أفريقيا برس – المغرب. منذ طفولته، كان المهدي المراكشي يعلم أن حبه للرسم ليس مجرد هواية عابرة، بل شغف عميق يشكّل جزءا من هويته، فبعد أيام طويلة في المدرسة، كان يعود إلى المنزل ملهوفا لما سيبدعه قلمه وألوانه. مصدر إلهامه؟ ألعاب الفيديو، التي شكلت عالمه الموازي وشغفه الثاني.
يقول المهدي، البالغ من العمر 25 عاما، في حديثه ليابلادي “هذا هو فعلا ما أنا شغوف به”. فقد اكتشف موهبته منذ سنته الأولى في المدرسة، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف عن تنميتها رغم لحظات الإحباط الكثيرة التي مر بها.
لكن طريقه لم يكن مفروشًا بالورود. فابن الدار البيضاء عانى في المدرسة، حيث كان يجد صعوبة في التركيز ويتخلف عن أقرانه. ويتذكر قائلا “رسبت في الباكالوريا ثلاث مرات، وفي النهاية قررت ترك الدراسة”. هذا القرار جعل من الصعب إقناع والديه بجدية حلمه. ويتذكر قائلا “لم يفهموا الأمر، ولا ألومهم، مثل كثير من الآباء، أرادوا لي مستقبلا تقليديا وآمنا. كانوا قلقين من أن أضيع وقتي في شيء لا يدر المال”.
رغم ذلك، أصر المهدي على المضي قدما. وبين أعمال مختلفة مارسها لتأمين لقمة العيش، استقر أخيرا في وظيفة توصيل، تُمكّنه من تمويل شغفه. طيلة أربع سنوات، كان يعمل يوميا من 12 إلى 14 ساعة، ليجني حوالي 1500 درهم في الأسبوع، يخصّص معظمها لشراء لوازم الرسم.
“أحيانا كنت أعود إلى المنزل وأرسم مباشرة في قبو البيت. كنت خائفا من أن أفقد شغفي أو أبتعد عن حلمي. المهدي المراكشي
في لحظة فارقة قبل عامين، قرر المهدي تجربة شيء جديد: الرسم على الملابس. “اشتريت بنطلون جينز وقلت لنفسي: لما لا؟ أنا أرسم بالفعل، فلنجرب هذا المجال”. استلهم فكرته من فنان كولومبي كان يرسم على الملابس وحقق رواجا على الإنترنت.
واجه المشروع شكوكا من أقرب الناس إليه وقال “سألني والداي: من سيشتري بنطلونا مرسوما يدويا؟”، لكنه كان يؤمن بأن هناك سوقا لهذا النوع من الفن. بدأ بتصميم ثلاث قطع من الجينز، ليس لبيعها وإنما لاختبار صلابتها ومتانتها. “غسلتها، جففتها، صححت الأخطاء، ودرست الألوان التي تتلاشى سريعا. أردت التأكد من أن من يشتريها يمكنه ارتداؤها وغسلها كأي بنطلون عادي”.
“بكيت بعد أول بيع على إنستغرام”
مع إطلاقه لصفحته على إنستغرام، بدأ المهدي في جذب الانتباه. ويقول “عندما بعت أول قطعة جينز عبر إنستغرام، فرحتي كانت كبيرة لدرجة أنني بكيت”. في قبو منزله، ابتكر المهدي تصاميم جريئة مستوحاة من ألعاب الفيديو، الرسوم المتحركة اليابانية، وثقافة الشارع. وشهدت مسيرته دفعة كبيرة حين تلقى طلبا من نجم البوب المغربي سعد لمجرد، الذي أعجب بأعماله. “أرسل لي بنطلونه، شرح ما يريده، وأعجبه ما صنعته. أنجزت له ثلاث قطع، وارتداها، التقط صورا بها، وشاركها على الإنترنت، مما منحني دفعة قوية”.
هذا النجاح مكّنه من الاستثمار في آلات الخياطة، وهو ما مثّل له لحظة مؤثرة. “في مراهقتي، كنت أساعد والدتي في خياطة بيجامات تبيعها في سوق العلال. كانت تقول لي دائما: ستحتاج إلى هذه المهارة يوما ما. وها هي الأيام تثبت صدق حدسها”.
بات المهدي اليوم يصمم ويخيط سراويله بنفسه، ما سمح له بتقليص التكاليف والتحكم الكامل في الجانب الإبداعي. “هذا يتيح لي تصميم جينز بمساحة أكبر للرسم، عكس ما كنت أشتريه من متاجر الأزياء السريعة، التي كانت مكلفة جدا”.
من سعد لمجرد إلى باولو لوندرا.. سراويل المهدي تغزو المشهد الفني العالمي
لكن الإنجاز الأبرز في مسيرته تحقق مؤخرا: ارتدى مغني الراب والمغني الأرجنتيني باولو لوندرا إحدى قطع المهدي خلال حفل مباشر في الأرجنتين. يروي المهدي بفخر: “أعتقد أنه رأى جينز سعد لمجرد، فتابعني، علق على إحدى صوري، ثم أرسل لي رسالة. أعجبه تصميم التنين. كان في جولة بأمريكا اللاتينية وكنت متحمسا جدا”.
عند استلام الطلب، عرف المهدي أنه أمام فرصة لا تعوّض. “كانت فرصتي لرؤية عملي على المسرح. هذا مهم جدا، لأن فريق الفنان يراجع كل قطعة قبل ارتدائها. كان ذلك تأكيدا حقيقيا على جودة عملي”.
اليوم، ومع الاعتراف الذي ناله، يقول المهدي “أخيرا، والداي تفهما رؤيتي” ويطمح الفنان الشاب الآن لتوسيع مشروعه ليشمل القمصان والسترات، دون أن يفقد البوصلة “الرسم هو ما أحب فعله أكثر”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس