البنك الدولي: المغرب بحاجة لـ78 مليار دولار لمجابهة تغير المناخ وتطوير الإقتصاد

19

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. ضمن سلسلة جديدة من التقارير حول المناخ والتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي شرع البنك الدولي في إصدارها، خصص أولها لرصد وتشخيص وضعية المغرب نتيجة التحول المناخي. وكشف تقرير جديد للبنك صدر يوم الجمعة الماضي (11 نوفمبر/تشرين الثاني) أن “الاستثمار في العمل المناخي الآن، من شأنه أن يحقق منافع مهمة للمغرب، ويخلق فرص شغل جديدة. فضلا عن إنعاش المناطق القروية، وإظهار المملكة كمركز صناعي أخضر، وفي الوقت نفسه مساعدتها في تحقيق أهدافها الإنمائية الأوسع نطاقا”. وأوضح تقرير الأمم المتحدة حول المناخ والتنمية، بأن “إجمالي الاستثمارات اللازمة لوضع المغرب على مسار منخفض من حيث انبعاثات الكربون، وجعله قادرا على الصمود بحلول خمسينيات القرن الحالي، سيبلغ نحو 78 مليار دولار بالقيمة الحالية للدولار. ويمكن أن تكون هذه الاستثمارات تدريجية على مراحل، لكن العائد سيكون كبيرا، مما سيجعل المغرب أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة وينمي الصادرات، بالإضافة إلى تعزيز نموه الاقتصادي.

المغرب يحرز تقدماً مثيراً للإعجاب

وتعليقا على هذا التشخيص، اعتبر “أكسل فان تروتسنبيرغ” المدير المنتدب لشؤون للعمليات بالبنك الدولي، بأنه: “نظراً للتأثيرات الناجمة عن تغير المناخ، فإن المغرب يحرز تقدماً مثيراً للإعجاب في سعيه لتحقيق مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية. وهذا التقرير الرائد يحدد له المجالات ذات الأولوية لإدارة المياه والموارد الأخرى والحد من الانبعاثات الكربونية، بطريقة تحقق الأهداف المناخية والإنمائية في البلاد”. ويقدم البنك الدولي هذا التقرير كأداة تشخيصية جديدة، تستكشف الروابط بين المناخ والتنمية، وتحدد الإجراءات ذات الأولوية اللازم القيام بها لـ “بناء القدرة على الصمود والحد من الانبعاثات الكربونية، وفي الوقت نفسه دعم النمو الاقتصادي والحد من الفقر”. كما أنه —بحسب ذات المصدر— “الأول ضمن سلسلة من التقارير المناخ والتنمية، التي سيتم إصدارها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

ويحدد التقرير 3 مجالات ذات أولوية للعمل المناخي العاجل – وهي التصدي لشحة المياه والجفاف؛ وتعزيز القدرة على الصمود في وجه الفيضانات؛ والحد من الانبعاثات الكربونية في النشاط الاقتصادي. ويتناول التقرير أيضاً القضايا المشتركة على مستوى القطاعات بين التمويل والحكامة والإنصاف.

ويعد المغرب بؤرة مناخية ساخنة، وأحد أكثر بلدان العالم التي تعاني من شح المياه؛ إذ يقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب من المياه للشخص الواحد سنويا. وتعد موجات الجفاف الأكثر تواترا وشدة، مصدراً رئيسياً لتقلبات الاقتصاد الكلي بحيث تهدد أمنه الغذائي. فعلى سبيل المثال، يشير التقرير إلى أن انخفاض إمدادات المياه بنسبة 25%، وتأثير ذلك على جميع قطاعات الاقتصاد المغربي، وانخفاض حجم المحاصيل بسبب تغير المناخ، هما عاملان يؤديان إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6.5%. كما يحذر التقرير من أنه على الرغم من أهمية الاستثمارات المنجزة في البنية التحتية للمياه، إلا أنه لا يزال من الضروري تدعيمها بإصلاحات على مستوى السياسات في قطاع المياه، وإحداث تغييرات في سلوكيات المستهلكين.

الانبعاثات الكربونية ستكلف 53 مليار دولار

ويتعرض المغرب أيضاً لمخاطر الفيضانات، حيث تم تسجيل 20 فيضاناً كبيرًا على مدى العقدين الماضيين، وهو ما تسبب في خسائر مباشرة بلغت في المتوسط نحو 450 مليون دولار سنويا، مع تأثير غير متناسب على الأسر الأكثر احتياجاً. ويؤدي ارتفاع منسوب سطح البحر إلى تفاقم مخاطر الفيضانات في المناطق الساحلية، التي يسكنها أكثر من 65% من سكان المغرب اللبالغ عددهم 37 مليون نسمة. وهذه المناطق الساحلية يتمركز بها أكثر من 90% من النشاط الصناعي.

لقد وضع المغرب برنامجاً متطوراً لإدارة مخاطر الكوارث وتمويلها، لكن يجب عليه —بحسب البنك الدولي—تفعيل ذلك البرنامج بشكل كامل. وتشير التقديرات التي وردت في التقرير إلى أن المستوى الأمثل للاستثمارات في إدارة مخاطر الكوارث، من شأنه أن يغطي ما يعادل 15-20% من متوسط الخسائر السنوية التي يتعرض لها المغرب. وهذا يتطلب استثمارات سنوية تبلغ في المتوسط بين 67 و90 مليون دولار.

ويحدد التقرير المسارات الرئيسة الكفيلة بالحد من الانبعاثات الكربونية في الاقتصاد، بحلول خمسينيات القرن الحالي، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعميم استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع. ويتوقع التقرير بهذا الصدد أن يتم توليد أكثر من 85% من الكهرباء بالمغرب من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050؛ مسجلا ارتفاعا بنسبة 20%. وستتحقق للبلد مكاسب صافية لا تقل عن 28 ألف فرصة شغل سنويا (140 ألف فرصة في خمس سنوات)، في قطاع الطاقة المتجددة وأنشطة كفاءة استخدام الطاقة وحده، إلى جانب فرص شغل أخرى في مجال الهيدروجين الأخضر، أو النقل الكهربائي، أو الاستثمارات الصناعية الخضراء الأخرى. ما يعني بالمحصلة زيادة فرص التشغيل وتعزيزها.

كما يشير التقرير إلى أن الحد من الانبعاثات الكربونية سيكلف المغرب نحو 53 مليار دولار، على مدى العقود الثلاثة القادمة. لكن هذا الأمر سيتحمله القطاع الخاص إلى حد كبير، في حال تم تنفيذ سياسات قطاعية مناسبة. وسيكون صافي الأثر الاقتصادي إيجابيا من حيث انخفاض الحاجة إلى الوقود الأحفوري وواردات الأمونيا، وزيادة أمن الطاقة، والحد من تلوث الهواء. بالإضافة إلى تقليل التعرض لصدمات الأسعار الدولية للهيدروكربونات. وسيفتح الحد من انبعاثات الكربون الباب أمام المغرب ليصبح دولة مصدرة للطاقة الخضراء، والهيدروجين الأخضر بالصافي، ومركزاً للاستثمارات والصادرات الصناعية الخضراء، لا سيما إلى الاتحاد الأوروبي.

يعاني المغرب حاليا من أسوأ جفاف في 40 عاما

ويرى التقرير الجديد للبنك الدولي أنه “بوجه عام، ستتطلب الاحتياجات الاستثمارية للحد من آثار تغير المناخ والتكيف معها، استثمار المغرب ما يقدر بنحو 23,3 مليار دولار من الآن وحتى عام 2030، مع تركيز ثلثي هذا المبلغ على احتياجات التكيف، و25 مليار دولار أخرى بين عامي 2031 و2040؛ ثم 29,5 مليار دولار إضافية بين عامي 2041 و2050”. وينوه التقرير إلى أن “الاستثمارات لأجل تلبية احتياجات التكيف أهمية خاصة في المناطق القروية”، حيث تشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أن التغيرات الناجمة عن تغير المناخ (مدى توافر المياه، وانخفاض غِلال المحاصيل) يمكن أن تؤدي إلى هجرة أكثر من 1,9 مليون مغربي من المناطق القروية (نحو 5,4% من مجموع السكان) بحلول العام 2050. وعلى الرغم من أن تدابير التكيف يمكن أن تحد من عدد المهاجرين، بسبب تغير المناخ من المناطق القروية، ينبغي على المغرب أيضا اتخاذ خطوات لإحداث فرص شغل أكثر تنوعا في تلك المناطق.

وكان المغرب أطلق عدة استراتيجيات وخطط للتصدي للتحديات المناخية، من بينها مخطط “المغرب الأخضر” الموجه للتنمية الفلاحية من خلال مساندة أنشطة الفلاحة المراعية للمناخ، وكذا “الاستراتيجية الوطنية للطاقة” الموجهة لتعميم استخدام الطاقات المتجددة، و”الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030″، و”المخطط الوطني للمناخ لعام 2030″.

وفي سياق متصل، علق جيسكو هنتشل المدير الإقليمي لدائرة المغرب العربي ومالطا في البنك الدولي قائلا: “يوضح تقرير المناخ والتنمية الخاص بالمغرب كيف يمكن للمملكة الاعتماد على الجهود السابقة، والانتقال إلى المستوى التالي، للشروع في تحول طموح نحو مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية وقادر على الصمود في مواجهة الصدمات، على نحو يشمل الجميع ولا يستبعد أحدا، وفي إطار نموذج التنمية المستدامة. ومن المرجح للغاية زيادة فرص التشغيل وتحقيق الشمول للجميع. لكن في الوقت نفسه، ستكون الاحتياجات الاستثمارية لمثل هذا التحول كبيرة. وبالتالي من الضروري تهيئة بيئة مواتية وداعمة للقطاع الخاص”.

للتذكير، تمثل تقارير مجموعة البنك الدولي القطرية حول المناخ والتنمية، دراسات تشخيصية أساسية جديدة تتناول بالتحليل تغير المناخ واعتبارات التنمية. وستساعد هذه التقارير البلدان المعنية بها —بحسب البنك الدولي—على تحديد الأولويات. فضلاً عن تحقيق الأهداف الإنمائية الأوسع نطاقاً. ولأجل ذلك، تستند هذه التقارير إلى بيانات وبحوث دقيقة، وتحدد المسارات الرئيسية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة ونقاط الضعف المحددة إزاء أخطار تغير المناخ. ويشمل ذلك التكاليف والتحديات والمنافع والفرص الناجمة عن كل هذا.

وتوصي هذه التقارير باتخاذ إجراءات ملموسة ذات أولوية، لمساندة التحول نحو مسار منخفض الانبعاثات الكربونية يكون قادرا على الصمود في مواجهة الصدمات. كما تهدف هذه التقارير، بوصفها وثائق عامة متاحة للجمهور، إلى إثراء معلومات الحكومات والمواطنين والقطاع الخاص وشركاء التنمية وتمكين المشاركة في أجندة التنمية والمناخ. وستمثل هذه التقارير مراجع لدراسات تشخيصية أساسية أخرى لمجموعة البنك الدولي، وعملياتها في البلدان المعنية، وعملياتها التي تستهدف المساعدة في جذب التمويل بوجه عام والتمويل المباشر للعمل المناخي عالي الأثر.

التحول المناخي يُدمر القطاع الفلاحي

تقرير البنك الدولي: المغرب في حاجة إلى 78 مليار دولار لمجابهة تغير المناخ وتطوير الإقتصاد
تحذر التقارير الدولية منذ سنوات من أن المغرب يوجد ضمن أكثر دول العالم فقرا إلى المياه

في هذه الفترة من الجفاف الشديد وخطر الإجهاد المائي الذي يعاني من تداعياته القاسية المغرب، وفي وقت تشهد المملكة حاليا تراجع مخزون سدودها المائية، إلى ما دون 10% بينما كانت تبلغ 49% خلال خريف عام 2021، تدعو المنظمات المغربية غير الحكومية المدافعة عن البيئة إلى اتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على ما تبقى من مياه بالبلاد. وفي مقدمتها الوقف الفوري لزراعة بعض أنواع الفاكهة، مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر، التي تستنزف كميات كبيرة من المياه الجوفية. فالخبراء المغاربة يقولون إن إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكادو يتطلب 1000 لتر من مياه الري، بينما يمكن أن تستهلك حبة بطيخ واحدة وزنها 10 كيلوغرام، ما يصل إلى 500 لتر من المياه العذبة غير المتجددة!

والحال أن المغرب ينتج مئات آلاف الأطنان منها سنويا. لكن المنظمات البيئية تحذر من أن هذه الإجراءات غير كافية للتخفيف من حدة الوضع في المملكة. وليس القطاع الزراعي وحده المتضرر بشدة من التحولات المناخية. لقد كان قطاع إنتاج العسل الطبيعي ومشتقاته بالمغرب هو الأكبر عربيا، حيث كان يضم نحو 910 آلاف مزرعة لتربية النحل يستغلها نحو 36 ألف مربي للنحل، بحسب إحصائيات تعود للعام 2019. ارتفع إنتاج النحل بمعدل 69 % خلال عشرة أعوام في المملكة، منتقلا من 4,7 أطنان في 2009 إلى قرابة ثمانية أطنان في 2019؛ محققا رقم تعاملات يفوق مليار درهم (نحو 100 مليون دولار)، بحسب أرقام وزارة الفلاحة المغربية.

لكن اختفاء النحل خلال العام الجاري كان شديدا، إلى درجة أنه أثار اهتماما عالميا، وخصصت له الحكومة مساعدة بقيمة 130 مليون درهم (نحو 13,5 مليون دولار)، لتخفيف وقع الكارثة على المربين، بعد أن فتحت تحقيقا حول أسباب الكارثة بتاتا بالبلاد، عهد به إلى “المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا)”. وأرجع هذا الأخير في بيان “هجر أسراب النحل لمزارع تربيتها ظاهرة غير المسبوقة في المغرب إلى التغيرات المناخية، مستبعدا فرضية إصابتها بوباء”، كما سبق أن ذهبت شائعات. ونفس التشخيص أصدره اختصاصيون عالميون حين ألقوا باللائمة في هذه الظاهرة إلى الجفاف الحاد، الذي يضرب المغرب منذ ثلاث سنوات، وهو الأسوأ من نوعه منذ 40 عاما. وهذان نموذجان فحسب، على ما يتعرض له القطاع الفلاحي من تدمير نتيجة للتحول المناخي، وأيضا بسبب الخيارات الزراعية الخاطئة.

التحول المناخي يُثقل كاهل الاقتصاد

أصبحت المخاطر المناخية واضحة بشكل متزايد في المغرب. إذ يتسبب الجفاف الحالي في انخفاضٍ حاد في محاصيل الحبوب، بتزامن مع الضغط الذي تمر به أسواق الغذاء العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا. وهو ما يشكل تحدياً كبيرا للأمن الغذائي المغربي. بالإضافة إلى ذلك، فقد وصلت كميات المياه المخزنة في السدود الرئيسة في المغرب إلى أدنى مستوياتها التاريخية، مما يعني أنه إذا لم ترتفع مستويات هطول الأمطار خلال الأشهر المقبلة، فقد تبدأ مدن مختلفة في مواجهة شح حاد في إمدادات مياه الشرب. وتستجيب السلطات العمومية المغربية لهذا التهديد الخطير، من خلال تسريع برنامج تحلية مياه البحر. فلحسن الحظ أن المغرب لديه شريط ساحلي كبير يناهز 3500 كلم على بحرين: الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، لكن توفير الموارد المالية الضرورية لإنشاء حوالي 20 محطة لتحلية المياه كما هو مخطط له، يضع على عاتق البلد المحدود الموارد، أعباء كبرى إضافية.

حقق الاقتصاد المغربي معدل نمو كبيرا بلغ بحسب تقرير سابق للبنك الدولي 7,9% العام الماضي، مستعيدا بذلك الخسائر التي ضربت قطاعاته الإنتاجية خلال السنة الأولى من الجائحة. ومع ذلك، فقد أدت سلسلة من الصدمات المتداخلة التي ضربت البلاد، إلى تباطؤ مفاجئ في النشاط الاقتصادي، بحيث انخفض نمو إجمالي الناتج المحلي بشكل حاد إلى 0,3% فقط خلال الربع الأول من العام 2022. ويرجع ذلك —وفقا للبنك الدولي دائما—إلى التأثير السلبي للغاية لموجة أخرى أكثر قسوة من موجات الجفاف، هي الثالثة والأسوأ التي يواجهها المغرب خلال السنوات الأربع الماضية. مما سيؤدي إلى انكماش حاد مُتوقع في إجمالي الناتج المحلي الزراعي. بالإضافة إلى ذلك، فقد تأثر المغرب، بوصفه من البلدان المستوردة للطاقة والغذاء، تأثراً شديداً بصدمات أسعار السلع الأولية التي أثارتها الحرب في أوكرانيا.

ونتيجة لذلك، ارتفع التضخم في الأشهر الأخيرة ليصل إلى 8% (كانت في حدود 2% فقط لسنوات) في شهر أغسطس/غشت الماضي. وقد اعتمدت الحكومة المغربية عددا من التدابير للتخفيف من آثار ضغوط الأسعار على الأسر وعلى قطاعات محددة من الاقتصاد، بما في ذلك زيادة كبيرة في حجم الموارد المالية العامة المخصصة لدعم المواد الأساسية الأكثر استهلاكا، كغاز البوتان والدقيق والسكر. ويضع اللجوء إلى مثل هذه التدابير ضغوطا إضافية على الإنفاق العام، على الرغم من أن انتعاش الإيرادات الضريبية يسمح للحكومة بخفض عجز الموازنة. واستجابة للطفرة التضخمية غير المتوقعة، رفع البنك المركزي (بنك المغرب) سعر الفائدة الأساسي بمقدار 50 نقطة أساس إلى 2%، وهو أول تشديد للسياسة النقدية منذ بداية تفشي الجائحة.

واحات جنوب المغرب: التغير المناخي يُدمر الجدار الأخير أمام الصحراء

نتيجة الجفاف الحاد تلتهم الحرائق واحات الجنوب المغربي منذ عامين

أطلقت منظمة السلام الأخضر (غرينبيس) الدولية غير الحكومية الناشطة في حماية البيئة، قبل حوالي العامين، حملة دعت من خلالها السلطات الحكومية المغربية إلى «لعب دور قيادي في المفاوضات والمنتديات العالمية المتعلقة بقضية المناخ، وذلك عبر رفع مستوى الالتزامات الدولية لمكافحة آثار تغير المناخ دفاعا عن ثقافة وثروة وتراث المغرب».

وتقول المنظمة في تصدير حملتها التي حملت شعار (لِنَحْم واحات المغرب)، إنه «في صحرائنا الشاسعة، في هذه الرمال الذهبية المتوهجة، واحات غنية بتنوعها البيولوجي وشعوبها وثقافتها المميزة. تدعم الواحات الحياة في الصحراء، هناك تتجمع أشجار النخيل والمساحات الزراعية الأخرى، وهناك تعيش الشعوب الأصلية لهذه المنطقة. هذه الواحات التي تنبض بالحياة في خطر الاختفاء الى الأبد إذا لم نتحرّك الآن…والسبب تغير المناخ!»

وتضيف “غرينبيس” بأنه سبق أن «أعلن عزيز أخنوش، عندما كان وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بأن ما يقرب من ثلثي الموائل في واحة المغرب قد انقرضت خلال القرن الماضي. وتسارعت هذه العملية في العقود الأخيرة مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير». لتختم المنظمة محذرة من أنه «مع اعتمادنا على حرق الوقود الأحفوري كمصدر رئيس ووحيد لإنتاج الكهرباء، ارتفعت درجة حرارة الأرض وأصبحت هذه الواحات أكثر حرارة بحيث شهدت تغييرات جذرية في نظامها الإيكولوجي: حرارة عالية، وتصحّر، ونقص في الموارد المائية».

وسبق لـ “غرينبيس” أن دقت ناقوس الخطر في تقرير حول تأثير المناخ على البلدان العربية، من أن «ارتفاع الحرارة يهددها بالزوال لما له من تأثير كبير على مواردها المائية، التي ساهمت في انخفاض المحاصيل الزراعية ونشاطات تربية المواشي، ما أدى إلى نزوح سكانها».

وأشار التقرير المذكور إلى أن أرقاما رسمية مغربية تشير إلى أن المغرب فقد ثلثي نخيل واحاته خلال القرن الماضي. فبعد أن كانت تقدر بـ 14 مليون تقلص عددها إلى أقل من 4 ملايين نخلة. فنتج عن ذلك تراجع النشاط الزراعي وهاجر أغلب شباب الواحات للعمل في مدن أخرى، بسبب تزايد معدلات الجفاف من مرة كل خمس سنوات إلى مرة كل سنتين.

جغرافيا، يمتد المجال الواحي على ثمانية أقاليم و12 جماعة، هي: الرشيدية (28 جماعة)، وفكيك (6جماعات)، وتنغير (12 جماعة)، وورزازات (6جماعات)، وزاكورة (22 جماعة)، وطاطا (19 جماعة)، وكلميم (11 جماعة)، وآسا-الزاك (9 جماعات). فهي إذن تحيط بالمغرب من جهات: الجنوب الشرقي والجنوب والجنوب الغربي. ولذلك شكلت الواحات على مدى قرون طويلة درعا منيعا ضد التصحر، على الرغم من أن النظام البيئي للواحة بطبيعته هش للغاية، لدرجة أن النشاط البشري والبيئة الطبيعية لا ينفصلان. فلطالما اعتمدت الممارسات الزراعية التقليدية على استدامة النظام البيئي الطبيعي، حيث تعتمد المحاصيل والثروة الحيوانية على الموارد الطبيعية المتمثلة أساسا في الماء والتربة.

تغطي الواحات ما يقرب من 15% من مساحة المغرب، وتأوي قرابة مليونَي نسمة (ما يقارب 5,3 % من مجموع سكان المغرب). لكن أوضاعها شهدت تدهورا مضطردا خلال العقود الأخيرة، حيث تقلص مستوى الفرشات المائية بما بين 15 إلى 20 مترا، وتراجع إنتاج التمور بنحو 34%. لكن بالمقابل تضاعفت الكثافة السكانية بالنصف تقريبا في الواحات، خلال ربع قرن، في سياق يتميز بتدهور مستوى المعيشة بترافق مع تدهور المحيط البيئي الواحي. ويتهيكل نظام الزراعة المتبع بشكل أساس حول نخيل التمر الذي يوفر الحماية للتربة والمحاصيل من أشعة الشمس، ويمثل بالتالي محور النظام البيئي للواحة والنواة الصلبة لموارد مجتمعها. ويتكون النظام البيئي للواحة من عدة طبقات من الزراعة المروية: أشجار النخيل التي تحجب أشجار الفاكهة الأخرى (الزيتون واللوز والرمان)، والتي بدورها تحمي محاصيل حبوب الظل (الذرة والشعير والقمح)، وبستان الخضر (بصل، جزر، نعناع، قرع) وأيضا علف الحيوانات (البرسيم).

وتمتح الواحات مواردها المائية بشكل رئيس من السلاسل الجبلية للأطلسين الصغير والكبير، عبر مستجمعات المياه. وتضمن الفيضانات المسجلة سنويا إعادة تغذية المياه الجوفية على طول النهر الرئيس وروافده. وتتم تعبئة المياه في الواحة باستخدام نظام “خطارة” تقليدية، وشبكة من أنابيب الري عمرها قرون تسقي النخل والمزروعات بشكل جماعي. وتربط الخطارة مصدر مياه واحد أو أكثر يتم جمعه عند سفح الجبل، ويقع على بعد بضع مئات الأمتار من الواحات، بالأراضي المروية.

وعلى مدى مئات السنين تم تكييف نظام الري العبقري هذا مع البيئة المحلية. لكن بتدهور النظام البيئي للواحات تدريجيا خلال العقود الأخيرة، ثم فقدان واحات بأكملها وقع التخلي عنها من طرف ساكنيها. فانكشفت جلية وصادمة للأسف حقيقة أن الحاجز البيئي الهائل ضد التصحر الذي كانت تمثله الواحة يتفتت. وهكذا يستفيد تقدم الصحراء من تمزق الواجهة، حيث تصبح كل واحة مهجورة بابا مفتوحا واسعا لتقدم الصحراء التي تغمره بالرمال والجفاف.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس