أفريقيا برس – المغرب. قال تقرير حديث صادر عن «العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان»، إن الشباب المغربي يواجه تحديات حقيقية تهدد مستقبله، من تدهور الصحة النفسية وانتشار الإدمان، إلى ارتفاع معدلات الجريمة ونقص الفرص التعليمية والثقافية والرياضية. ويؤكد التقرير أن معالجة هذه الظواهر تتطلب سياسات شاملة تضمن حقوق الشباب وتمكنهم من المشاركة الفاعلة في التنمية المستدامة وبناء مجتمع عادل ومتوازن.
وأبرز التقرير الصادر تزامناً مع اليوم العالمي للشباب، إنه على الرغم من تزايد الوعي بأهمية الصحة النفسية، إلا أن البنية التحتية والخدمات المخصصة لها لا تزال غير كافية. حيث كشف وزير الصحة في معرض جوابه عن سؤال شفوي بالبرلمان خلال نيسان/ أبريل المنصرم أن المغرب يتوفر على 319 طبيباً متخصصاً في الطب النفسي فقط في القطاع العام، وهو عدد بعيد عن الاستجابة للمعايير العالمية، في وقت توصي منظمة الصحة العالمية بتوفير 15.3 طبيباً نفسياً لكل 10,000 نسمة كحد أدنى. لافتاً إلى أن هذا النقص الحاد يعيق حصول الشباب على الرعاية النفسية اللازمة، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية لديهم.
وأشار التقرير إلى أن معدل الانتحار بين الشباب في تزايد، ورغم تضارب الأرقام والنسب التي تصدرها منظمات دولية ووطنية، ورغم تأكيد وزارة الصحة في مناسبات متعددة على أنها لا تتوافر على أرقام مضبوطة في هذا الشأن خاصة في أوساط الشباب، إلا أن محاولة قراءة الأرقام المختلفة المصادر تؤكد على أنها أرقام مقلقة تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز خدمات الصحة النفسية، وتوفير الدعم النفسي للشباب، والعمل على إزالة الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية.
مكافحة الإدمان
وأبرزت المعطيات أن المخدرات من أخطر الآفات التي تستهدف طاقات الشباب وتعيق مستقبلهم. فوفقاً للمندوبية السامية للتخطيط، مؤسسة إحصائية، أقر 9.4% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة باستهلاك «الحشيش»/ ماريغوانا، مرة واحدة على الأقل في حياتهم، وذلك سنة 2023. كما ارتفعت حالات الاستشفاء المرتبطة بالمخدرات الصلبة بنسبة 47% خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2023، وهو ما نسبته تقارير إعلامية إلى مرصد المخدرات التابع لوزارة الصحة سنة 2023، وأكدته أرقام تقارير دولية من ضمنها تقرير الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لسنة 2025، الذي كشف عن تحولات مقلقة في أنماط تعاطي المخدرات في المغرب، خاصة وسط الفئات العمرية الشابة.
وأظهرت معطيات سنة 2023 ارتفاعاً لافتاً في استهلاك بعض المواد المخدرة بين القاصرين (0-17 سنة)، مقابل استقرار نسبي في صفوف البالغين. وحسب التقرير الأممي، فإن القنب الهندي لم يشهد تغيراً كبيراً، مع تسجيل انخفاض طفيف لدى القاصرين، مقابل استقرار في الفئات الأكبر سناً. في المقابل، سُجّل ارتفاع طفيف في استهلاك الكوكايين وسط القاصرين، ما يشير إلى بداية انتشار هذه المادة الخطرة بين الفئات اليافعة.
كما أبلغ الخبراء عن زيادة تفوق 10% في الاستخدام غير الطبي للأدوية الصيدلانية في صفوف القاصرين، ما يُبرز تفشي ظاهرة استهلاك المهدئات والمسكنات خارج الإطار الطبي، وهي مرتبطة غالباً باضطرابات نفسية غير مشخّصة أو سهولة الولوج إلى هذه المواد. أما مادة الهيروين، فرغم استقرارها النسبي، فقد شهدت زيادة طفيفة بين 5 و10% لدى من تقل أعمارهم عن 18 سنة، مما يضع هذه الفئة تحت خطر الإدمان الشديد.
ووفق التقرير، فإن 4.1% من الشباب يستهلكون مواد ذات تأثير نفسي، فيما يعاني 3% منهم من إدمان حقيقي، وقدر عدد متعاطي المخدرات عن طريق الحقن بنحو 18,500 شخص، بينهم نسب مرتفعة من المصابين بالتهاب الكبد الوبائي «سي» (59%) وفيروس نقص المناعة المكتسبة (11.4%).
أما تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي لشهر آب/ أغسطس الحالي، فقد سجل وجود ستة ملايين مدخن في المغرب، بينهم نصف مليون قاصر، إضافة إلى انتشار ألعاب الرهان بين 3.3 ملايين شخص، 40% منهم معرضون مباشرة لخطر الإدمان. هذه الأرقام تؤكد الحاجة إلى مقاربة شمولية للوقاية والعلاج وإعادة الإدماج، بدل الاقتصار على الجانب الزجري.
الهجرة السرية والجريمة
إلى ذلك، أشار التقرير الحقوقي إلى أن الهجرة غير النظامية تشكل هاجساً للشباب المغربي. ففي سنة 2024، تم إحباط 78,685 محاولة للهجرة غير الشرعية بزيادة 4.6% عن سنة 2023. لكن هذا الجانب الأمني لا يعالج الأسباب العميقة المرتبطة بالبطالة والتهميش وضعف الأفق المستقبلي، ما يدفع الشباب إلى المخاطرة بحياتهم. وسجلت المنظمة الدولية للهجرة في نفس السنة قرابة 2000 وفاة أو اختفاء، 78% منهم شباب دون الثلاثين.
كما أبرزت المعطيات أن الجريمة والجنوح يمثلان تحدياً بارزاً، حيث بلغت نسبة النزلاء دون 30 سنة 43% سنة 2024. كما أن 63% من جرائم العنف ارتكبها شباب بين 16 و25 سنة، فيما أصبحت ظاهرة حمل السلاح الأبيض في المدارس مقلقة. هذا الواقع يعكس خللاً تربوياً واجتماعياً، ويفرض اعتماد مقاربة وقائية وإدماجية. وكشف استطلاع أنجز سنة 2023 أن 87% من الشباب يؤيدون منع دخول المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، و55% يعارضون أن يكون المغرب بلد استقبال. أما المجلس الوطني لحقوق الإنسان فقد سجل سنة 2024 تحول الفضاء الرقمي إلى بؤرة لخطاب الكراهية، ما يستدعي تعزيز التربية على التسامح وتفعيل القوانين ذات الصلة.
وترى «العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان» أن معالجة هذه التحديات تتطلب رؤية شاملة تُشرك الشباب في صياغة السياسات العمومية وتطبيقها، مع ضمان العدالة المجالية والنوعية، وتطوير آليات التقييم المستقل، وتوسيع التحول الرقمي، باعتبارها عناصر أساسية لضمان إدماج الشباب في التنمية المستدامة وبناء مستقبل وطني عادل ومنصف.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس