هل صمتت هيئات حقوق المستهلك في المغرب عن ارتفاع الأسعار؟

14
هل صمتت هيئات حقوق المستهلك في المغرب عن ارتفاع الأسعار؟
هل صمتت هيئات حقوق المستهلك في المغرب عن ارتفاع الأسعار؟

أفريقيا برس – المغرب. لم يعد من حديث مفضل وأثير لدى المغاربة خلال هذه الأيام سوى عن الأسعار والغلاء وارتفاع أسعار بعض المنتجات الاستهلاكية وتجاوزها سقف الممكن حسب القدرة الشرائية للمواطنين.

تعبير المغاربة عن استيائهم من ارتفاع الأسعار انعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تغيرت ملامح العديد من الصفحات، لتغرب أخيراً التفاهة التي انزوت بعيداً في ركن غير مرئي من التدوينات والتعليقات، فالأمر مهم حسب مغاربة “فيسبوك” أو “تويتر” أو “إنستغرام”، إنه يتعلق بالأسعار والغلاء والشكاوى المنتشرة، والغضب الذي ترى علاماته واضحة في تدوينات أخرى سارت على درب الاحتجاج الرقمي.

الحكومة، من جهتها، تقدم تبريراتها وتربط واقعة ارتفاع الأسعار بالوضع العام في العالم وتداعيات جائحة فيروس كورونا وما تلاها من محاولات حثيثة للاقتصاد العالمي من أجل التعافي، ورغم ذلك فالمواد الأساسية التي تدخل في مجال صناعة المنتجات الاستهلاكية ما زالت مرتفعة.

تهافت الشركات على زيادة الأسعار

بالنسبة لمغاربة التواصل الاجتماعي، فالوضع العام في العالم ليس مبرراً للحكومة كي تقف مكتوفة الأيدي أمام تهافت الشركات على الزيادة في الأسعار وتجاوز السقف المسموح به الذي يجب أن يكون علوه محدداً بناء على القدرة الشرائية للمواطن، وليس بناء على الظرفية العامة التي يجتازها العالم.

المغاربة يريدون من حكومتهم أن تحدّ من هجمة الشركات على جيوبهم، وأن تحافظ على مسافة الأمان بين الدخل والأسعار، وأن يكون هناك ردع لكل من تجاوز هذا الخط الأحمر الذي يمس مباشرة موائد المغاربة.

الحال نفسه شمل المحروقات التي صارت موضوعاً يومياً لدى المهنيين وغيرهم من مستعملي الطريق، لكن بحكم ارتباط المحروقات بمهن النقل، فإن المنتمين لهذه القطاعات أكثر تضرراً من غيرهم، وهو ما أكده فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وشدد على أن الحكومة ستضرب على أيدي المضاربين، كما تحدث عن باقي الأسعار وارتفاعها. ولم يشمل استياء المغاربة الحكومة فقط، بل حتى جمعيات حماية المستهلك لم تصدر أي بيان في الفترة الأخيرة، والتزمت الصمت، وفق تتبعنا لمستجدات الموضوع، وهو التساؤل الذي طرحه المغاربة بكل بساطة، أين هي هذه الجمعيات؟

صحيح أن هذه الإطارات الجمعوية هي تطوعية وليس لها سوى سلطة التعبير عن رأيها، ولا تتجاوز صلاحياتها التنبيه وحتى الاحتجاج الذي يكفله القانون في إطاره الموضوعي، لكن يبقى صمتها بالنسبة للمواطنين غير مفهوم وغير مبرر أمام تزايد الهجوم على قدرتهم الشرائية.

وعلى سبيل الغوص في موضوع المستهلك وحمايته، وقدم أحد الفاعلين في مجال حماية المستهلك، وهو شمس الدين عبداتي، الرئيس الشرفي لـ “المنتدى المغربي للمستهلك”، توضيحات بخصوص “قضية ارتفاع الأسعار”، وتساؤلات حول “مسؤولية من؟”.

وقد أكد أن موضوع حماية المستهلك يعتبر “قضية جوهرية وأساسية، علماً بأنها – كما يعتقد كثير منا- ليست قضية أسعار تراقب أو مخالفة تضبط، بل هي منظومة متكاملة من المعايير غايتها النهائية خلق بيئة تجارية منصفة، نظيفة وصحية وسليمة وآمنة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف المتعاملة في السوق، وعلى رأسها بشكل خاص (المستهلك)”.

ثقافة حماية المستهلك

ووفق الفاعل الجمعوي والمهتم بمجال المستهلك والاستهلاك، “فإن ثقافة حماية المستهلك ضرورية من أجل توعية كل طرف بحقوقه وواجباته”، وأبرز عبداتي أن الفاعلين “الجمعويين المشتغلين في مجال الدفاع عن المستهلك مع تحريم الغش والاحتيال التجاري وانتهاك حقوق المستهلك وحظر الممارسات الاحتكارية، والزيادات في الأسعار غير المشروعة، ولكننا مع الممارسات التجارية السليمة لأنها في النهاية تؤدي دون شك إلى خلق سوق متوازن تختفي فيه كل أشكال الغش والفساد في الممارسات التجارية والخدماتية”.

وانتقل إلى الزيادة في الأسعار “التي باتت اليوم حديث الساعة، والتساؤلات المطروحة عن دور جمعيات ومنظمات الدفاع عن المستهلك، وليس حمايته كما هو شائع خطأ، ذلك أن دور هذه الجمعيات أساساً هو دور دفاعي حين يتم اللجوء إليها من أجل رفع الضرر عن المستهلك، في إطار ما يسمح به القانون الحالي على علاته، هذا أولاً، والدور الثاني لها هو دور توعوي”.

ويضيف المتحدث موضحاً: “أما الحماية في حد ذاتها، فهي من النظام العام ومن اختصاص الدولة وأجهزتها الإدارية المختصة، والحماية الحقيقية أيضاً هي حماية المستهلك لنفسه من نفسه، بحيث يمكنه فعل الكثير من ذاته، لأنه هو سيد السوق، إذ بدون المستهلك لا توجد سوق استهلاكية ولا نشاط تجاري”.

وحسب عبداتي، فإنه “في ظل الوضعية الحالية وما تعرفه السوق من ارتفاع في الأسعار يمكن تأسيسه في اتجاهين متناقضين”، ويفصل الفاعل الجمعوي في الاتجاه الأول الذي “هو ما تقدمه الحكومة والسلطات المعنية من تبريرات، ويسايرها الفاعل الاقتصادي بدواعي الأزمات الدولية والإقليمية الناجمة عن (كوفيد)، مثل أسعار النقل بفعل الأزمة أسعار المحروقات، وارتفاع أسعار المواد الأولية، الخ”.

أما الاتجاه الثاني، فهو كما يقول “التركيز أساساً على أن التجار هم المسؤولون عن ارتفاع الأسعار، وهذا أمر فيه حيف كبير للتجار وخاصة التاجر الصغير والمتوسط، لأنهم هم الحلقة الثالثة الأضعف في عملية التموين وحركة الأسعار”.

وبناء على ذلك، يتساءل المتحدث، “إذن، من المسؤول عن حركة ارتفاع الأسعار في السوق؟”، في اعتقاده “الشخصي أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة بحكم القانون، بحيث هي المسؤولة عن وضع استراتيجية استهلاكية، تكون دائماً معززة بدراسات توقعية لاتجاهات الأسواق وحركة الأسعار الدولية والإقليمية، وإنجاز الدراسات المسبقة عن تحولات وتقلبات الأسعار، خاصة عند حدوث الأزمات”، وثانياً يضيف عبداتي، “كذلك هي مسؤولة عن عدم انضباط الأسواق وتنظيمها بشكل محكم وفعال، بحيث تكون هذه الأسواق مؤهلة لامتصاص الأزمات وتدبيرها وفقاً للقدرة الشرائية للمستهلك”.

أما المسؤول الثاني، حسب الرئيس الشرفي لـ”المنتدى المغربي للمستهلك”، عن ارتفاع الأسعار “فهي الشركات والموردون والموزعون؛ لأنهم أدرى الناس بتقلبات الأسواق وأسعار المواد (لأن التاجر والبائع في السوق يظل خاضعاً لهؤلاء وللأسعار المفروضة عليه من قبلهم). أما المسؤول الثالث عن ارتفاع الأسعار، يضيف عبداتي شمس الدين، “هم بعض التجار المضاربين والمحتكرين للسوق وللتموين غير المشروع، وهم في الغالب متواطئون مع بعض المنتجين، خاصة فيما يتعلق بالمواد المنتهية الصلاحية أو المهربة وإدخال تعديل على تاريخ ومصدر السلع بشكل غير مشروع، وانتهاز فرص الزيادة في الأرباح من خلال دعوى بأن السلع مفقودة في السوق، وذلك على حساب صحة وسلامة المستهلك وجيبه”.

ويختم عبداتي سلسلة المسؤولية عن ارتفاع الأسعار، بالمسؤول الرابع الذي “هو المستهلك نفسه، حيث لا يملك ثقافة الشراء العقلاني والموضوعي”، وهنا يوضح المتحدث، أن “اليوم أصبحت ثقافة الشراء العقلاني ذات أهمية قصوى في استقرار السعار وتوازن السوق، بحيث إن المستهلك لا يقتني سوى ما هو في حاجة إليه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمستهلك المغربي مازال محتشماً في المطالبة بحقوقه، وقليل اللجوء إلى المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوقه ومؤازرته في مطالبه الحقوقية رغم ضعف انخراطه في هذه المنظمات والجمعيات، كما أنه لا يستخدم سلاح المقاطعة للمنتجات التي يمكن الاستغناء عنها أو يحد من استهلاكها، فميزان توازن حركة السوق هو المستهلك، بحكم كونه محور هذه الحركة، وعليه أن يعي هذا الأمر”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس