أية حصيلة لـ جوزيب بوريل في المغرب؟

28
أية حصيلة لـ جوزيب بوريل في المغرب؟
أية حصيلة لـ جوزيب بوريل في المغرب؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في سياق مناخ جهوي وقاري ودولي شديد التوتر والتعقيد، قام المسؤول السامي للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بزيارة رسمية بالغة الأهمية إلى المغرب، يومي 5 و6 يناير. الزيارة أنهت شهورا ثلاثة من القطيعة، سببها تصريحات حول قضية الصحراء أدلى بها المسؤول الأوروبي في سبتمبر- أيلول الماضي، اعتبرتها الرباط معادية لها. وكان ردها رفض استقبال جوزيب بوريل…

لكن عبارات الارتياح والمجاملة التي أطلقها الجانبان خلال الزيارة وبعدها، لم تكن لتخفي خلافات عميقة كان بعضها صريحا، بينما ظل بعضها الآخر حبيس مجالس المباحثات المغلقة.

فقد كان منتظرا، في الجانب المغربي، أن تُقرب زيارة بوريل موقف الاتحاد الأوروبي من مواقف إسبانيا وألمانيا ودول أخرى ذات شأن في الاتحاد، بالنسبة إلى قضية الصحراء. لكن انتظار الرباط خاب بهذا الخصوص، كما خاب بخصوص الأمل في تمويل بروكسل لأنبوب نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر المغرب…

عدا عن ذلك، كانت زيارة المسؤول الأوروبي إلى المملكة مناسبة لـ “التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي في شراكته مع المغرب، وإجراء حوار معمق حول تنفيذ الشراكة وسبل تعزيزها، وذلك في إطار البرنامج الجديد من أجل المتوسط”؛ ما يعني وعودا جديدة باستثمارات أوروبية في المغرب..

بيد أن قراءة ما بين سطور تصريحات كل من بوريطة وبوريل تكشف عن وجود ضغوط يمارسها الاتحاد الأوروبي (والغرب) على المغرب (وعلى الجزائر كذلك)، حتى تتوقف المملكة عن مواصلة تعزيز علاقاتها بروسيا. فقد كشفت فرانشلوسي جيوا، الناطقة الرسمية باسم الاتحاد الأوروبي، بأن المباحثات مع المغرب قد تناولت “التأثير العالمي للحرب الروسية ضد أوكرانيا بين ناصر بوريطة وجوزيب بوريل”…

وتأتي زيارة المسؤول الأوروبي للمغرب يومي 5 و6 يناير الماضيين، إعلانا عن طي المغرب صفحة الخلاف معه، بحسب الإعلام المغربي. فقد كانت المملكة ألغت من جانب واحد، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، اجتماعا ثنائيا كان مقررا عقده في العاصمة المغربية مع المسؤول السامي الأوروبي. وكان مبرر الإلغاء احتجاجا على تصريحات أدلى بها على قناة إسبانية تخص ملف الصحراء، حيث شدد بوريل في مقابلة مع قناة TVE العمومية على ضرورة “التشاور مع الصحراويين بخصوص أي حل للنزاع”.

لكن، هل زال الخلاف حقا بين المسؤول الأوروبي والرباط حول ملف الصحراء الشائك؟

الخلاف حول ملف الصحراء

ففي مواجهة مطالب الرباط المتجددة إلى تبني الموقف الأمريكي، بالاعتراف بمغربية الصحراء، أو على الأقل تبني مواقف كل من إسبانيا وألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا، التي تؤيد خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل المشكل في الصحراء، كرر بوريل نفس “المواقف التقليدية”، بتعبير الطرف المغربي، متشبثا بالبقاء في “المنطقة الرمادية بشأن الموقف من قضية الصحراء.

ولا يتحمس المغرب كثيرا للمواقف الرمادية الصادرة عن أجهزة الاتحاد الأوروبي، خصوصا أمام التعبيرات المتقدمة الصادرة من مدريد وبرلين، ورهان الرباط على دفع باريس إلى تبني موقف أكثر تقدما بعد الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية، كاترين كولونا إلى الرباط مؤخرا.

ولذلك كان مخيبا للآمال المغربية أن يكتفي بوريل بإعادة التأكيد على “دعم الاتحاد الأوروبي لجهود الأمين العام للأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي عادل وواقعي ودائم ومقبول في الصحراء”.

والواقع أن العلاقة بين بوريل والمغرب لم تكن على ما يرام بعد إلغاء المملكة، في شتنبر الماضي، اجتماعا ثنائيا كان مقررا في العاصمة الرباط، وذلك احتجاجا على تصريحات أدلى بها ذات المسؤول الأوروبي على قناة عمومية إسبانية حول ملف الصحراء المغربية.

لكن مفارقة صارخة تحكم، مع ذلك، موقف الاتحاد الأوروبي بصدد قضية الصحراء. ففي حين يمسك الأوروبي بالعصا من الوسط، بتبني موقف داعم للحل السياسي، العادل والمتوافق بشأنه وفق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، بمعنى أنه لا يعترف بسيادة المغرب على صحرائه حتى لا يغضب الجزائر.. نجد نفس الاتحاد الأوروبي يدافع عن التوقيع على اتفاقيات متعلقة بالتبادل التجاري والفلاحي واتفاقية الصيد البحري مع المغرب، شاملة المنتجات البحرية والفلاحية التي مصدرها الأقاليم الصحراوية، وهو ما يعني اعترافه ضمنيا بسيادة المغرب على الصحراء، سيادة اقتصادية وإدارية ثم سيادة سياسية.

ويرى خبراء مغاربة أن هذا الإشكال لا يرتبط بالاتحاد، بقدر ما يرتبط في جزء كبير منه بتحركات لوبيات مشكلة من أحزاب ونقابات وجمعيات أوروبية نشطة داخل أجهزة الاتحاد الأوروبي داعمة لجبهة البوليساريو وبالتالي متحالفة موضوعيا مع الجزائر.

كما أن تردد الاتحاد الأوروبي بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء، أو على الأقل تبني موقف قريب من الموقفين الإسباني والألماني، ما زالت تحكمه ضبابية الموقف بالنسبة لدول أوروبية مؤثرة، على رأسها فرنسا التي تفضل البقاء في المنطقة الرمادية وعدم الحسم في موقفها، بشأن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، حفاظا على مصالحها مع الجزائر.

فالأكيد، من وجهة النظر المغربية على الأقل، أنه عندما يخرج الموقف الفرنسي من ضبابيته، وتتوقف باريس عن اللعب على الحبلين (بين الرباط وباريس)، فإن الاتحاد الأوروبي سيتبنى الموقف ذاته وسيدعم المغرب بكل وضوح.

شراكة متعددة الأبعاد

حرص رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، خلال استقباله بوريل، على التنويه بالحصيلة الإيجابية للعلاقات الثنائية بين المغرب والاتحاد في مجالات الفلاحة والصيد البحري، والمالية، والاستثمار، والاقتصاد الأخضر، والهجرة، والأمن.

كما نوّه بـ “القيمة الرفيعة التي بلغتها المبادلات التجارية بين الطرفين، وهو ما مكّن المغرب من تبوّء مكانة الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للاتحاد الأوروبي في القارة الإفريقية؛ حيث بلغ حجم المبادلات بين الطرفين، في عام 2021، أزيد من 45 مليار أورو. وهو ما يعني أنها تضاعفت ثلاث مرات خلال 10 سنوات.

وخلال هذا اللقاء، أعرب أخنوش عن ارتياحه للتلاؤم والانسجام بين أجندة الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، التي يباشرها المغرب تحت القيادة الملكية، ودعم الاتحاد الأوروبي ومرافقته لهذه المشاريع، في أفق التسريع في تنزيل عدد منها، خلال سنة 2023. وفي الشق الاقتصادي أيضا، شكّلت زيارة بوريل مناسبة لإجراء محادثات معمقة حول سبل تفعيل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، لاسيما في أفق “الأجندة الجديدة للمتوسط”.

من جانبه، وفي أعقاب مباحثاته مع الوزير بوريطة، كشف المسؤول الأوروبي أنه تم التوقيع على اتفاقيات حول مكافحة آثار تغير المناخ، والنقل الطاقي (الطاقات المتجددة)، موضحا أن الاتحاد الأوروبي يواكب المغرب في إصلاحات هيكلية، خاصة في مجال الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم. كما تحدث بوريل عن تسهيل انخراط المزيد من المستثمرين الأوروبيين في المغرب، لدعم الشباب في البلاد، وعن تطوير شراكة طويلة الأمد في إدارة الهجرة والتعاون في مجالات جديدة مثل الرقمنة.

وفي المجال الأمني، أعلن بوريل عن التوصل إلى اتفاق لإطلاق مبادرتين جديدتين، بهدف تعزيز الشراكة الأوروبية المغربية عبر صيغ مبتكرة وشراكة أمنية أكثر تطورا، من خلال حوار أمني رفيع المستوى، سيعقد في الرباط قريبا، إلى جانب مبادرات مشتركة بين دول شمال وجنوب المتوسط.

كما ذكّر بوريل بأن الاتحاد الأوروبي يعد “أكبر شريك تجاري للرباط، حيث أزيد من نصف الاستثمارات الأجنبية في المغرب أوروبية”. مضيفا بأن هذه الشراكة “ملموسة تعتمد على حقائق حول الموارد المالية والتكنولوجية والتبادلات الاجتماعية والثقافية وليست مجرد خطابات، حيث يعيش ما يقرب من 5 ملايين مغربي في أوروبا من بينهم حوالي مليون شخص في إسبانيا وحدها”.

وبقراءة ما بين السطور، تبدو عبارة “ليست مجرد خطابات” في حديث بوريل خلال ندوته الصحفية المشتركة مع بوريطة، كما لو أنها رد على الوعود التي أطلقتها الصين خلال القمة العربية الصينية، التي انعقدت الشهر الماضي بالعاصمة السعودية الرياض. وأيضا روسيا خلال القمة الروسية الإفريقية، التي انعقدت شهر يونيو/حزيران الماضي في مدينة سوتشي الروسية. فمن الواضح أن الاتحاد الأوروبي كجزء أساسي من “الغرب”، لا ينظر بعين الرضى للتقارب المغربي مع الصين وروسيا.

ولذلك حرص وزير الخارجية المغربي على التأكيد في الندوة الصحفية المشتركة، على التأكيد على أن “الاتحاد الأوروبي يحتل مكانة مهمة، رغم سعي الرباط إلى توسيع وتنويع شراكتها مع مختلف الأطراف في العالم”.

الهيدروجين الأخضر بدل الغاز

زيارة بوريل للمغرب تصادفت مع رفض الاتحاد الأوروبي تمويل مشروع خط الغاز نيجيريا المغرب في اتجاه أوروبا. وبحسب وسائل إعلام أوروبية، فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر المشروع غير عملي وبدون فائدة، وبالتالي يعتبر ذلك ردا على دعوات رئيس نيجيريا إليها إلى المساهمة في تمويل المشروع. وبهذا الصدد كشفت زيارة المسؤول الأوروبي السامي للمغرب عن الموقف الأوروبي، بشكل واضح ونهائي، بخصوص مستقبل المشروع المثير للجدل.

فعلى هامش زيارته للمغرب، استضافت الجامعة الأوروبية-المتوسطية بفاس بوريل، وردا على سؤال حول مشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا-المغرب، أكد المسؤول بأن “المغرب لم يطلب دعما ماليا من الاتحاد الأوروبي” لإنجاز المشروع، مذكّرا بأن “تنفيذه يتطلب وقتا”، وبأن “أوروبا لا تبحث فحسب عن تعويض الغاز الروسي، بل عن التخلص من تبعيتها للغاز والمحروقات بصفة عامة. وحرص المسؤول الأوروبي السامي على توضيح الفكرة بشكل أوضح بالقول: “صحيح، نرغب في الحصول على مصدر آخر للغاز الطبيعي (بدل روسيا)، لكن في مخططاتنا بعد ست أو سبع سنوات من اليوم، لن نكون في حاجة إلى الغاز”.

ودعا بوريل عطفا على ذلك أصحاب مشروع خط أنابيب الغاز (المغرب ودول غرب أفريقيا)، إلى أن يراعوا عند تشييدهم المشروع أن يكون مناسبا أيضا لنقل الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا، مشددا في سياق ذلك على أن أوروبا تتطلع مستقبلا إلى تعويض وارداتها من الغاز بالهيدروجين الأخضر.

وقد كان موضوع إنتاج المغرب للهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا، في صلب مباحثات بوريلي مع رئيس الحكومة المغربية. في وقت شرع المغرب فعليا في إطلاق مشاريع عملاقة بمليارات الدولارات، بشراكة ومع فرنسا وبريطانيا وأستراليا والسعودية، لإنتاج الطاقات المتجددة الريحية والشمسية والهيدروجين الأخضر.

وللتذكير، فقد كانت المديرة العامة للمكتب الوطني المغربي للهيدروكاربورات والمعادن، كشفت في يونيو/حزيران الماضي، بأن “المغرب يعد العدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر خلال العقد المقبل”، موضحة بأن “المملكة أعدت ورقة طريق تشمل إطلاق أول مجمع في القارة الأفريقية لإنتاج الهيدروجين الأخضر سيحمل اسم (Cluster Green H2)”، وأن مصالحها وقعت خلال الشهور الماضية العديد من الاتفاقيات بهذا الشأن، مع مقاولات أجنبية تشتغل في مجال تطوير الهيدروجين الأخضر.

قضية “قطر غيت”

من جانب آخر، ألقى الدور المفترض للمغرب في قضية الفساد المالي التي تهز البرلمان الأوروبي، والمعروفة بـ “فضيحة قطر غيت”، بظلالها على لقاء بوريطة بالمسؤول الأوروبي السامي.

وللتذكير، فقد كانت النائبة السابقة لرئيس البرلمان الأوروبي، اعترفت جزئيا الشهر الماضي، في إطار التحقيق باتهامات بالفساد من قبل إمارة قطر لبعض أعضاء البرلمان الأوروبي بتلقي رشاوي. كما اعترف فرانشيسكو جيورجي، المساعد البرلماني وصديق كايلي، بتلقي أموال مقابل ممارسة التأثير مع آخرين على عمل مجموعته البرلمانية، من أجل إبراز نفوذ قطر وكذلك ممارسة التأثير لصالح المصالح المغربية داخل البرلمان.

وقد اعتقلت النائبة إيفا كايلي، عضوة حزب يسار الوسط PASOK-KIBNAL اليوناني في أعقاب اعترافاتها في 9 من الشهر الماضي، ووضعت قيد الحبس الاحتياطي في سجن بلجيكي، في إطار التحقيق الواسع الذي يقوده القضاء البلجيكي. وقدمت مؤخراً اعترافاً جزئياً للشرطة بشأن تورطها في الفساد وبأنها احتفظت بحقيبة مليئة بالنقود في منزلها، تقدر السلطات المبلغ بـ1,5 مليون يورو، واعترفت بأنها طلبت من والدها إخفاء جزء كبير من المبلغ قبل أن تفتش الشرطة شقته وتعتقله في بروكسل وتحجز حقيبة ممتلئة بالنقود.

وبينما استنكرت قطر التي ترفض اتهامها بتقديمها “هدايا” من أجل تمثيل مصالحها داخل الاتحاد الأوروبي، مهددة بالملف الحساس للغاز الذي تعول عليه أوروبا كثيرا، لا تزال السلطات المغربية ملتزمة الصمت ولم تعلق على المزاعم. وفي الوقت نفسه رفع رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش دعوى تشهير ضد النائب الأوروبي الفرنسي السابق جوزيه بوفيه، الذي أدعى أن الرباط حاولت رشوته على هامش مفاوضات صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي.

ورد بوريطة على تلك الاتهامات خلال الندوة المشتركة التي عقدها مع الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية جوزيب بوريل بالقول، إن “الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي تتعرض من حين لآخر لتحرشات قضائية وإعلامية (أوروبية)، الهدف منها هو ضرب عمق هذه الشراكة”. بينما عبر بوريل من جانبه عن قلقه من هذه القضية، داعيا إلى تعاون الجميع (يقصد المغرب) وانتظار نتائج التحقيقات..

وكان “بيتر ستانو” الناطق باسم الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية جوزيب بوريل، اعتبر الأربعاء 4 يناير، في رده على أسئلة الصحافيين خلال مؤتمر صحافي حول زيارة بوريل إلى المغرب، قائلا: “ينبغي أن ننسى أنه في هذه المرحلة هناك مجرد ادعاءات وليس أدلة، ولم يتم الانتهاء من التحقيق بعد. فلم يقل أحد رسميا من وجهة نظر قضائية إن المغرب كدولة مذنب، وأنه يجب تجنبه في الاتصالات على المستوى الدولي”.

الأجندة الجديدة للمتوسط: الاستثمار مقابل وقف الهجرة!

كشف بوريل على هامش زيارته إلى المغرب، عن إجراء محادثات معمقة حول تفعيل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، لاسيما في أفق تنزيل “الأجندة الجديدة للمتوسط”. فبماذا يتعلق الأمر؟

في عام 1995، أطلق إعلان برشلونة استراتيجية جديدة للشراكة الأورومتوسطية، بهدف “خلق منطقة سلام وازدهار مشترك وتبادلات إنسانية وثقافية بين ضفتي شمال وجنوب البحر المتوسط. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، شكّل تخليد الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإطلاق تلك الشراكة، فرصة لتطوير الاستراتيجية لصالح الضفتين، في ضوء التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمناخية والبيئية والأمنية والخاصة بالحوكمة، التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19.

وبعد المشاورات مع دول جنوب البحر المتوسط، اعتمدت مفوضية الاتحاد الأوروبي أجندة جديدة طموحة ومبتكرة حملت اسم “الأجندة الجديدة للمتوسط”. وتشمل خطة اقتصادية واستثمارية لتحفيز الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي طويل الأجل، في جنوب البحر الأبيض المتوسط، مع وعود بتخصيص ما يصل إلى 7 مليارات يورو لتنفيذ الخّطة خلال الفترة 2021-2027. وهو ما من شأنه أن يساعد على حشد استثمارات أوروبية، خاصة وعامة، تصل إلى 30 مليار يورو في المنطقة خلال العقد المقبل.

وتهدف الخطة الجديدة إلى توحيد الجهود في مجال مكافحة تغير المناخ، وتسريع التحولات الخضراء والرقمية، وتسخير الإمكانات التي تتيحها، والمعالجة المشتركة للتهجير القسري والهجرة، وتعزيز وحدة وتصميم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وشركاء الجوار الجنوبي في ترسيخ السلام والأمن في منطقة حوض المتوسط. وذلك من خلال التركيز على خمسة مجالات من السياسة العامة، هي: التنمية البشرية والحكم الرشيد وسيادة القانون، والتحول الرقمي، والسلام والأمن، والهجرة والتنقل، والتحولات الخضراء: دعم صمود دول جنوب المتوسط في وجه التحول المناخي والطاقة والبيئة.

تستند “الأجندة الجديدة للمتوسط” على مبدأ أن “الاقتناع المشترك بأنه من خلال العمل معا وبروح الشراكة، على المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف والإقليمية، يمكن تحويل التحديات المشتركة إلى فرص لمنطقتنا الأورو-متوسطية المشتركة”. وبشكل أوضح، شرحها الممثل السامي للاتحاد الأوروبي ونائب رئيسة المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل في تصريحات سابقة قائلا: “توجه هذه الوثيقة رسالة أساسية حول الأهمية التي نوليها لجوارنا الجنوبي. علينا توحيد جهودنا المشتركة والعمل معا بشكل وثيق كشركاء ولمصلحة الجميع. وهذا ما تتمحور حوله الخطة الجديدة. نحن مصممون على العمل مع شركائنا على خطة جديدة تركز على المواطنين، وخاصة النساء والشباب منهم. لمساعدتهم على تحقيق آمالهم في المستقبل، والتمتع بحقوقهم، وبناء منطقة جوار جنوبي شامل وسلمي وآمن وأكثر ديمقراطية وأكثر اخضرارا وازدهارا”.

بينما أوضح مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف بشؤون التوسع وسياسات الجوار، أوليفر فارهيلي، أنه “من خلال الشراكة المتجددة مع جوارنا الجنوبي، نقدم بداية جديدة في علاقاتنا مع شركائنا الجنوبيين، تقوم على أساس المصالح والتحديات المشتركة وتم إعدادها بالتشاور معهم. ويكشف هذا أن أوروبا تتطلع إلى المساهمة بشكل مباشر في ازدهار واستقرار المنطقة على المدى الطويل، لا سيما في التعافي الاجتماعي والاقتصادي من أزمة كوفيد 19، وذلك من خلال حوار وثيق مع شركائنا. لقد حددنا عددا من القطاعات ذات الأولوية، من بينها خلق النمو والوظائف، والاستثمار في رأس المال البشري والحكم الرشيد. نحن (في الاتحاد الأوروبي) نعتبر الهجرة تحديا مشتركا، حيث إننا على استعداد للعمل معا لمكافحة الهجرة غير النظامية والمهربين جنبا إلى جنب مع شركائنا، لأنها تشكل خطرا علينا جميعا. وسنعمل معا لإحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع لصالح كل من جيراننا وأوروبا!”.

مختصر الكلام، أن أوروبا تبحث عن وقف الهجرة المتوجهة إليها، من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، داخل دول شمال أفريقيا من خلال إغراء هذه الأخيرة باستثمارات مهمة. وربما ليست هذه “الأجندة” الجديدة سوى تعديل لـ “أجندة” سبق أن حاول الاتحاد الأوروبي فرضها سابقا بقوة الضغوط على المغرب (المعبر الغربي للهجرة نحو أوروبا)، وعلى مصر (المعبر الشرقي)، وفشلت الخطة. فكابوس الاتحاد الأوروبي الأكبر، حاليا ومستقبلا، يظل هو موجات المهاجرين التي لا ولن تتوقف…

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس