الثابت والمتغير في حكومة أخنوش.. الوزارات الحساسة تولاها تكنوقراط بـ”ألوان” سياسية

44

مصطفى واعراب

أفريقيا برسالمغرب. فور الإعلان عن تشكيلة الحكومة المنبثقة عن انتخابات الثامن من سبتمبر الماضي، اتضح للعموم أن حكومة أخنوش التي تعد الحكومة رقم 32 في تاريخ المغرب المستقل، لن تكون في النهاية حكومة “رجال أعمال”، كما ذهبت أغلب التوقعات قبل أسابيع. واتضح كذلك أنه جرت “التضحية” بالسياسي لفائدة “التكنوقراطي”، وهو ما أيده أغلب المغاربة على الشبكات الاجتماعية.. إذ ذهبت الآراء إلى أن المرحلة القادمة تتطلب من المغرب تجنيد خبراته العالية المستوى، للنهوض بالمهام الصعبة التي تعلق عليها انتظارات الشعب والملك، بدل وزراء سياسيين يضيع الوقت بسببهم في معارك ومناورات حزبية.

حكومة التحالف الثلاثي

لقد تشكلت “حكومة أخنوش” المنبثقة عن انتخابات الثامن من سبتمبر الماضي، والتي تعد الحكومة رقم 32 في تاريخ المغرب المستقل، في وقت قياسي، فبفضل محدودية عدد الأحزاب التي قرر الحزب الفائز “التجمع الوطني للأحرار” التحالف معها، لتشكيل الحكومة (حزبا “الاستقلال” و”الأصالة والمعاصرة”)، أخذت المشاورات وقتاً وجهداً محدودين من عزيز أخنوش.

وكما تنص على ذلك “المنهجية الديمقراطية”، حيث ينص الدستور المغربي في الفصل 47، على أنه” يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها”، و”يعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”؛ ترأس الملك المغربي محمد السادس الخميس الماضي بالقصر الملكي بفاس، حفل أداء الحكومة المغربية الجديدة القسم.

لكن بمنطق الدستور المغربي أيضا، يبقى على رئيس الحكومة عزيز أخنوش “بعد تعيين الملك لأعضائها، أن يتقدم أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، وبعد أن “يكون البرنامج الحكومي موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب”، بحيث لا “تعتبر الحكومة منصبة إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء، الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي” (الفصل 88 من الدستور المغربي).

وقد كرست نتائج انتخابات أعضاء “مجلس المستشارين” (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، نفس هيمنة الائتلاف الحكومي المكون من أحزاب “التجمع الوطني للأحرار” و”الأصالة المعاصرة” و”الاستقلال”، على المشهد البرلماني في البلاد. ففي تكرار لسيناريو انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) في انتخابات الثامن من سبتمبر الماضي، الذي تصدره الائتلاف الحكومي الثلاثي بـ 270 مقعدا من أصل 395، حصد التحالف الثلاثي 85 مقعدا من أصل 120 في مجلس المستشارين، إذا احتسبنا مقاعد النقابات المحسوبة على الأحزاب الحكومية وكذلك تحالف رجال الأعمال (الاتحاد العام لمقاولات المغرب).

وبفضل هذه السيطرة العددية للائتلاف الحكومي الجديد على مجلسي البرلمان، يتوفر للحكومة الجديدة هامش اشتغال بأريحية أكبر، على نحو لم تحظ به حكومتا حزب العدالة والتنمية، اللتين انبثقتا عن الربيع العربي في عام 2011؛ عاشتا طيلة مدة ولايتيهما على إيقاع الخلافات والتناقضات، ولذلك تبدو الطريق معبدة أمام حكومة أخنوش للاشتغال في هدوء، على الانتظارات التي يعلق عليها المغاربة شعباً وملكاً آمالا كبرى، وكذلك مجابهة التحديات الصعبة القادمة.

تكنوقراط وكفاءات شباب

لعلها المرة الأولى أيضا التي تضم حكومة مغربية عدداً مهماً من الوزيرات والوزراء الشباب، وهي المرة الأولى كذلك التي حصلت فيها المرأة على أكثر من رُبُع المقاعد الحكومية، بواقع 7 وزيرات من أصل 24 تشكلت منهم حكومة أخنوش (من المتوقع أن يتم تعيين كاتبين للدولة على الأقل لاحقا، وهو منصب يعادل منصب الوزير).

وفي حساب المتغيرات الأخرى التي حملتها حكومة أخنوش، وهي ليست قليلة، وجب الاعتراف بأنها المرة الأولى التي دخل حكومة مغربية عدد كبير من الكفاءات العالية المستوى، بعدما ظلّت تشتغل لسنوات في الظل، وطبعا جرى إلحاق هذه الكفاءات التكنوقراط بيافطات حزبية من التحالف الثلاثي الحاكم، حتى يبدو المكون الحكومي منسجماً سياسياً كما يفترض الدستور.

وهكذا، فعواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في الحكومة الجديدة، هي رئيسة جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء الخبيرة في المدن الذكية والتكنولوجيا الخضرا، ونبيلة الرميلي تم تعيينها وزيرة للصحة هي طبيبة خبرت العمل لسنوات في المستشفيات العمومية، ورياض مزور الذي عين وزيرا للصناعة والتجارة، ليس سوى مدير ديوان الوزير على نفس القطاع في الحكومة السابقة حفيظ العلمي، وخبيرة الذكاء الاصطناعي غيثة مزور التي تم تعيينها وزيرة مكلفة بالانتقال الرقمي (لأول مرة أُحدث هذا المنصب)، حاصلة على دكتوراه في الهندسة الحاسوبية من جامعة كارينجي ميلون الأمريكية.

وفي حساب المتغيرات التي ينبغي ذكرها، إعادة هندسة ودمج القطاعات الوزارية وفق خريطة جديدة، نظير وزارة الرياضة التي تم إدماجها مع وزارة التربية الوطنية والتعليم، ليتولاها شكيب بنموسى وهو تكنوقراطي سبق أن تولى مناصب وزير الداخلية وسفير المغرب في باريس ومؤخراً رئاسة “لجنة النموذج التنموي الجديد”.

وفي حساب المستجدات التي رافقت الإعلان عن الحكومة الجديدة كذلك، وجب التنويه إلى أن التحالف بين مكوناتها الحزبية الثلاثة؛ أفضى إلى التوافق بينها على ضمان أغلبية مريحة لانتخاب رئيسين ينتميان إلى التحالف لغرفتي البرلمان.

وهكذا تم انتخاب كل من الطالبي العلمي القيادي في حزب أخنوش رئيساً جديداً لمجلس النواب، والنعم ميارة رئيس “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب” وهي الذراع النقابي لحزب الاستقلال رئيساً جديداً لمجلس المستشارين، وللتذكير؛ فإن هذا الأخير ينتمي إلى نفس القبيلة الصحراوية التي ينحدر منها زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي وعدد آخر من قادتها.

على مستوى آخر، لم يتوقف عزيز أخنوش وهو رجل الأعمال المقرب من القصر، عن إعطاء الإشارات على جديته في مهامه، حيث باشرت حكومته أعمالها بسرعة، فور استقبالها الخميس الماضي من طرف الملك المغربي محمد السادس بالقصر الملكي بفاس، وسط اهتمام شعبي ونخبوي يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ الحكومات المغربية، من جهة متابعة كفاءات الوزراء الجدد ومساراتهم العلمية والمهنية. وتتويجاً لنهج الجدية نفسه، أعلن أخنوش بأن حكومته ستعقد أول اجتماع لها الاثنين القادم (11 أكتوبر)؛ بينما العادة جرت أن تعقد الحكومات السابقة اجتماعاتها أيام الخميس.

خيبة وتساؤلات

لقد انتظر المغاربة باهتمام كبير إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، بمن فيهم حتى الذين لم يصوتوا في الانتخابات. وهذه ظاهرة جديدة على المشهد السياسي المغربي، بحيث راوحت تعليقاتهم بين راض وخائب ومتفائل ومتشائم. وكان من بين أهم أسباب الخيبة “سقوط” اسمَيْ وزير التجارة والصناعة حفيظ العلمي ووزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون السابقين، من قائمة الحكومة الجديدة على الرغم من “نجاحهما” في تدبير القطاعين اللذين أشرفا عليهما بكفاءة، على الرغم من ظرفية وباء كوفيد 19 الاستثنائية.

فالوزير حفيظ العلمي لمع على مدى الثماني سنوات التي تولى فيها قطاعي التجارة والصناعة، في عدة ملفات كبرى كـ “مهندس” إقلاع صناعة السيارات التي أصبح المغرب فيها رقماً عالمياً. كما نجح في تحويل الوباء إلى فرصة للإقلاع الصناعي والتجاري للمملكة، في قطاعات استراتيجية أخرى كثيرة.

والوزير بنشعبون الذي توجته جائزة “أفريكان بانكر” في يونيو الماضي، أفضل وزير للمالية لسنة 2021 بالقارة الأفريقية، نجح بدوره في ملفات معقدة نظير الأزمة الاقتصادية والمالية المترتبة عن الجائحة، وأيضا وضع مشروع “التغطية الاجتماعية” على السكة. وللتذكير فإن هذا يروم توسيع الحماية الطبية وتعميم التقاعد والتعويضات العائلية والتعويض عن فقدان العمل لحوالي 22 مليون مغربي (من أصل حوالي 37 مليون نسمة عدد سكان المغرب)، عبر 3 مراحل خلال 5 سنوات.

ولهذه الأسباب ولأسباب أخرى كثيرة غيرها، شعر كثيرون بالخيبة لتغيير وزيرين بصما بقوة فترتهما الوزارية السابقة، ولم يتوقع أحد أن “يسقطا” من تشكيلة حكومة أخنوش، سيما وأن الوزيرين المذكورين ينتميان إلى حزبه (التجمع الوطني للأحرار). وذهبت التأويلات مذاهب شتى في تفسير هذا “السقوط” المفاجئ والغامض، بين قائل إن الوزير العلمي هو من طلب إعفاءه من المهام الحكومية لأسباب صحية، أو حتى يعود للتفرغ لشركاته وأعماله، ويرى آخرون إلى أنه ما ترك وزارة التجارة والصناعة إلا لكي يتولى منصب مستشار ملكي، مكلف بتدبير ملفات الاستثمارات الأجنبية بالمغرب، بفضل خبرته الكبيرة وثقة المستثمرين الأجانب فيه، لكن هذا الخبر لم يتأكد رسميا حتى الآن.

وبالنسبة لوزير الاقتصاد والمالية في الحكومة السابقة محمد بنشعبون، ذهبت مصادر صحفية مقربة من دوائر القرار إلى أن إعفاءه من الوزارة قد يكون ربما مقدمة لتعيينه والياً جديداً لـ “بنك المغرب” (البنك المركزي)، مكان الوالي الحالي عبد اللطيف الجواهري الذي يبلغ من العمر 82 سنة، والذي يتولى هذا المنصب منذ قرابة عقدين.

انتظارات وتحديات

إن عودة اهتمام المغاربة بحماس في الشأن الحكومي مع حكومة أخنوش، يجد تفسيره بحجم الانتظارات الكثيرة التي تعلقها جميع الشرائح الاجتماعية عليها، فالبرنامج الانتخابي لحزب “التجمع الوطني للأحرار”، الذي يقود الحكومة الجديدة قدم للمغاربة وعودا كثيرة تهم القطاعات الاجتماعية الأكثر عطبا، في مقدمتها الصحة والتعليم وتوفير فرص الشغل وتعميم التغطية الاجتماعية، لكنها تبقى مجرد “وعود” للتسويق الانتخابي وليست بالضرورة تعاقداً بين الحزب والمواطنين، رغم أنها في غالبيتها تعاقدات تضمنها “النموذج التنموي الجديد”، أي أهداف استراتيجية للدولة المغربية قبل أن تكون “وعوداً انتخابية”.

وقد حدد خطاب الملك المغربي محمد السادس في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة الجمعة الماضية، أولويات المرحلة المقبلة، من خلال دعوته الحكومة الجديدة إلى الاقتداء بالنموذج التنموي الجديد، والعمل على استحداث منظومة متكاملة في قطاعي الصحة والغذاء وتحديث المنظومة الصحية.

لكن إذا كانت خارطة الطريق واضحة، فإن مصادر تمويل البرامج والمشاريع الحكومية المنتظرة هي التي تمثل أكبر عائق ستواجهه حكومة أخنوش. صحيح أن المؤشرات التي يسجلها الاقتصاد المغربي تبعث على التفاؤل والأمل. فالسنة الجارية كانت جيدة فلاحيا، وشهدت تحويلات مغاربة الخارج فائضاً غير مسبوق، كما استقبل المغرب استثمارات أجنبية هامة، فتوقعات المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدولي، ترشح المغرب لأن يحقق أعلى نسبة نمو في القارة الأفريقية خلال العام 2021، بما يصل إلى 5,5 في المئة. كما أن مؤشر “نيكاي” الياباني للتعافي من جائحة كورونا، صنف المغرب في المرتبة 19 عالميا من حيث إدارة العدوى وإطلاق اللقاحات وعودة الأنشطة.

بيد أن الأوراش الحكومية الضخمة التي تعلق عليها انتظارات المغاربة، تتطلب تمويلات استثنائية هي الأخرى. وبهذا الصدد، تذهب التقديرات إلى أن الاستثمارات والمساعدات الخليجية قد تعود لسابق عهدها، بعد أفول نجم حزب العدالة والتنمية. فالمعروف أن الدول الخليجية (خصوصا الإمارات والسعودية) لم تكن تنظر بعين الرضى إلى تولي الحزب الإسلامي الحكومة المغربية خلال العشر سنوات الماضية، فحاولت الضغط من خلال وقف مساعداتها وسحب استثماراتها. بل ذهب ببعضها الأمر إلى حد الاستثمار في الجزائر إمعانا في الضغط، لكن مع ظهور نتائج انتخابات الثامن من سبتمبر الماضي عاد اهتمامها بالمغرب.

على المستوى الخارجي، سيكون على حكومة أخنوش أن تواجه تحديات تفرضها التغيرات الجيوسياسية من حول المملكة. لعل في مقدمتها ارتفاع وتيرة التهديدات الجزائرية بإعلان الحرب على المغرب، والدخول في جولة مشاورات حول الصحراء برعاية المبعوث الخاص للأمين العام الأممي في ملف الصحراء المغربية دي ميستورا المعين حديثاً. كما سيكون على الحكومة تدبير الأزمة مع الجارة الشمالية إسبانيا، التي تتعثر المفاوضات القائمة معها منذ شهور حول وضع مدينتي سبتة ومليلية والجزر المتوسطية المحتلة.