العربي الحفيضي: إلصاق الاحتجاجات بجهات أجنبية شيطنة للحراك

5
العربي الحفيضي: إلصاق الاحتجاجات بجهات أجنبية شيطنة للحراك
العربي الحفيضي: إلصاق الاحتجاجات بجهات أجنبية شيطنة للحراك

آمنة جبران

أفريقيا برس – المغرب. اعتبر العربي الحفيضي، عضو السكرتارية الوطنية لجمعية “أطاك المغرب”، في حواره مع “أفريقيا برس”، في معرض تعليقه على موجة الاحتجاجات التي يشهدها المغرب مؤخرًا، أن “محاولات إلصاق الحراك الشبابي بجهات أجنبية هو هروب إلى الأمام وسلوك غير مسؤول، يسعى إلى شيطنة الحراك والعمل على إيقاف أفواج جديدة من الالتحاق به”.

وفي رأيه، “الوضع الصعب الذي تعيشه الشبيبة هو الذي فجّر احتجاجاتها، خاصة أن هؤلاء الشباب قد احتكوا بنظام تعليمي مفلس، ويعرفون معاناة عائلاتهم في المستشفيات العمومية الفاقدة للتجهيزات الأساسية”، لافتًا إلى أن “حراك جيل زد هو حراك مستقل، حيث حدد لنفسه مساحة بعيدة عن الأحزاب والجمعيات”.

وأشار إلى أن “الحكومة ليست لديها أية نية في التفاعل مع مطالب الشباب، وخير دليل على ذلك سياساتها في المجال الاجتماعي، وهي سياسات تدعم الخوصصة والقطاع الخاص على حساب الحاجيات الأساسية للمواطنين”.

يشهد المغرب احتجاجات ضد الأولويات الحكومية، ما هو موقفكم من هذا الحراك الاجتماعي؟

أولًا، أود الإشارة إلى أنني عضو السكرتارية الوطنية لجمعية أطاك المغرب، المناضلة ضد السياسات الليبرالية، وضد المديونية العمومية، والاتفاقيات التجارية الاستعمارية المسماة باتفاقيات التبادل الحر، وتعتبرهما أدوات لنهب بلدنا وسلب سيادته، لكنني سأعبر هنا عن آرائي الشخصية.

موقفي من هذا الحراك هو الموقف نفسه من كافة الحراكات الاجتماعية التي شهدها المغرب في العقدين الأخيرين على الأقل، بدءًا بحركة 20 فبراير، التي كانت في سياق الحراك العام الذي عرفته منطقتنا منذ الشرارة التي أطلقها موت البوعزيزي بتونس احتجاجًا على “الحقرة”، مرورًا بحراك إيفني، ثم حراك الريف، وزاكورة، وطاطا، وجرادة.

هذه الحراكات، ذات القوة والحجم والتنظيم المتفاوتين، تتقاطع كلها في المطالبة بتلبية مطالب اجتماعية، كتوفير الماء الصالح للشرب، وصولًا إلى بناء المستشفيات والجامعات، أو سن سياسة تنموية حقيقية في خدمة السكان.

وقد كنا دائمًا إلى جانب هذا الحراك الشعبي من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية للمواطنين والمواطنات. واليوم، نحن مساندون أيضًا، دون قيد أو شرط، للحراك الشبابي، دون رغبة في توجيهه أو السيطرة عليه. إننا نقف إلى جانبه.

برأيك، من يقف وراء هذه الاحتجاجات؟ وهل هناك جهات خارجية تقف وراءها، خاصة وأن هناك اتهامات في الفضاء الرقمي موجهة للجزائر، وأخرى ترى في إسرائيل وأمريكا المستفيد الأساسي من التغيير في المغرب؟

أولًا، سببت عقود من السياسات الليبرالية في تدمير قطاعي الصحة والتعليم، وفقد المواطنون والمواطنات الثقة فيهما بشكل شبه كامل. فكل من يملك حدًا أدنى من الإمكانيات، يلجأ إلى القطاع الخاص، سواء المصحات أو المدارس الخصوصية، وأضحت المؤسسات العمومية أوكارًا مكتظة وبتجهيزات ضعيفة وأحيانًا معطلة، وفقد جزء هام من العاملين بها الحافزية والرغبة في العمل.

كانت بداية الثمانينات منعطفًا بالنسبة للسياسة الصحية، بتبني الدولة لسياسات التقويم الهيكلي، أي التراجع عن الخدمات العمومية، وكرّس مرسوم 1999 هذا الوضع بالتخلي عن مجانية الصحة العمومية، بإدخال نظام “سيغما” لهذه المؤسسات.

ويعرف قطاع الصحة ضعفًا حادًا في البنية التحتية، ونقصًا في الموارد البشرية والتجهيزات، وفوضى في تسيير المستشفيات، مما أدى ويؤدي إلى تدني جودة الخدمات الصحية وصعوبة وصول المواطنين والمواطنات إليها، خاصة في المناطق النائية. وزاد من ذلك هجرة الأطباء إلى الخارج بحثًا عن ظروف عمل أفضل. وحاليًا، لا يغطي المغرب إلا حوالي 54% من حاجياته من الأطر العاملة بالمستشفيات.

وفي سنة 2023، كان المغرب يتوفر على حوالي 4.35 سرير لكل عشرة آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي هو 9.28، وهذا يعني أن المغرب بعيد جدًا عن هذا المعدل، ويحتاج إلى مضاعفة عدد الأسرة للاستجابة للحاجيات اللازمة.

أما التعليم، فهو قطاع لتفريخ الجهل والبطالة، بطرق بيداغوجية سلطوية عتيقة لا تتجاوب إطلاقًا مع حاجيات الشبان والشابات، ولا مع حاجيات وأولويات سكان البلد. ورغم الضجيج الرسمي حول اعتبار التعليم قطاعًا يحظى بأهمية خاصة، فإن الأرقام تكذب ذلك.

لا يزال المعدل الوطني لنسبة الأمية، حسب معطيات 2024، في صفوف من هم فوق 10 سنوات، يصل إلى 24.8%. أما نسبة الأطفال ما بين 12 و14 سنة غير المدرسين، فهي 7.2%، وترتفع إلى 12.1% في العالم القروي. أما الفئة العمرية ذات الخمس وعشرين سنة وما فوق، والتي تتوفر على مستوى تعليمي إعدادي على الأقل، فتمثل 39.1%.

هؤلاء الشباب، جيل زد، هم الشباب المولودون في نهاية التسعينات وبداية العقد الثاني من هذا القرن، وهو ما يمثل حوالي 9 ملايين مغربي (تقريبًا ربع السكان)، احتكوا بالنظام التعليمي المفلس هذا، ويعرفون معاناة عائلاتهم في المستشفيات العمومية الفاقدة للتجهيزات الأساسية.

يُضاف إلى كل ما ذُكر، التضييق على الحريات الفردية والجماعية، والتي ضاق مجالها خصوصًا في السنوات الأخيرة. فبعد القمع الذي تعرضت له حركة 20 فبراير، وبعد تفكيك العديد من الحراكات الاجتماعية، خاصة حراكي الريف وجرادة، عن طريق القمع والسجون، طال القمع كل الأصوات المعارضة أو المنتقدة للسياسات الرسمية، فشمل التوقيف والمحاكمات العديد من الشباب والشابات، خصوصًا الصحفيين والمدونين.

أما المعدل الوطني للبطالة في صفوف الشباب، فيصل إلى 21.3% سنة 2024.

في رأيي، هذا الوضع الصعب الذي تعيشه الشبيبة هو الذي فجّر احتجاجاتها، أما محاولات إلصاقها بجهات أجنبية، فهو هروب إلى الأمام وسلوك غير مسؤول، يسعى إلى شيطنة الحراك، والعمل على إيقاف أفواج جديدة من الالتحاق به.

وُصفت الاحتجاجات الأخيرة بالاحتجاجات الشبابية، حيث يقودها “جيل زد 212”. هل برأيك هذا الجيل قادر على إيصال صوته والدفاع عن الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة؟

كل شيء يرتبط بتطور الأحداث واستمراريتها. فقد دخل الاحتجاج أسبوعه الثاني مع احتجاجات يومية، وهذا شيء جديد؛ لم يحدث من قبل أي استمرار يومي للاحتجاجات. والوقفات والمسيرات لا تزال مستمرة في أهم المدن (الأهمية من حيث عدد سكانها) كالرباط، والبيضاء، ومكناس، وأكادير، ومراكش، وطنجة… إلخ.

بدأ النقاش في البداية على “Discord” ببضع مئات، في بداية سبتمبر الأخير، وتجاوز عدد الملتحقين بالنقاش 190 ألفًا حاليًا (إلى حد كتابة هذا النص). في المجتمعات المنقسمة طبقيًا، كل شيء يتوقف على ميزان القوة. إذا تمكن المواطنون والمواطنات من تحديد مطالبهم واتحدوا بطرقهم الخاصة للدفاع عنها، فإن الماسكين بالسلطة والثروة يُضطرون لتقديم تنازلات، وإذا لم يحدث ذلك فإنهم لن ينالوا شيئًا.

الكل إذًا متوقف على التحاق شباب جدد وفئات جديدة كالأُجراء وغيرهم، علمًا أن المطالب تهم الجميع، خصوصًا الصحة والتعليم.

هل تتوقعون تفاعل الحكومة مع مطالب الشباب؟ وكيف ستتعامل لاحتواء الاحتجاجات؟ هل ستواصل اعتماد المقاربة الأمنية رغم سلمية مطالب المحتجين وتحركاتهم؟

ليست لدى الحكومة أية نية في التفاعل مع مطالب الشباب، وخير دليل على ذلك سياساتها في المجال الاجتماعي. إنها سياسات لدعم الخوصصة والقطاع الخاص على حساب الحاجيات الأساسية للمواطنات والمواطنين.

ولكن، كما أشرت سابقًا، كل شيء يرتبط بقوة الحراك وحجمه وتطوره. غير أن التجربة المغربية بارعة في تقديم التنازلات الشكلية، وهذا ما يجب أن ينتبه له الشباب، فضلًا عن سياسة الاحتواء وخلق التفرقة في صفوف المحتجين. وكانت تجربة 20 فبراير نموذجًا حيًا لما أقول.

وفق تقديرك، ما هي أبرز إخفاقات وإنجازات الحكومة المغربية مع دخول عامها الأخير؟

الحكومة هي حكومة في خدمة الباترونات بامتياز، لذلك فنجاحاتها تتمثل أساسًا في توفير ظروف الاستثمار، أو ما يسمونه “مناخ الأعمال”، للرأسمال الأجنبي والمحلي الكبير، من إعداد للبنيات بالاعتماد على المالية العمومية، وعن طريق المديونية، وإعفاء ضريبي، وتساهل في عدم تطبيق قانون الشغل… إلخ.

مقابل ذلك، هناك تخلي عن الدعم الاجتماعي، وتقليص ميزانية الصحة والتعليم مقارنة بتطور السكان، وعموماً التخلي عن كل ما هو اجتماعي.

إذًا، يمكن القول إنها نجحت في تشجيع ودعم المستثمرين الخواص، وفشلت في سن سياسة عمومية موجهة لتلبية الحاجيات الأساسية لعموم الشعب.

ما هو تقييمك لموقف الأحزاب؟ هل هو داعم للاحتجاجات أم متوجس منها، خاصة وأنها تُقاد بلا قيادة واضحة ومطالبها يمكن أن تتغير بتطور الاحتجاجات على الميدان؟

يجب الإشارة إلى أن الحراك الشبابي حدد لنفسه مسافة عن الأحزاب والجمعيات، وقرر أن يكون مستقلًا. ومع ذلك، فالعديد من المناضلين والمناضلات يساندون الحراك بشكل فعال، خاصة شباب الجمعيات التقدمية وبعض الأحزاب اليسارية.

ويوم الأحد 05 أكتوبر 2025، اجتمع العديد من هذه الأحزاب والجمعيات، فأصدروا بيانًا مساندًا للحراك الشبابي، ودعوا الدولة إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الشبابية السلمية، وتلبية مطالبهم، وأعلنوا الوقوف إلى جانبهم.

ما هي مقترحاتكم للخروج من الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب؟

في الحقيقة، من الصعب تقديم مقترحات لحل الأزمة، فمطالب الشباب عميقة وجذرية، وتتعارض مع السياسات التي تنتهجها الدولة منذ 45 سنة على الأقل، أي منذ بداية تطبيق سياسات التقويم الهيكلي بالمغرب في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وهي سياسات تقشفية وتدميرية لقطاعي الصحة والتعليم.

وتلبية مطالب الشباب يعني في الحقيقة القطع مع هذه السياسات، أي عدم الخضوع لأوامر المؤسسات المالية، خصوصًا البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. وهذا أمر صعب في الظرف الراهن، حيث ميزان القوة يميل بشكل واضح لصالح الأغنياء.

لكن الحل ممكن مع ذلك، إن تطور الحراك وتمكن من بناء قوة ترتعد لها فرائص من هم في الأعلى. دون ذلك، وبالحفاظ على نفس السياسات الليبرالية التي ينتهجها الحاكمون، فلا حلول لمطالب الصحة والتعليم الجيدين، والتشغيل الحافظ للكرامة.

يمكن للدولة، حسب تقديرها، أن تجري حوارات مع الشباب، ولكنها لن تقدم سوى حلول شكلية، وبذلك تكون قد انحنت لمرور الموجة، ثم تنتصب من جديد وتُطبق سياساتها غير الشعبية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس