتيكاتها غير متكافئة مع واقع التهديدات. فلم تلقَ دعوات داعش التأييد الأيديولوجي المطلوب من طرف مجمل التيار الجهادي بالمغرب. وهو ما يجعل التنظيم يفتقر إلى الدعم اللوجستي الكافي لتنفيذ عمليات في البلاد. فقد تبرأ أبرز رموز التيار الجهادي (سواء المعتقلين على خلفية قانون الإرهاب، أو من هم خارج السجن) من داعش بشكل واضح”. ويواصل مصباح في ورقته التحليلية التي نالت شهرة، قائلا بأنه “على الرغم من أنه لا يمكن إنكار خطورة هذه التهديدات، إلا أن وزارة الداخلية تستعملها لإحكام قبضتها على الشؤون الداخلية كما كانت تفعل سابقا. فالوزارة هي الطرف الذي من شأنه أن يحقق المكاسب الأكبر من المجموعة الجديدة من التدابير الأمنية”.

فقد “خلقت التعديلات على قانون الإرهاب والإجراءات الجديدة لوزارة الداخلية، مناخا مؤاتيا لخنق الحريات العامة، بما فيها المجال الديني والخطاب الديني. وقامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإصدار قوانين تمنع على الأئمة والخطباء اتخاذ أي موقف يكتسي صبغة سياسية أو نقابية، أو القيام بأي عمل من شأنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية. ومنذ تلك الفترة تصاعدت وتيرة خطب الجمعة الحائزة مسبقا على موافقة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية”.

ويرى مصباح أنه في “غالب الظن أن المقاربة الأمنية التي تمنح وزارة الداخلية قبضة من حديد، حتى لو تغاضينا عن كل ما يترتب عنها من خطر على الحريات السياسية والمدنية لن تكون فعالة في مكافحة الإرهاب. لكن يبدو أن قلق الوزارة من الإرهاب يأتي في المرتبة الثانية، فالأولوية بالنسبة إليها هي محاولة تثبيت قبضتها من جديد. إلا أن هذا الأسلوب لن يُعزّز على الأرجح الاستقرار أو الأمن في المدى الطويل، لابل قد يتسبّب بتقويضهما”.

مصادر:

̶ د. محمد بوشيخي- الشائع والاستثناء: دلالات تفكيك خلايا إرهابية “نوعية” لداعش في المغرب (دراسة)-مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة (11 يوليو 2025):
https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/10294

̶ محمد مصباح-” المغرب والمبالغة بتصوير التهديد الأمني” (تحليل)- مركز كارنيغي للشرق الأوسط:
https://carnegieendowment.org/sada/2014/10/taking-advantage-of-moroccos-security-threat?lang=ar

̶ د. محمد مصباح – “الجهاديون المغاربة: جدل المحلي والعالمي” (كتاب)-
يمكن الوصول إلى الكتاب الهام، لمن يرغب في قراءته أو تحميله، عن طريق رابط ناشره “مركز الجزيرة للدراسات”:
https://mipa.institute/wp-content/uploads/2021/01/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9.pdf

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس