صحيفة لوموند والصحراء المغربية

3
صحيفة لوموند والصحراء المغربية
صحيفة لوموند والصحراء المغربية

أفريقيا برس – المغرب. مقال رأيعلى مدى أكثر من ستين عاما، حافظت صحيفة لوموند قضية الصحراء المغربية على خط تحريري ثابت: فباسم القانون الدولي والعلوم السياسية، تجاهلت الصحيفة اليومية الأرشيفات العسكرية والدبلوماسية التي تؤكد الوحدة الترابية للمغرب. وقد ساهمت ثلاثة شخصيات -وهم المؤرخ روجي لو تورنو، والجنرال جورج كاترو، ورجل القانون هنري مارشا- في صياغة خطابها الاستعماري، الذي تبنته وروجت له أيضا المجلة الشهرية التابعة لها، لوموند ديبلوماتيك.

في حين تتيح مراكز مثل الأرشيف الوطني لما وراء البحار(إيكس آن بروفانس) الوصول إلى المصادر الأساسية، يبدو أن لوموند تتخفى أحيانا وراء حصن تحريري. أراد ديغول أن تكون الصحيفة «الأولى والأفضل»، وذكر نوشي: «كانت الطبقة السياسية والأوساط الفكرية تستقي معظم معلوماتها من لوموند». ولكن هل يمكننا حقا استخلاص المعلومات الأساسية عن الصحراء منها، في حين أن خطها التحريري الثابت، منذ عام 1957، كان يشكك في الوحدة الترابية للمغرب؟

يكشف تواتر المقالات المتعلقة بالحدود عن فجوة بين حقائق الأرشيفات الفرنسية وروايات الأكاديميين والجنرالات والقانونيين الذين عبئوا خلال معارك الصحيفة الكبرى. لقد تحولت هذه الأخيرة إلى قاعدة معطيات لدعم الانفصال، مفضلةً العلوم السياسية والأنثروبولوجيا كـ«حصان طروادة» للتشكيك في الأسس التاريخية للسيادة المغربية.

مفارقة فرنسية: لسان حال اليسار الاستعماري

كانت الإمبراطورية الإفريقية من صنع الجمهوريتين الثالثة والرابعة. في هذا السياق، ما الرابط بين اليسار الفرنسي وواجهته الفكرية، لوموند، والسياسات الاستعمارية الجديدة التي دبرت انطلاقا من باريس، وخاصة من الجزائر؟ أكدت مقالات هذه الصحيفة، التي تحظى بقراءة واسعة في إفريقيا، أن «المغرب الغازي» يلحق الضرر بالقارة. والأدهى من ذلك أن البعض ألقى باللوم في تخلف مالي على الحملة المغربية عام 1591 ضد إمبراطورية سونغاي.

شكل هذا الخطاب غطاء لمشروع انطلق من الجزائر وطرابلس: إعادة إنشاء المنطقة المشتركة للأقاليم الصحراوية (Organisation commune des régions sahariennes-OCRS). يشير تييري فيستر (Thierry Pfister) إلى أنه عشية هزيمة اليسار بعد ماي 68، «أعادت لوموند متابعة الجماعات اليسارية (…) إلى القسم السياسي»، مضفية طابعا رسميا على تحول النقاش بعيدا عن البرلمان وحده. لكن في ما يتعلق بالصحراء وحدودها، عبأت الصحيفة ثلاث شخصيات:

– روجي لو تورنو، مؤرخ متهم بتاريخ المغرب والمغرب الكبير، مقللا من شأن البعد الصحراوي.

– الجنرال كاترو، مدير الحدود الجزائرية المغربية والموريتانية نيابةً عن المغرب.

– هنري مارشا، رجل قانون، وزير مفوض.

استند المخطط الاستعماري إلى فكرة فعالة: جعل الصحراء أرضا خلاء سادتها الفوضى قبل «الحضارة». روجت لوموند لهذه الصورة في مواجهة المطالب التاريخية المغربية. بين عامي 1957 و1958، دبرت معركة خاسرة حشدت لها ثلاثة «خبراء» كان هدفهم تبرير بقاء المنطقة المشتركة للأقاليم الصحراوية.

عندما تحرك لوموند الأكاديميين: حالة روجي لو تورنو

لم تكن لوموند ولوموند ديبلوماتيك مجرد شاهدين على الجدل الدائر حول الصحراء، بل كانت منشوراتهما أداة لتمرير مواقف الدولة الفرنسية ومشاريعها الاستعمارية (المنطقة المشتركة للأقاليم الصحراوية، وعزل الركيبات عن دائرة نفوذ المغرب بحسب جاك شابان-دلماس، والتشكيك في مغربية الصحراء).

تؤكد الوثائق الدبلوماسية والعسكرية التي رفعت عنها السرية استمرارية السلطة المغربية على الصحراء. ومع ذلك، غالبا ما أنكرت مقالات صحيفة لوموند هذه الحقائق أو قللت من شأنها، مروجة لصورة «المغرب التوسعي».

سواء تعلق الأمر بروجي لو تورنو، أو الجنرال جورج كاترو، أو رجل القانون هنري مارشا، فقد ساهموا جميعا، كل بطريقته، في تسويق خطاب استعماري متطابق: ثلاثة شخصيات مختلفة، لكن بخطاب واحد: خطاب إضعاف الحقوق التاريخية للمغرب.

إن الموقع الذي يتكلم منه له دلالته. أُطلق سراح لو تورنو عام 1944، وسافر إلى المغرب، وانضم إلى مركز الدراسات العليا الإدارية الإسلامية (CHEAM) تحت رعاية روبير مونطان (رئيس الاستعلامات خلال حرب الريف)، ثم إلى جامعة آكس أن بروفانس، مستودع الأرشيفات الجزائرية والمغاربية والإفريقية التي تناقض أطروحاته. وبدلا من مواجهة هذه المصادر المتاحة بسهولة، ألقى محاضرات عديدة (في برينستون، بدءً من عام 1958).

في 26 فبراير 1958، أكد في صحيفة لوموند: «إن الحجج التي يثيرها بعض المغاربة لدعم إمبريالتهم تفتقر إلى السند التاريخي»، مؤيدا عمليا مشروع المنطقة المشتركة للأقاليم الصحراوية. وأكد على اكتشاف فرنسا للمعادن، ومشاركة السكان «بدون صعوبة» في الانتخابات الجزائرية، وغياب التعلق التلقائي بالعرش الشريفي.

ومع ذلك، تبين الأرشيفات التي رفعت عنها السرية أن فرنسا أعادت استخدام هياكل المخزن التي يعود تاريخها إلى القرن السابع عشر. واعترف لو تورنو بـ«المغربية المتقطعة» للصحراء، في حين كان يميل إلى ضم الحدود لصالح الجزائر والمنظمة المشتركة للأقاليم الصحراوية.

جورج كاترو: ازدواجية خطاب الجنرال

ولدت صحيفة لوموند في 18 دجنبر 1944؛ وفي العام نفسه، افتتح الجنرال كاترو في الرباط شارع 18 يونيو 1940 وسد إمفوت لمحاصرة الحركة الوطنية في معقله الحضري. وقد تميز الجنرال بإصداره أمرا بمنع أي صحيفة من تغطية مظاهرات النساء في نونبر 1944.

في 7 مارس 1957، كتب في صحيفة لوموند: «لقد دحض البروفيسور روجي لو تورنو الحجج القانونية المستمدة من الماضي التاريخي الذي استشهد به سي علال الفاسي (…). وتبين هذه الدراسة أن المنطقة الصحراوية الواقعة جنوب نهر درعة، وخاصة موريتانيا، لم تكن في أي وقت من الأوقات خاضعة لإدارة ممثلي السلاطين…».

هذا التصريح متناقض، إذ تظهر الأرشيفات العسكرية أن قيادة الحدود، التي أُنشئت عام 1930، كانت تابعة للمغرب. في عام 1934، أصبحت تحت إشراف القيادة العليا للقوات في المغرب. ونصت المادة الرابعة من لوائحها على وضع المنطقة الواقعة وراء خط العرض 25 تحت تصرفها. وأشار النقيب دوباس إلى أنه «كما في عام 1930، أصبحت قيادة الحدود تابعة للمغرب». وعند الاستقلال (1956)، أصبحت تندوف تابعة لأكادير، بينما كانت بير مغرين وعين بنتيلي تابعة لفرع الهندسة العسكرية الفرنسية في المغرب.

لكن كالعادة، فإن الطابع غير المغربي لتندوف هو محاولة لطمس شهادة الجنرال كونار (Quennard)، الذي ذكر في رسالة إلى الحاكم العام للجزائر:

«أ. الوضعية السياسية. السيطرة المغربية كاملة، وكل شيء يحدث في تندوف كما لو أن الساورة قد ضمت إلى المغرب. -وجود ملحق للبريد الشريفي (في تندوف)، وطوابع بريدية تحمل اسم تندوف-المغرب، والرسائل لا يمكن ختمها إلا بالطوابع المغربية. – إمدادات من المغرب وحصص غذائية مغربية. – العملة الجزائرية، في الواقع، غير متداولة، إلخ… ب. إن الاعتراض على هذا الوضع، والمزايا التي يجنيها المغاربة منه، والتقاليد القديمة التي تعود إلى عهد المرابطين وماء العينين، تجعل الركيبات يعتبرون أنفسهم مغاربة. كما أن ملحقة الساورة تشكل حاليا حلقة وصل بين المغرب وغرب إفريقيا الفرنسي»1.

الصمت إزاء جيش التحرير المغربي

الأدهى في الخطاب الذي روجه هؤلاء الخبراء الثلاثة يكمن في صمتهم: لا أحد منهم تحدث عن جيش التحرير المغربي، مع أنه شارك في الكفاح المسلح لتحرير الصحراء قبل ظهور جبهة البوليساريو بوقت طويل. أما كاترو، الوفي لفن التعتيم منذ 1944، فلم يتفوه بكلمة واحدة في هذا الشأن.

في الوقت الذي تنشر فيه هذه المقالات في صحيفة لوموند، كان جيش التحرير المغربي يقاتل القوات الإسبانية في «الصحراء الغربية»، كما هو موضح في خريطة أعدتها المخابرات الفرنسية. تمركزت الجماعات المسلحة في مناطق بعيدة كالداخلة والعيون والسمارة. لم تجد هذه الخريطة من ينشرها، حتى بعد رفع السرية عنها في سنوات التسعينيات.

خريطة أعدتها المخابرات الفرنسية

هنري مارشا: من أداة استعمارية إلى شاهد مؤيد للمغرب

في مقاله المنشور في مجلة العالم الإسلامي والمتوسطي (REMMM) عام 1971، أشار مارشا إلى أنه بموجب معاهدة فاس واتفاقية مدريد، ظلت «المنطقة الإسبانية»، بما فيها وادي الذهب، تحت سلطة السلطان المغربي:

«ستبقى المناطق المشمولة في منطقة النفوذ هذه (…) تحت السلطة المدنية والدينية للسلطان، وستدار تحت إشراف خليفة يتمتع بتفويض عام ودائم من السلطان، وبموجبه يمارس جميع الصلاحيات التي يملكها السلطان».

يرى مارشا أن فشل المغرب في استعادة صحرائه عام 1956 يعزى جزئيا إلى غياب إسبانيا عن مفاوضات إنهاء الاستعمار. لم يوقع المغرب قط معاهدة حماية مع مدريد.

ثلاثة خطابات وحقيقة واحدة: صحيفة لوموند تراهن على «لامغربية الصحراء»

تكشف القراءة المتقاطعة لروجي لو تورنو، والجنرال جورج كاترو، وهنري مارشا عن تقاطع خطاباتهم في خدمة مشروع المنطقة المشتركة للأقاليم الصحراوية. تم إغفال عنصر رئيسي: رفض السلطان محمد الخامس التفاوض على ترسيم الحدود والانضمام إلى المنطقة المشتركة للأقاليم الصحراوية. حتى أن العديد من مخطوطات هؤلاء المؤلفين ظهرت في ملفات وزارية حول الحدود الجزائرية المغربية: شكلت صحيفتا لوموند ولوموند ديبلوماتيك واجهةً للمواقف الفرنسية المدروسة في ماتينيون.

وفي السياق ذاته، شكلت عملية إيكوفيون ضوضاء إعلامية تهدف إلى فرض صورة «المغرب الغازي» مع تجاهل المشروع الانفصالي لـ«بلاد الركيبات».

تشهد برقية من جاك شابان دلماس إلى وزير الخارجية (14 أبريل 1958)، بعد أربعة أيام من استعادة المغرب لطرفاية، على ما يلي:

«بهذه العودة، يستعيد المغرب سيادته على إقليم (…). ألا يغرى (…) بخلق (…) نوع من النزعة «الاسترجاعية» بين السكان الخاضعين للسيادة الفرنسية والإسبانية (…) مصالح فرنسا متطابقة مع مصالح إسبانيا (…). من المستحسن (…) عزل قبائل الركيبات عن النفوذ المغربي وتبني موقف فرنسي-إسباني مشترك»2.

شعار ينبغي الالتزام به

لم تكن الحملة الإعلامية التي شنتها صحيفة لوموند بين عامي 1957 و1963 سوى قناة للمشروع الانفصالي الذي رسمه جاك شابان دلماس. لكن القارئ الساذج لن يحتفظ سوى بفكرة بسيطة، مرسخة كشعار: «الطابع غير المغربي للصحراء».

في نهاية المطاف، خدم المؤرخ والجنرال ورجل القانون، طوعا أو كرها، خطا تحريريا يتماشى مع مشروع استعماري، دحضته في الغالب الأرشيفات العسكرية والدبلوماسية. مع اعتراف الرئاسة الفرنسية عام 2024 بمغربية الصحراء، أصبح على صحيفة لوموند الآن مواءمة سرديتها مع الحقائق التي كشفت عنها الأرشيفات. شعارها لعام 1944 الذي هو «توفير معلومات واضحة وصادقة وكاملة»، يفرض عليها ذلك.

1. تقرير الكولونيل كونار، قائد فرقة عين الصفراء، كولومب-بشار، 16 شتنبر 1946، الأرشيف الوطني لما وراء البحار تحت رقم 28H/3.

2. أرشيف الشؤون الخارجية، لاكورنوف، المغرب 212، 1956-1968.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس