أفريقيا برس – المغرب. منذ عقود، كان الحديث عن “بلورات الزمن” أقرب إلى الخيال العلمي منه إلى الواقع. فكرة أن هناك مادة قادرة على التحرك في نمط متكرر دون استهلاك للطاقة بدت مستحيلة، حتى وصفها بعض العلماء بأنها “حركة دائمة محرّمة” في قوانين الفيزياء.
لكن في السنوات الأخيرة بدأ العلماء يصنعون أولى النماذج المخبرية لهذه البلورات الغامضة، أما اليوم، فقد خطا فريق من جامعة كولورادو بولدر خطوة جديدة لافتة، حيث صنع أول بلورة زمنية مرئية للعين المجردة باستخدام البلورات السائلة بحسب دراسة نشرت في الدورية المرموقة “نيتشر”.
هذا الاكتشاف لا يعني أننا سنبني آلة زمن في القريب العاجل، لكنه يحمل إمكانات كبيرة في مجالات التكنولوجيا، من أمن العملات إلى تخزين المعلومات.
وإليك فيديو قصير صادر من الجامعة يوضح البلورات الزمنية أثناء حركتها الدورية:
ما البلورات الزمنية؟
في الفيزياء التقليدية، نعرف البلورات بأنها مواد تتكرر فيها الذرات بشكل منتظم في المكان، مثل الملح أو الألماس. لكن العالم الحائز على نوبل فرانك ويلتشيك اقترح عام 2012 فكرة غريبة: ماذا لو وُجدت مادة يتكرر فيها النظام البنيوي ليس في المكان فقط، بل أيضًا في الزمن؟
البلورة الزمنية إذن هي مادة تملك “نمطًا متكررًا” يظهر بشكل دوري بمرور الوقت، حتى من دون إضافة طاقة جديدة للنظام. بعبارة مبسطة، هي حالة من المادة تظل “تنقر” أو “تتذبذب” بنفسها بشكل دائم.
للتبسيط، يمكن تشبيه البلورة الزمنية بساعة تدق بلا بطارية، فهي تنبض بشكل متكرر في الزمن دون أن تستهلك طاقة إضافية.
في البلورات التقليدية، الذرات ترتب نفسها بنمط يتكرر في المكان، أما في البلورات الزمنية، فإن الجزيئات أو البنى الفيزيائية تُظهر نمطًا يتكرر في الزمن، أي أنها تدخل في حركة دورية لا تنتهي من تلقاء نفسها.
وقد نشر الباحثون من جامعة كولورادو بولدر مقطعا قصيرا يوضح كيفية عمل هذه البلورات:
قوانين الفيزياء
رغم أن الفكرة تبدو وكأنها تكسر قوانين الفيزياء، لكن البلورات الزمنية لا تكسر قانون بقاء الطاقة لأنّها لا تُنتج طاقة جديدة ولا تستهلك وقودا خفيا، بل إنّها تكتفي بإعادة ترتيب بنيتها الداخلية بشكلٍ دوري عبر الزمن.
ففي حين أنّ البلورات التقليدية تظهر نمطا متكررا في الفضاء، ما يعني تغيرا فعليا لحالتها يتطلب طاقة، تظهر البلورات الزمنية نمطا متكرّرا في الزمن نفسه. هذا التكرار ليس حركة ميكانيكية تحتاج إلى مصدر طاقة، بل هو انعكاس لحالة استقرار داخلية يفرضها النظام الفيزيائي على نفسه.
يمكن تشبيه الأمر بصفٍّ من الأشخاص يصفقون بإيقاع منتظم، التناسق في الأصوات يعطي إحساسا بوجود “دورة” زمنية متكرّرة، مع أن كل فرد لا يضيف طاقة إضافية للنظام ككل.
على هذا النحو، تظل البلورات الزمنية ضمن حدود قوانين الفيزياء، فهي تكشف لنا عن شكل جديد من التنظيم في الطبيعة، لا عن خرق لقانون بقاء الطاقة.
بلورات سائلة
المحاولات السابقة لصناعة البلورات الزمنية اعتمدت على أنظمة معقدة مثل الأيونات المحصورة أو الكيوبتات الكمية، وغالبًا لا يمكن رؤيتها إلا بأجهزة متخصصة.
الجديد في الدراسة الأخيرة أن الفريق العلمي استخدم البلورات السائلة (المعروفة من شاشات الهواتف والتلفاز)، لأنها تملك خصائص تجعل جزيئاتها تصطف بترتيب منظم، لكنها في الوقت نفسه مرنة وقابلة للتحفيز بالضوء أو الكهرباء.
عندما تم تسليط الليزر على هذه البلورات في ظروف معينة، بدأت تظهر أنماط لونية متكررة، تنبض بشكل مستمر وتعيد نفسها في الزمن، كما لو كانت لوحة حية تتغير ثم تعود إلى وضعها الأصلي.
هذه الأنماط يمكن رؤيتها تحت المجهر، وفي بعض الحالات بالعين المجردة، وهو ما يجعل هذا الإنجاز مختلفًا عن كل المحاولات السابقة.
بل وبتكديس عدة بلورات زمنية فوق بعضها، استطاع الفيزيائيون إنشاء أنماط أكثر تعقيدًا، بما في ذلك ما يُطلقون عليه “رمزًا زمنيًا”، يظهر في هذا الفيديو من جامعة كولورادو بولدر:
تطبيقات واعدة
هذا الاكتشاف يثبت أن البلورات الزمنية ليست مجرد حالات غريبة في أنظمة كمومية معقدة، بل يمكن صنعها في أنظمة مادية عيانية تسهل دراستها. وهذا يقربها من المختبرات اليومية ويتيح مراقبتها بشكل مباشر.
تمتلك البلورات الزمنية تطبيقات مستقبلية واعدة في الأمن ومكافحة التزوير، فالأنماط الزمنية المميزة يمكن استخدامها كـ”توقيع بصري” فريد، أشبه بختم لا يمكن تقليده بسهولة، مما يجعلها وسيلة لتوثيق النقود أو البطاقات الذكية.
وبما أن البلورة الزمنية تملك حالة متكررة مستقرة، يمكن استغلال هذه الخاصية لتخزين البيانات بشكل أكثر استقرارًا وموثوقية.
أضف لذلك أن هذه البلورات تعتمد على الضوء والبلورات السائلة، ومن ثم قد تمهد لتطوير أجهزة جديدة تجمع بين المرونة البصرية والاستقرار الزمني.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس