المغرب يواجه جفاف القرن

31
المغرب يواجه جفاف القرن
المغرب يواجه جفاف القرن

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في السابق، كان الجفاف دوريا حيث تأتي سنة أو سنتان أو ثلاث عجاف، تليها أخرى مطيرة تأتي بالخير. لكن المغرب يواجه حاليا سنته السادسة من الجفاف، في أسوأ دورة جفاف تضرب البلاد منذ عقود طويلة. وبعد أن تأكدت الحكومة من أن شح السماء قد أضحى مُعطى هيكليا بسبب التحول المناخي، تسابق الزمن لتوفير حلول ظرفية وأخرى مستدامة. ليس فحسب لتوفير ماء الشرب لـ 37 مليون نسمة هم سكان المغرب، بل وأيضا للسقي بعد أن جفت السدود وغارت الفرشات المائية. فالزراعة فضلا عن كونها تُشغل الجزء الأكبر من الأيدي العاملة، توفر الأمن الغذائي للسكان. كما أن صادرات الخضر والفاكهة الطرية (2,3 مليون طن برسم العام 2022) توفر مداخيل هامة للدولة، حيث وفرت ميزانية الدولة عائدات بالعملة الصعبة ناهزت 83,2 مليار درهم (أزيد من 8 مليارات دولار) برسم نفس السنة.

تصنف المراجع الدولية المغرب، منذ سنوات، ضمن أكثر الدول المهددة بالإجهاد المائي في العالم. ويخشى الخبراء ومعهم عموم المغاربة، من أن تدخل البلاد مرحلة العطش بعد تراجع حصة الفرد من المياه إلى أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، في مقابل 2500 متر مكعب عام 1960. وتذهب التوقعات إلى أن تنخفض هذه الكمية لأقل من 500 متر مكعب بحلول العام 2030، وسط مخاطر تحدق بالقطاع الزراعي الذي يمثل عصب الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. فهو يؤمن جزءا هاما من الأمن الغذائي الداخلي، وفرص الشغل للأيدي العاملة القروية، ومداخيل هامة للبلاد من الصادرات الزراعية.

وفي ضوء ذلك، سبق لتقرير حديث للمنتدى الاقتصادي العالمي أن عدد الجفاف ضمن المخاطر التي تواجه المغرب خلال السنة الجارية 2024، مؤكدا أنها جميعها مرتبطة بالتغيرات المناخية وموجات الجفاف الذي يواصل ضرب المغرب منذ أزيد من ستة سنوات. وكشف التقرير بأن المغرب يواجه عدة تحديات خلال العام الجاري، أولها الانكماش الاقتصادي، وثانيها التضخم، إضافة إلى نقص إمدادات المياه، وعدم التكافؤ بين الثروة والدخل والبطالة، مؤكدا على أن مواجهة هذه المخاطر تستدعي تناغم الجهود واتخاذ إجراءات فورية.

وأوضح التقرير بأن نقص المياه، الذي يشكل تحديا بيئيا حيويا، يتطلب تنمية مستدامة واستغلالا ذكيا للموارد المائية، محذرا من تداعيات التفاوت في توزيعها، خصوصا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وداعيا إلى اتخاذ إجراءات لتعزيز المساواة والعدالة في الوصول إلى المياه.

وأوضح تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى جانب ذلك، بأن “التغيرات البيئية والكوكبية مجتمعة ستؤثر بشكل جذري على النمو الاقتصادي وإمكانية التأمين على مدى العقد المقبل، مما سيؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي والمياه والصحة”.

إجهاد مائي

وكان نزار بركة وزير التجهيز والماء قد وصف، في مؤتمر صحفي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، المرحلة التي يعيشها المغرب جراء الجفاف بـ”الدقيقة والحرجة”، موضحا بأن الأشهر الأولى من الموسم الفلاحي الجديد (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2023) سجلت سقوط أمطار بمعدل 21 ملمترا فقط، بانخفاض 67% مقارنة بالمقارنة مع المعدلات الطبيعية في السنوات السابقة.

إن استمرار الجفاف للعام السادس على التوالي، يؤثر على الزراعة وعلى وتيرة تزويد المواطنين بماء الشرب. وهو ما يعتبره خبراء مغاربة بمثابة التحدي الرئيس للاقتصاد المغربي خلال العام الحالي، بما يستدعي تنويع مصادر المياه العذبة. فتراجع الأمطار والثلوج بات يعرض إمدادات المياه في البلاد للخطر، على الرغم من أن البلاد استعدت لمواجهة مثل هذه المواقف في السنوات الأخيرة، إلا أن تواصل موجة الجفاف الحالية أدى إلى وصول السدود إلى مستويات منخفضة بشكل خطير. فهي ممتلئة بمعدل وطني تبلغ نسبته 23% فقط، وهو ما يمثل انخفاضا كبيرا مثيرا للقلق عن 31% في هذا الوقت من العام الماضي.

وتقترب بعض أكبر السدود الكبرى في البلاد من مستويات الجفاف، حيث تبلغ سعة سد الوحدة (شمال) وهو أكبر سد في المملكة وثالث أكبر سد في أفريقيا، 39% من حجم حقينته، أي 1,38 مليار متر مكعب من المياه.

أما سد المسيرة (وسط) الاستراتيجي، الذي يعد ثاني أكبر سدود المغرب بعد سد الوحدة، وتبلغ طاقته الإجمالية 2 مليار و657 مليون متر مكعب، فلا تتجاوز نسبة ملئه 1 بالمائة، باحتياطي لا يزيد عن 27 مليون متر مكعب. وهو أدنى مستوى يسجله السد منذ الشروع في استغلاله سنة 1979.

وتراجع حوض اللوكوس (شمال غرب) بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي، عندما بلغت مستويات ملئه 58%، لينخفض اليوم إلى 38%، أي 666 مليون متر مكعب فقط. وفي مناطق أخرى، مثل حوض ملوية (شمال شرق)، كان الانخفاض المسجل في السدود أقل وضوحا، لكنه ترك المستويات منخفضة للغاية حيث تراجع مخزون المياه من 25% في 2023 إلى 23% حاليا. وهو أمر يقلق الخبراء حتى لو لم يكن الانخفاض كبيرا، فنهر ملوية لأول مرة في تاريخه المعروف لم يعد يصب في البحر المتوسط. كما أن حوض نهر سبو، الذي كان يعتبر من أكثر أنهار المغرب وفرة في المياه، انخفض منسوبه من 50% إلى 35% اليوم.

وفي كثير من المناطق بالنصف الجنوبي من البلاد، ينخفض احتياطي المياه بالفرشات الباطنية بمعدل 3 إلى 6 أمتار سنويا. وتتعرض هذه الطبقات الجوفية للاستغلال المفرط من قبل المزارعين والصناعيين الزراعيين، الذين يضخون منها كميات هائلة من المياه بحسب رغبتهم، مستفيدين من غياب المراقبة، لإنتاج الفواكه والخضروات الموجهة للتصدير.

وقد أحدثت هذه الأرقام الصادرة عن وزارة التجهيز والمياه قلق السلطات العليا في البلاد، إذ تم تسجيل ما يزيد قليلاً عن 3,7 مليار متر مكعب، أي أقل بكثير من 5,14 مليار في نفس الفترة من عام 2023. وأصبحت قلة هطول الأمطار وتساقط الثلوج تمثل الاتجاه السائد في عموم جهات المغرب مع تفاوت في النسب من منطقة إلى أخرى.

خصاص في مياه الشرب

وبسبب نقص موارد المياه العذبة في المغرب، تخوض أجهزة الدولة سباقا ضد الساعة على اعتبار أن المعضلة الآن مسألة بقاء أو موت لملايين النفوس. وهذا الوضع البالغ الخطورة، له تداعيات لا يمكن إنكارها على إمدادات مياه الشرب في بعض المدن. ففي الدار البيضاء وأكادير ووجدة والصخيرات، أصبح انقطاع المياه لبضع ساعات يوميا أمرا لا مفر منه.

هناك ما يدعو للقلق حقا عندما صرح وزير التجهيز والماء نزار بركة، الثلاثاء 2 يناير 2024، بأن العاصمة الرباط وشمال كبرى مدن المغرب الدار البيضاء مهددان بالحرمان من مياه الشرب وأن الوضع خطير، حيث تم تجنب السيناريو الأسوأ بأعجوبة في 18 ديسمبر 2023 في المدينتين الرئيسيتين للمملكة، بفضل الإجراءات الاستباقية التي تم اتخاذها باستخدام المياه غير التقليدية وربط الأحواض المائية.

على المستوى العملي، يمتلك المغرب بالفعل 11 محطة لتحلية المياه، لكنه يعتزم مضاعفة قدراته ثلاث مرات بحلول عام 2030، من خلال إضافة 9 محطات جديدة إلى الـ 11 القائمة و7 محطات توجد قيد الإنشاء حاليا. ومن خلال هذا المشروع الشامل للمحطات القادرة على إنتاج ما يقرب من 1,3 مليار متر مكعب من مياه الشرب والري سنويا، تعتزم المملكة تطوير الصناعة المحلية. وتتوقع الحكومة أن يأتي حوالي 50% من مياه الشرب في نهاية المطاف من تحلية مياه البحر.

وفي بلد يتعرض لجفاف وإجهاد مائي غير مسبوق ولأسوأ جفاف منذ نصف قرن، أعلنت الحكومة في يناير الماضي، عن الشروع في بناء ثلاث محطات لتحلية مياه البحر بكل من مدن الدار البيضاء (ستبلغ طاقتها الإنتاجية 548 ألف متر مكعب يوميا أي 200 مليون متر مكعب سنويا) والجديدة وآسفي.

ويستفيد حاليا حوالي 1,6 مليون نسمة من المياه المحلاة في منطقة أكَادير، الواقعة على الساحل الجنوبي للمحيط الأطلسي، في توفير مياه الشرب والري (أكَادير تعتبر المنتج الأهم للخضر في المغرب) بفضل وحدة تحلية مياه البحر العاملة منذ فبراير 2022.

وجه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الأمر من خلال إرسال منشور إلى ولاة الجهات وعمال الأقاليم، بهدف مكافحة آثار الإجهاد المائي، من خلال رسم خريطة لاستهلاك المياه بحسب المناطق، وتقييد استهلاك المياه خلال فترات زمنية معينة، وحظر سقي المساحات الخضراء والحدائق العامة بالماء العذب، وكذلك الزراعات المائية، واللجوء إلى إعادة تدوير مياه الصرف الصحي…

لكن جميع هذه الإجراءات – على أهميتها الكبيرة – لن تكون كافية لوحدها لمعالجة الموقف لأن السبب ليس الجفاف وحده. فما لم يتم التصدي بحزم لهدر المياه بجميع أشكاله (ري ملاعب الغولف، شبكات نقل المياه المهترئة المحتاجة إلى صيانة، الري بالغمر الذي يتسبب بخسائر كبيرة بدل تقنية التنقيط الموضعي، والآبار السرية والفوضوية، وما إلى ذلك)، فلن يتوقف تفاقم الأزمة.

كما يتعين مراجعة سياسة السدود، التي الرغم من أنها قديمة ومكنت من التغلب على سنوات الجفاف في الماضي، إلا أنها تثبت اليوم بأنها غير فعالة جزئيا. ففي جهة سوس، التي توفر 65% من الإنتاج الوطني من الفواكه والخضروات و80% من الصادرات من هذه المنتجات الزراعية، لا يمثل إجمالي الطاقات التخزينية للسدود سوى 4,5% من إجمالي القدرات لسدود المملكة. فغالبية السدود بسوس تعاني من سوء الصيانة وتُركت عرضة للترسبات التي تضيع بسببها المياه سدى.

وتحلية مياه البحر التي يجري الترويج لها بديلا عن شح السماء، من الخطأ –برأي بعض الخبراء المغاربة– من الخطأ الاعتقاد بأنها يمكن أن تكون حلا حقيقيا لتحقيق عدالة مجالية على مستوى توزيع المياه. فلا ينبغي أن يغيب عن بالنا بأنه يكاد يكون من المستحيل نقل المياه المحلاة من البحر إلى المناطق الجبلية، التي تصل في بعض الحالات إلى مستوى يفوق 3000 متر عن سطح البحر.

تضرر القطاع الزراعي

بحسب المعهد المغربي لتحليل السياسات، فإن استمرار الجفاف يمثل تحديا كبيرا في 2024، لأن اقتصاد البلاد ما يزال يعتمد على النشاط الزراعي، خصوصا على مستوى التشغيل وتزويد السوق المغربية بمنتجات فلاحية بأسعار مقبولة. ويُسهم قطاع الزراعة بنسبة 14% في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما يعمل به أكثر من 40% من السكان. ولذلك يعتبر أداؤه حاسما في النمو، حيث يتأثر الإنتاج المحلي بموسم الأمطار الضعيفة وغير المنتظمة، وهو ما جعل صادرات قطاع الزراعة والصناعة الغذائية مستقرة بدون نمو برسم العام الماضي، في حدود 75,9 مليار درهم (حوالي 7,58 مليار دولار) إلى غاية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ولذلك تسعى الجهات العمومية إلى تعزيز اليقظة لمواجهة تحدي المياه وتبني تدابير ناشئة للحد من استخدام مياه الري وتقليل تدفق توزيعها كلما لزم الأمر، مع إيلاء الأهمية لإيجاد حلول بديلة للمياه المستخدمة في القطاع الزراعي من أجل تكثيف الإنتاج بتكاليف معقولة من جهة، والحفاظ على فرص العمل في العالم القروي من جهة أخرى.

ووفقا لوزارة الفلاحة المغربية، فإن المياه المخصصة للزراعة انخفضت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مما دفع السلطات إلى اتخاذ عدد من الإجراءات العاجلة في هذا الصدد. ومن بينها تحويل المياه من شمال غرب البلاد إلى أحواض نهرية أخرى، ما يُتوقع معه أن يؤدي بالفعل إلى زيادة الإنتاج الزراعي.

المحاصيل الرئيسية في المغرب هي الحبوب (خصوصا القمح الصلب) التي تمثل 55% من المساحة المزروعة. وتشكل الخضروات والفواكه الأساسية أيضا جزءا أساسيا من الاقتصاد والقطاع الزراعي في المغرب، حيث يتم تصدير جزء كبير من إنتاجها. وبحسب بيانات وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 67% منذ الموسم الزراعي 2021-2022. وبما أن محاصيل الحبوب تعتمد بشكل كبير على هطول الأمطار، فإن إنتاج الحبوب لا يلبي احتياجات البلاد، مما يضطرها إلى الاستيراد. وتم استيراد حوالي 50 مليون طن العام الماضي، بتكلفة تجاوزت 25 مليار درهم (حوالي 2,5 مليار دولار).

كما يؤثر الجفاف على غياب المراعي ويؤدي إلى غلاء الأعلاف الحيوانية، ما ينتج عنه في نهاية المطاف تراجع قطعان الأغنام والأبقار. ونتج عن ذلك بالنتيجة غلاء اللحوم بأنواعها حيث بلغت أسعارا غير مسبوقة في تاريخ المغرب. ولتعويض النقص في اللحوم وتخفيض الأسعار في السوق المحلية، استورد المغرب حوالي 20 ألف رأس من الماشية من البرازيل خلال الشهرين الماضيين. وينظر المغاربة إلى هذه الحاجة إلى الواردات الغذائية بمثابة تهديد للأمن الغذائي.

ولذلك قررت الحكومة دعم القطاع الزراعي للحد من أضراره بسبب موجة الجفاف، التي طالت بشكل بات يهدد بانقراض النبات والحيوان. وفي هذا الإطار، أعلن محمد صديقي وزير الفلاحة المغربي، قبل أسابيع، عن البدء في تنفيذ برنامج دعم الفلاحين بميزانية قدرها 10 مليارات درهم (حوالي مليار دولار)، يتضمن دعم الأعلاف المستوردة للماشية والدواجن، ودعم المواد الأولية الفلاحية، وذلك من أجل “خفض تكلفة إنتاج مجموعة من الخضار والفواكه”.

كما خصصت المفوضية الأوروبية برنامجا جديدا بقيمة 115 مليون يورو (125 مليون دولار) للمغرب، يهدف إلى “دعم سلاسل القيمة الزراعية المستدامة، وحماية وإدارة الغابات، فضلا عن خلق فرص العمل و الإدماج الاجتماعي في هذين القطاعين”.

سباق ضد الزمن لتعبئة “مصادر غير تقليدية” من المياه

سبق أن أقرت السلطات العمومية في عهد الحكومة السابقة (حكومة العثماني) برنامجا وطنيا للتزود بالمياه، لاستخدامها في الشرب والري للفترة الممتدة بين 2020 و2027، باستثمارات ضخمة بلغت في البداية 115,4 مليار درهم (حوالي 11 مليار دولار). لكن تفاقم الوضع مع تواصل الجفاف للسنة السادسة على التوالي، دفع الحكومة الحالية إلى تسريع تنفيذ مشاريع توفير الماء من “مصادر غير تقليدية”. وهو ما حتم عليها تعبئة موارد مالية إضافية. والمقصود بهذه العبارة الماء العذب المحصل عليه من تحلية مياه البحر والموارد الأخرى غير العذبة، ومن الأمطار الاصطناعية، وتخصيب السحب، وغيرها.

ويسهر الملك شخصيا وبشكل مباشر على متابعة ملف مواجهة آثار الجفاف والتحول المناخي بشكل أعم، حيث يشرف على اجتماعات لمتابعة ما تم إنجازه، ودراسة وتوجيه الخطوات الحكومية في هذا المجال الاستراتيجي المصيري بالنسبة إلى مستقبل البلاد. وإلى جانب توفير ماء الشرب لجميع جهات المغرب، تقع الفلاحة في قلب خطة حكومة أخنوش الاقتصادية والمناخية الجديدة، حيث أصبح الأمن المائي ومكافحة الجفاف من القضايا الرئيسة على جدول أعمال الحكومة. وتعد المملكة من أكثر الدول التي تعاني من هذه الآفة، والتي يرجع جزء منها إلى تغير المناخ. ولهذا السبب، تم خلال الشهور الأخيرة، تطوير وتصميم تدابير طارئة لمواجهة الجفاف، مثل تسريع “البرنامج الوطني للإمداد بمياه الشرب ومياه الري”.

وتتمثل أولوية الحكومة المغربية أيضا في تعزيز قطاع الزراعة، من خلال تطوير سلاسل الإنتاج والتوريد كجزء من استراتيجية “الجيل الأخضر”. وبهذا الصدد صدقت الحكومة المغربية على اتفاقيات وبرامج ذات صلة بالسياسات المتعلقة بتوفير المياه للشرب والاستعمال المنزلي والزراعي، فتم الرافع من ميزانية “البرنامج الوطني للتزود بالمياه”، التي كانت في البداية 115,4 مليار درهم إلى 143 مليار درهم (حوالي14,19 مليار دولار).

وبخصوص النقص الحاصل في الماء الشروب على مستوى أكبر مدينة في المغرب (الدار البيضاء)، فإن السلطات المغربية تسابق الزمن لإنجاز محطة تحلية مياه البحر في آجال معقولة، ما سيسمح بتوفير 300 مليون متر مكعب من المياه للمدينة ولمحيطها المباشر.

ويساهم القطاع الصناعي ممثلا في شركة “المكتب الشريف للفوسفاط” المملوكة للدولة، من جانبه، في مجال تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي، حيث بدأت مشروعاتها لـ “تصنيع الماء” من مدينتي آسفي والجديدة، اللتين تضمان وحداتها لتحويل الفوسفاط، بإنتاج حاجتها الذاتية من الماء العذب، وانتقلت إلى تحلية كميات أخرى لإتاحتها للري وتوفير مياه الشرب. ودعت الحكومة مختلف الفاعلين في مجال الصناعة إلى مراعاة كفاءة استخدام المياه والطاقة، من خلال استخدام المياه المعالجة أو تحلية المياه من البحر، حتى تخفف الضغط على موارد المتوفرة غير الكافية.

وبحسب تصريحات لوزير التجهيز والمياه نزار بركة، فإن مشاريع تعبئة الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية يتم تنفيذها بوتيرة متسارعة، تنفيذا لتوجيهات الملك محمد السادس، للتعامل مع الوضع المائي المقلق الذي يعيشه المغرب مع بداية السنة المائية 2023- 2024. و تم اتخاذ إجراءات طارئة لمعالجة النقص في المياه في المناطق الحضرية والقروية، لضمان إمدادات السكان وري الأراضي وفق برنامج تم الاتفاق عليه مع وزارة الزراعة. وينطوي ذلك على زيادة استخدام تحلية مياه البحر لتزويد المدن الساحلية بالمياه، بما يتيح تخصيص المزيد من المياه من السدود إلى المناطق الداخلية والجبلية لتلبية حاجياتها من مياه الشرب وري المناطق المتقدمة. كما يشمل البرنامج كذلك إعادة تدوير مياه الصرف الصحي النقية في سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف.

ويشكل نقل المياه بين الأحواض المائية النهرية أيضا حلولا مستدامة لضمان إمداد السكان بمياه الشرب ولأغراض الري، وهو التوجه الذي يندرج في إطار التضامن الجهوي، ويتعلق بنقل المياه غير المستغلة من المناطق الفائضة إلى المناطق التي تعاني من نقص في الموارد المائية لمختلف الاستخدامات، مثل الماء الصالح للشرب والصناعة والري؛ فإن المغرب يتوفر حاليا على 16 بنية تحتية لنقل المياه تغطي مختلف مناطق البلاد. كما يشمل المخطط إنشاء نظام ربط الأنابيب، وإنشاء وتجهيز حفر المياه، واقتناء وتركيب محطات أحادية الكتلة واقتناء شاحنات الصهاريج لنقل المياه.

وضمن المصادر غير التقليدية لتوفير المياه، ثمة تقنية تلقيح السحب التي ظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة في أربعينيات القرن الماضي، لإسقاط المطر بطرق اصطناعية، وهي معروفة بالمغرب منذ 40 سنة في إطار “برنامج الغيث”. وقد شرع المغرب في توسيع نطاق المناطق المشمولة باستعمال هذه التقنية

وقد أتاح برنامج تلقيح السحب الذي يتم تنفيذه بين نوفمبر/تشرين الثاني وأبريل/نيسان، زيادة هطول الأمطار بنسبة تتراوح بين 14 و17% بفضل 22 عملية. وهذه النتائج الجيدة هي التي حفزت الحكومة المغربية على الرفع من استثماراتها في العملية، التي بلغت بين عامي 2021 و2023 نحو 160 مليون درهم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس