هل صار هاجس الربح هو المتحكم في التعليم الخاص في المغرب بعيدا عن التربية والمعرفة؟

9
هل صار هاجس الربح هو المتحكم في التعليم الخاص في المغرب بعيدا عن التربية والمعرفة؟
هل صار هاجس الربح هو المتحكم في التعليم الخاص في المغرب بعيدا عن التربية والمعرفة؟

أفريقيا برس – المغرب. أنجز «مجلس المنافسة» في المغرب تشخيصاً لواقع التعليم الخاص، وذلك بناء على طلب من رئيس مجلس النواب، وشمل التشخيص قواعد المنافسة في المؤسسات التعليمية العاملة في هذا القطاع.

والمجلس هيئة رسمية مكلفة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.

ويأتي رأي «مجلس المنافسة» الذي تلقفه الرأي العام المغربي بكثير من الاهتمام، في خضم الجدل الذي احتد في أوج الجائحة والإغلاق العام، بعد فرض الحجر الصحي الذي اعتمد للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد.

ارتباط الإغلاق بالجدل حول التعليم الخاص جاء في سياق حرج جداً بالنسبة للأسر، التي وجدت أبناءها خارج أسوار المؤسسات التربوية، وتتلقى تعليماً عن بعد وفّرته الدولة من خلال منصات متعددة وأمام توقف أعمال الكثير من الآباء. في المقابل، طالب أرباب المدارس الخاصة بمصاريف أشهر الإغلاق، مما أجج غضب المغاربة ضدهم، إلى درجة كادت أن تعصف بوجودهم كمؤسسات تربوية، حيث وصفت بـ»الجشع» و»مصاصي الدماء» وغيرها من النعوت التي ألصقت بهم في ذلك الحين.

الجدل في سنة 2020 لم يقف عند عتبات الغضب الرقمي والتهم الشفوية، بل وصل إلى حد الوقفات الاحتجاجية واللافتات المنددة، كما طرق أبواب المحاكم التي أنصفت حسب القانون الأسر في العديد من القضايا التي عرضت ساعتها.

وجاء التشخيص الذي أنجزه «مجلس المنافسة» ليتوج ذلك الجدل القديم الحديث الذي لا ينتهي، وارتكز على 6 توصيات كبرى محورية حول سوق التعليم الخاص في المغرب. أولى التوصيات دعوة الدولة إلى تأطير التعليم المدرسي الخاص، من حيث تحديد ضوابط ضمان جودة الخدمات مع توزيع عادل ومناسب لكفاءات الهيئات التدريسية بين مختلف مكونات المنظومة التربوية مع هيكلة تسمح بحرّية اختيار الأسر لنمط تعليم أبنائها.

مكونات منظومة التعليم

وأبرز مجلس المنافسة في رأيه المسهب، أنه رصد اختلافاً بين مكونات منظومة التعليم الخاص من حيث جودة الخدمات المقدمة.

وشدد على أن التعليم يرتبط بحق أقره الدستور تجسيداً لمبدأ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين مختلف شرائح المجتمع إزاء هذه الخدمة العمومية، مما يطرح عدة تساؤلات حول الأدوار الحقيقية التي يجب أن تلعبها الدولة، كالتوفيق بين تشجيع التنويع وضمان توحيد مضمون الخدمة تفادياً لتوسيع الهوة الاجتماعية.

وفي تصريح لـ»القدس العربي» قال محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، إن «مجلس المنافسة توفق إلى حد كبير في تشريح واقع هاته المؤسسات وتقديم اقتراحات لتطويرها وجعلها مؤسسات وطنية منتجة للثروة بمنطق المواطنة القائمة على أساس أنها حقوق وواجبات». وعاد الخبير نفسه إلى «ما عرفته منظومة التربية والتكوين عموماً والقطاع المدرسي الخاص خصوصاً من اضطرابات وتوترات بين ممثلي الأساتذة والإداريين والحكومة وبين الأسر والمدارس الخاصة، بلغ حد الاحتجاج وسحب الأبناء من مجموعة من المدارس».

وأشار الدرويش إلى أن الوزارة الوصية «لم تتمكن مع الأسف من إيجاد حلول لتلك المشكلات في الحين، ما جعل مؤسسات دستورية منها المدنية والنقابية والحقوقية تتدخل وتدلي بآرائها واقتراحاتها في الموضوع».

وتوقف في هذا الصدد عند مبادرة رئيس مجلس النواب لتوجيه طلب إلى مجلس المنافسة لإبداء الرأي في موضوع قواعد المنافسة في مؤسسات التعليم الخاص، وفي هذا الإطار قال الدرويش: «نسجل باعتزاز دعوة ومساهمة المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين عبر جلسات استماع دامت لساعات بين المرصد ومسؤولين من المجلس».

وعبّر «المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين» خلال تلك الجلسات، وفق رئيسه، عن رأيه والخلاصات الكبرى التي انتهى إليها وهو يتابع واقع منظومة التربية والتكوين، سواء في ظل الانعكاسات السلبية لكوفيد 19 أو قبلها، وكيف انتقل التعليم الحر أو الخاص من التعليم المواطن القائم على التطوع والإيثار، والانخراط دون شروط تذكر في بناء الشخصية الوطنية التي تدافع عن الهوية المغربية وعن الوطن بكل مقوماته ومكوناته في ظروف سياسية في مواجهة الفرنسيين والإسبان إلى تعليم شغل أغلب أصحابه هو الربح والتوسع؛ وفق المتحدث نفسه.

رأي الباحث والأستاذ الجامعي محمد الدرويش يتقاسمه معه عدد كبير من المغاربة الذين أكدوا أن التعليم المدرسي الخاص في المغرب تحول إلى سوق من أجل الربح أكثر من مؤسسات للتربية والتكوين والمعرفة وتأهيل التلاميذ وإعدادهم للمستقبل.

في هذا الإطار، كان «مجلس المنافسة» واضحاً في توصياته الهادفة إلى تحسين ظروف المنافسة في سوق التعليم المدرسي الخاص، حيث شدد أولاً على ضرورة الرفع من عرض الخدمات المقدمة من طرف مؤسسات التعليم الخاص وتنويعه وإغنائه لمسايرة الطلب المتزايد على هذه الخدمة، وكذا جعل هذا الطلب أكثر ملاءمة لتحصين وضمان تطور هذه المؤسسات وتحفيز الاسـتثمار داخلها.

بصياغة إطار تعاقدي

كما أوصى بصياغة إطار تعاقدي جديد يوضح الأهداف والمسؤوليات بين مؤسسات التعليم المدرسي الخاص والدولة والأجهزة التابعة لها.

إضافة إلى ذلك، أوصى أيضاً بمراجعة الإطار القانوني لمواكبة التحولات التي تعرفها سوق التعليم المدرسي الخاص وللاستجابة للتحديات الجديدة التي تعرفها المنظومة المغربية للتعليم.

ولم يفت «مجلس المنافسة» التأكيد على ضرورة وضع آليات كفيلة بالرفع من دينامية المنافسة بين مختلف الفاعلين داخل سوق التعليم المدرسي الخاص. ووضع المجلس الدولة في محور أغلب توصياته، ومنها هذه التوصية التي دعا فيها إلى إعادة النظر في دور الدولة في اتجاه موازنة منصفة بين خدمات المدرسة العمومية وخدمات مؤسسات التعليم الخاص. كما دعا إلى سن تدابير من طرف الدولة لتعزيز فرص الولوج للخدمات المقدمة للأسر من طرف سوق التعليم المدرسي الخاص. إحدى التوصيات المهمة أيضاً والتي تدخل في إطار تحسين المنافسة في سوق التعليم الخاص بالمغرب هي تأكيد «مجلس المنافسة» على وضع سياسة ترابية للتعليم الخاص وربطها بنماذج التنمية المعدة من لدن الجهات الاثنتي عشرة للمملكة.

وقبل التوصيات الداعية إلى تطوير وضع المنافسة في سوق التعليم الخاص، أبرزت الهيئة الرسمية في رأيها عدداً من النقائص، مؤكدة هشاشة المؤسسات في التعليم الخاص.

ومن بين النقائص أيضاً، كون وضع هيئة التدريس يعيق تطور مؤسسات التعليم الخاص، وذلك في إشارة إلى وضعها المادي والمعنوي داخل المؤسسات التربوية الخاصة. كما شدد المجلس على أن هذا النوع من التعليم هو سوق يطبعها التباين في الخدمات والأسعار، إضافة إلى كونها قائمة على نموذج وحيد من المؤسسات وعلى مساهمات الأسر.

الأكيد أن المياه عادت قليلاً إلى مجاريها بين الأسر ومؤسسات التعليم الخاصة، فقد عادت وفود التلاميذ ولو بنسب أقل من السابق، إلى الفصول الدراسية رغم القطيعة التي كادت أن تكون قاتلة بالنسبة لأرباب هذه المؤسسات… لكن صفارات الإنذار قد تنطلق في أي لحظة وعند أي هفوة أو خطأ، لذلك فإن توصيات مجلس المنافسة جاءت في وقتها لتصحيح الوضع وإرساء آليات سوق حقيقية قيمها الأساسية التعليم بعيداً عن المزايدات التجارية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس