أفريقيا برس – المغرب. لم يمر وقت طويل على اندلاع الجدل الكبير حول حملة مراقبة الدراجات النارية، حتى وجدت الحكومة في المغرب نفسها في قلب عاصفة اجتماعية وسياسية جديدة، فرضت التراجع خطوة إلى الوراء بعد موجة من الغضب الشعبي وردود الفعل المتباينة.
وتعود القصة إلى بداية شهر آب/ أغسطس، حين خرجت مذكرة تقنية لـ «الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية» لمراقبة سرعة الدراجات النارية باستعمال جهاز قياس السرعة «سبيدومتر»، وهو ما أثار الجدل، حيث اعتبرها كثير من المهنيين والمواطنين قراراً متسرعاً يفتقر إلى مقاربة واقعية، في وقت لا تزال فيه آلاف الدراجات النارية المتجولة في شوارع المغرب غير مطابقة أصلاً للمعايير القانونية وعوض أن يُنظر إليه كخطوة لتعزيز السلامة، بدا الإجراء في نظر الرأي العام وكأنه استهداف مباشر للفئات الاجتماعية الهشة التي تعتمد على الدراجة النارية كوسيلة عيش وتنقل.
تفاعلاً مع الغضب الشعبي الرافض للقرار، واستعداد جهات للاحتجاج على القرار، نشرت وسائل إعلامية مغربية أخباراً بتدخل رئيس الحكومة عزيز أخنوش في الملف وتعليق الحملة لمدة 12 شهراً إلى حين ملاءمة أصحاب الدراجات للمعايير المعتمدة.
بعد ذلك، خرج وزير «النقل واللوجستيك»، عبد الصمد قيوح، المنتمي لحزب «الاستقلال»، ليؤكد بدوره اتخاذ قرار إرجاء العمل بمضامين المذكرة التي وجهتها «الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية» إلى المدير العام للأمن الوطني، والمتعلقة بالمسطرة الجديدة لمعايرة عمليات مراقبة سرعة الدراجات النارية باستعمال جهاز قياس السرعة «سبيدومتر».
هذا التباين بين الأخبار المروجة من طرف رئاسة الحكومة وبين بلاغ رسمي صادر عن وزارة النقل واللوجيستيك، يعكس، وفق متتبعين للشأن العام السياسي، خللاً في طريقة تدبير الملف، ويفتح الباب أمام قراءات متعددة حول غياب الانسجام بين مكونات الحكومة وضعف آليات التواصل الحكومي حول قضايا تلامس حياة المواطنين.
وأوضح بيان الوزارة أن هذه المسطرة الموحدة، التي كانت قد اعتمدت من طرف لجنة اليقظة التابعة للجنة الدائمة للسلامة الطرقية، تم إطلاقها بداية آب/ أغسطس الجاري، وجاءت استجابة للتزايد المقلق في عدد الوفيات لدى أصحاب الدراجات النارية، حيث تم تسجيل 1738 قتيلاً خلال سنة 2024، أي ما يمثل أزيد من 43 في المائة من مجموع قتلى حوادث السير.
وأكد البيان أن السبب الرئيسي وراء هذه الحوادث يعود إلى السرعة الزائدة الناتجة عن تعديلات غير قانونية للخصائص التقنية للدراجات، لافتاً إلى أنه «بعد الاستشارة والتنسيق مع رئيس الحكومة، تقرر مراجعة المذكرة عبر منح مهلة كافية لمالكي الدراجات بمحرك للتأكد من مطابقة مركباتهم لمعايير المصادقة، ولا سيما احترام السرعة القصوى المحددة في 50 كيلومتراً في الساعة، مع إعادة ملاءمتها».
كما شددت الوزارة على مواصلة عمليات التوعية والتحسيس عبر مختلف الوسائط السمعية البصرية والرقمية والميدانية، من أجل ضمان انخراط الفئات المستهدفة.
انتقادات سياسية
في المقابل، وجه عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب «العدالة والتنمية» المعارض، انتقادات حادة للحكومة، قائلاً: «من جديد كادت الحكومة أن تتسبب في حريق اجتماعي آخر، وَقودُه قرارات ارتجالية استهدفت مستعملي الدراجات النارية. لحسن حظنا أن عمرها الدستوري يشارف على النهاية، أو لنقل إنه انتهى فعلاً على وقع الفضائح والأزمات، وهي اليوم بحكم حكومة تصريف الأعمال، لكنها أعمال غير محسوبة»، وفق تعبيره.
وأضاف أن مشكل محركات بعض أنواع الدراجات النارية، وما تخلفه من حوادث سير مميتة، ليس وليد اللحظة، وكان يفترض أن تتخذ الحكومة بشأنه قرارات مؤسساتية بعد عملية تشاور وتوعية تراعي مصالح مستعملي هذه الوسيلة. لكن، يضيف بووانو: «الحكومة ورئيسها غير معنيين بمشاكل الفئات الضعيفة والهشة وحتى الطبقة المتوسطة، بل معنيون بالكبار الذين يستفيدون من الصفقات وتضارب المصالح والأرباح الفاحشة.»
واعتبر أن أصحاب الدراجات النارية، الذين يقارب عددهم مليوني مواطن، لا يدخلون في أجندة رئيس الحكومة إلا كورقة انتخابية، مضيفاً: «تدخل بطريقة استعراضية فيها الكثير من البروباغندا، مدعياً إعطاء الأوامر لإيقاف حملة غير محسوبة، كادت شراراتها الأولى أن تتحول إلى كرة لهب، خاصة مع ما تم رصده من استعدادات لتنظيم مسيرة وطنية للمتضررين.»
وأشار بووانو إلى أن الأمر لا يتعلق بإجراءات تقنية أو بصراع انتخابي بين أحزاب التحالف، بل بمليوني مواطن مغربي يعتمدون على الدراجة النارية كمورد رزق يومي، لافتاً إلى أن هذه الفئة تعاني أصلاً من الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات، حيث المستفيد الأكبر هو رئيس الحكومة نفسه.
كما تساءل عن مصير آلاف الدراجات الموضوعة في المحاجز الجماعية، قائلاً: «من أين سيأتي أصحابها بالمبالغ المقررة في القرار الجبائي لكل جماعة لاستعادتها؟ ومن سيعوض ما خسره هؤلاء المواطنون بسبب حرمانهم من العمل طيلة فترة حجز دراجاتهم، خاصة ونحن مقبلون على بداية الموسم الدراسي؟». وختم بالقول: «مؤسف أن هذه الحكومة لا تكاد بلادنا تخرج من أزمة بسببها حتى تدخلها في أزمة أخرى.»
وسائل إعلامية مغربية نقلت عن مصادر في حزب «الاستقلال» استغرابها مما وصفته بـ«التوظيف السياسوي» لمذكرة «الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية»، معتبرة أن الحملة الإعلامية التي روّج لها برلمانيو ومنتخبو حزب «التجمع الوطني للأحرار» كانت تهدف إلى محاصرة حزب «الاستقلال» وإظهاره كمسؤول عن الغضب الشعبي.
وأكدت المصادر أن هذه الاستراتيجية قد تخلق توترات داخل الأغلبية، خاصة أن السنة الأخيرة من عمر كل حكومة غالباً ما تشهد تصاعد الصراعات بين مكوناتها مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
جريدة «الصحيفة» علقت على الموضوع بالقول: «إن قرار رئيس الحكومة عزيز أخنوش تعليق الحملة لمدة 12 شهراً، وإن بدا استجابة لضغط اجتماعي، إلا أنه في عمقه يحمل رسائل سياسية واضحة، تؤشر على أن السباق الانتخابي نحو استحقاقات 2026 قد بدأ مبكراً».
واعتبرت أن أخنوش استثمر الملف لتقديم نفسه في صورة «المنقذ» و»المستمع للشارع»، بينما ظهر حزب «الاستقلال» ووزيره قيوح في موقع دفاعي باعتبارهما أصحاب القرار الأولي.
المسؤولية والمحاسبة
وجاء في تدوينة للإعلامي حسن المولوع: «يبدو أن الوزير قيوح من حزب الاستقلال تورّط في قرار غير شعبي، ثم تدخل أخنوش لحله بنفسه… عجيب وغريب، معركة تكسير العظام داخل الأغلبية الحكومية».
ودعا في تدوينة أخرى إلى «ربط المسؤولية بالمحاسبة»، متسائلاً عن التكلفة المالية للآلات التي اقتنتها الحكومة لقياس سرعة الدراجات النارية. وقال: «بما أنه تم تعليق القرار يعني أنه لا جدوى الآن من تلك الآلات. إذن، هذا يسمى إهدار المال العام. وإلا ما معنى اقتناء آلات دون استعمالها؟
ستقولون لي إنه تم إرجاء القرار إلى العام المقبل، سأجيبكم بأن التكنولوجيا يمكن أن تأتي بآلات جديدة لقياس السرعة، وبالتالي الوزارة المسؤولة عن القطاع ستكون مطالبة بالإتيان بالجديد»، وطالب صاحب التدوينة بالمحاسبة، لأن الأمر يتعلق بالمال العام.
وبلغة ساخرة، علّق الصحافي رشيد البلغيثي قائلاً: «لا يمكن لرئيس الحكومة المحترم أن يسمح باستمرار قرار كهذا.. وقد علّق مشكوراً حملة «أسر» الدراجات النارية، وختم تدوينته باللهجة المغربية بما مفاده: «ومن سيبقى يملأ (دراجاته) في محطات الوقود؟» في إشارة إلى أن عزيز أخنوش يملك إحدى أكبر شركات المحروقات في المغرب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس