“الثقوب الدودية” تكشف غموض ميكانيكا الكم

1
"الثقوب الدودية" تكشف غموض ميكانيكا الكم

أفريقيا برس – المغرب. عندما يذكر “الثقب الأسود” تقفز إلى الذهن مباشرة تلك “الوحوش الكونية” التي تبتلع الضوء والنجوم، وكان السؤال الذي سيطر على ذهن العلماء طوال عقود هو مدى خضوعها لقواعد ميكانيكا الكم التي تحكم عالم الذرات والجسيمات.

ومن أهم قواعد عالم الكم أن لكل نظام كمي حالة أرضية، أي أدنى مستوى للطاقة يمكن أن يصل إليه، وعند تبريد النظام إلى أبرد نقطة يستقر في هذه الحالة الأرضية، وتقترب الإنتروبيا (مقياس الفوضى الداخلية للنظام) من الصفر تقريبا.

والسؤال الذي حاول العلماء الإجابة عنه: هل الثقوب السوداء، على الرغم من ضخامة جاذبيتها، تتصرف أيضا وفق هذه القواعد الكمية؟ بمعنى آخر: هل لها حالة أرضية مستقرة مثل الأنظمة الكمية الصغيرة؟

كانت الحسابات التقليدية التي أجراها العلماء تقول إن الإنتروبيا الخاصة بالثقب الأسود تنقلب إلى “قيم سالبة”، وهي نتيجة غير منطقية علميا تشبه قول أحدهم عند تعبيره عن خلو مكتبته من الكتب إنها “سالب 10 كتب”، بدلا من قوله إنها “صفر”، وهذا ما وضع العلماء في مأزق، وبدؤوا يتساءلون عما إذا كانت تلك الوحوش الكونية لا ترضخ لقوانين الكم أم إن الطريقة المستخدمة في الحساب لا تقودهم للنتيجة الصحيحة.

رحلة عبر أنفاق الزمكان

لحل هذا اللغز، استخدم باحثو معهد لينويبر للفيزياء النظرية وقسم الفيزياء بجامعة كاليفورنيا بيركلي في دراسة نشرتها مؤخرا دورية “فيزيكال ريفيو ليترز” أدوات رياضية جديدة، وقرروا النظر في “الطرق السرية” التي قد يأخذها الزمكان نفسه عند درجات الحرارة المنخفضة، وهي الطرق التي تُعرف في الفيزياء باسم “الثقوب الدودية”، والتي أسهمت في ظهور الصورة بشكل أوضح بعد إدخالها في الحساب.

و”الثقوب الدودية” هي ممرات تربط مناطق مختلفة من الزمكان، ويمثل إدخالها في الحسابات مجموعات إضافية من الاحتمالات أو الطرق التي يمكن للطاقة والحالات الداخلية للثقب الأسود أن تتوزع بها.

بمعنى آخر، فإن إدراج تلك الثقوب الدودية يسمح بحساب جميع الترتيبات الممكنة للثقب الأسود بشكل أدق، بما في ذلك الحالات الأكثر غرابة وخفية، والنتيجة أنه بعد إدخال تأثيرها أصبح من الممكن حساب “الإنتروبيا شبه المجمدة” بشكل صحيح.

وهذه الطريقة أظهرت أن الإنتروبيا تبقى موجبة وتقترب من الصفر عند أبرد درجات الحرارة، وذلك يؤكد أن الثقب الأسود له حالة أرضية معزولة ويتصرف مثل أي نظام كمي طبيعي.

ولفهم ما فعله الباحثون، تخيل أن لديك صناديق مملوءة بالكرات، وكل كرة تمثل حالة محتملة للطاقة داخل الثقب الأسود، وفي الحسابات التقليدية كان الباحثون يحسبون الفوضى أو الإنتروبيا بناء على صناديق محدودة فقط، فتبدو النتائج أحيانا غير منطقية، مثل أن تصبح الإنتروبيا سالبة.

لكن العلماء أدركوا أن هناك مسارات خفية بين الصناديق، مثل ممرات صغيرة تسمح للكرات بالتحرك من صندوق لآخر، وهذه الممرات تمثل “الثقوب الدودية”، وعندما أضاف العلماء هذه الممرات في الحسابات أصبح بالإمكان النظر إلى كل ترتيب محتمل للكرات، بما في ذلك تلك التي كانت “مخفية” من قبل.

والنتيجة أن الحسابات أصبحت دقيقة، والإنتروبيا أصبحت موجبة وتقترب من الصفر عند أبرد درجات الحرارة، تماما كما هو متوقع في الأنظمة الكمية الطبيعية.

خطوة نحو فهم الجاذبية الكمية

ويمثل هذا الاكتشاف تقدما كبيرا في حل أحد أصعب الأسئلة في الفيزياء الحديثة، وهو كيفية الجمع بين ميكانيكا الكم والجاذبية، فميكانيكا الكم تصف عالم الجسيمات الصغيرة بدقة، بينما الجاذبية (النسبية العامة) تصف حركة الأجرام الكبيرة جدا مثل النجوم والكواكب والثقوب السوداء، والجمع بين النظامين كان دائما صعبا جدا.

ولأن العلماء أثبتوا أن الثقوب السوداء لها حالات داخلية دقيقة، أي إن لها “ترتيبا محددا” على المستوى الكمي، رغم ضخامة جاذبيتها، فهذا يشبه اكتشاف أن جسما هائلا جدا له تفاصيل صغيرة جدا يمكن قياسها ودراستها، تماما مثل الذرات والجسيمات.

وهذه النتائج من شأنها أن تفتح الباب للتقريب بين ميكانيكا الكم والجاذبية لفهم ما يُسمى “بالبنية الميكروية للزمكان”، أي التركيب الداخلي للكون على أصغر المقاييس، وكيف تتصرف المادة والطاقة على المستوى الكمي داخل الثقب الأسود.