خلفيات الغضب الجزائري من مناورات “شركَي 2025”

5
خلفيات الغضب الجزائري من مناورات
خلفيات الغضب الجزائري من مناورات "شركَي 2025"

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. منذ عام 2020، أصبحت المواقف الجزائرية الرسمية أكثر تحفظًا تجاه القضايا المرتبطة بالمغرب. ومن الأمثلة على ذلك، الإعلان الذي نشرته وسيلة إعلام إسبانية عن عزم فرنسا والمغرب تنظيم مناورات عسكرية في الخريف القادم، وهو تمرين اعتادت الدولتان على إجرائه منذ سنوات، ما أثار ردود فعل قوية في الجزائر. يأتي هذا في ظل توتر غير مسبوق بين باريس والجزائر، يُعد الأشد منذ استقلال الجزائر قبل أكثر من ستة عقود. فما هي تفاصيل هذه المناورات؟ وما خلفيات الموقف الجزائري منها هذا العام؟

“الشّركَي” هو الاسم الذي يُطلق في المغرب على رياح صحراوية جافة وساخنة جدا، تهب على شمال إفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط. والشركَي هو أيضا الاسم الذي يطلقه الجيش المغربي على مناورات عسكرية جوية وبرية مشتركة، تجمعه منذ سنوات بالجيش الفرنسي في إقليم الرشيدية المتاخم للحدود مع الجزائر. ولاختيار الاسم ─دون شك─ علاقة بميدان المناورات ذي الطبيعة الصحراوية، الذي تهب عليه منذ الربيع رياح الشركَي الساخنة بقوة. لكن القيادة الجزائرية التي ترى بأن “الاسم له دلالات”، لها رأي آخر…

غضب جزائري

لم يصدر أي بيان رسمي مغربي أو فرنسي بشأن تنظيم هذه المناورات، التي انفردت بالحديث عنها صحيفة “لاراثون” الإسبانية المعروفة بارتباطاتها بالاستخبارات العسكرية لبلادها. إلا أن الخارجية الجزائرية وصفتها بـ “الاستفزازية”، معتبرة أن اسم هذه المناورات له “دلالات” واضحة، دون تقديم المزيد من التفاصيل حول ذلك. فقد وصف بيان غاضب صدر عن الخارجية الجزائرية المناورات العسكريّة الفرنسيّة-المغربيّة بأنها “عمل استفزازي سوف يُسهم في تأجيج الأزمة” الحالية. وكشفت وزارة الخارجيّة الجزائريّة أن الأمين العام لوزارة الخارجيّة لوناس مقرمان، استقبل في مقرّ الوزارة سفير فرنسا في الجزائر ستيفان روماتي، من أجل “لفت انتباه الدبلوماسي الفرنسي إلى خطورة مشروع المناورات العسكرية الفرنسية-المغربية المزمع إجراؤها في شهر سبتمبر المقبل في الرشيدية، بالقرب من الحدود الجزائرية”.

وصف البيان الجزائري الغاضب اسم مناورات “شرقي 2025” بأنه يحمل دلالات حساسة، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل حول ذلك.

ثمة تحليلات فرنسية محايدة ترى بأن طبيعة جغرافيا المناورات المرتقبة ذات صلة بالتحديات الأمنية بمنطقة الساحل، التي تعج بالمشاكل الأمنية كالإرهاب والتهريب وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر. فمنطقة الرشيدية الصحراوية مناسبة لإجراء تداريب في بيئة أقرب إلى بيئة منطقة الساحل والصحراء الكبرى.

لكن الجانب الجزائري الرسمي يرفض أي تفسير ويتشبث بكون اسم المناورات يحمل دلالات “واضحة” لا يكشفها. هكذا، وبقدرة قادر تحول الاسم الرسمي من “شركَي 2025” و بالفرنسية “Chergui 2025” إلى “شرقي 2025” في بيانات وزارة الخارجية الجزائرية. ويتطلب الأمر في الواقع متابعة ما ينشره الإعلام الجزائري حول الموضوع لفهم تلك “الدلالات”. يقول محلل مقرب من سلطات بلاده، إن “الأمر لا يحتاج للكثير من الذكاء. إن ذلك الاسم يلمح إلى الأطماع التوسعية للمغرب، وهي بعض الأراضي التي يدعي ملكيتها رغم ترسيم الحدود والاعتراف بالحدود الموروثة [يقصد عن الاستعمار]”. بينما اعتبرت وسائل إعلام مغربية، من جانبها، أن الغضب الجزائري من اسم المناورات سببه قضية “الصحراء الشرقية”، وهي الأراضي التي اقتطعتها فرنسا من المغرب وضمتها للجزائر خلال استعمارها الطويل لها الذي استغرق 132 عاما.

في المحصلة، انفجر غضب الجزائر الرسمية على مناورات عسكرية مغربية فرنسية، بناء على مقال صحفي ولم يصدر في شأنها تأكيد رسمي لا مغربي ولا فرنسي. وبررت الخارجية الجزائرية غضبها بـ “الدلالات” التي يحملها اسم المناورات، رغم أن المغاربة يطلقون منذ 10 سنوات عليها اسم “شركَي” وليس “شرقي”، ولم يسبق أن احتج عليها أحد من قبل!

مناورات قديمة/جديدة

وللتذكير، فإن مناورات “شركَي 2025” في الأصل عبارة عن تمرين عسكري تكتيكي ينظم في الربيع أو الخريف منذ العام 2015. فعلى مدى ثلاثة أسابيع تقريبا في معسكر التدريب المسمى “رحمة الله”، الذي يقع على بعد 20 كيلومترا من مدينة الرشيدية [وعلى بعد حوالي 100 كلم من مدينة بشار الحدودية الجزائرية]، حيث تبلغ قوة رياح الشركَي الحارة أثناء هبوبها على المعسكر في فصل الربيع حوالي 50 كلم، وفقا لتقارير فرنسية. وآخر مناورات من هذا النوع جرى تنظيمها قبل ثلاث سنوات وحملت اسم “شركَي 2022”.

ويشارك حوالي 2500 جندي وضابط، بينهم 200 عسكري فرنسي في هذه التدريبات القاسية المخصصة للقتال الجوي والبري في بيئة صحراوية قاسية. وتشارك في المناورات المدفعية والمروحيات القتالية المغربية، حيث سبق أن تسربت صور قليلة من تمارين سابقة تظهر دبابات أبرامز المغربية الأمريكية الصنع، وهي تجري في صحراء ممتدة وفوقها تحوم حوامات عسكرية مغربية في وضع الهجوم.

وفي ظل امتناع السلطات المغربية عن الرد ─كالعادة─ على سيل الاتهامات الجزائرية، زعمت مصادر جزائرية أن “وثيقة عسكرية مسرّبة” كشفت أن التمرين العسكري تحت اسم (شرقي 2025)، سيجرى قبالة الحدود الغربية الجنوبية الجزائرية (بشار)، ابتداء من 22 سبتمبر 2025. وبحسب ما جاء في هذه الوثيقة المزعومة، “فقد تمّ التخطيط الأولي للتمرين خلال اجتماع انعقد بمقر تفتيش القوات الفرنسية بمدينة سلا المغربية يومي 22 و23 مايو 2024؛ حيث يهدف إلى تنسيق الموارد البشرية والمعدات بين الجانبين، علما أن تاريخ المراسلة يرجع إلى 25 مايو 2024”.

وتتابع المصادر ذاتها: يُضاف إلى ذلك، تحديد موعد مبدئي للتمرين بدءا من 22 سبتمبر 2025، وكذا تحديد المنطقة المخصصة للتدريبات في كل من مركز تكوين المدفعية (CTM) “رحمة الله” و”أفردو” بإقليم الرشيدية (على بعد أقل من 100 كم من بشار الجزائرية”. وتشارك في المناورات كل من المكاتب الثاني والثالث والرابع والخامس للجيش المغربي، وكذا تفتيشيات قوات المشاة وسلاح المدرعات والمدفعية والهندسة والنقل والاتصالات والصحة بمشاركة القوات الفرنسية. بل إن الوثيقة “السرية المسربة” تضمنت تفاصيل فنية أخرى حول التمرين العسكري، ويتمثل ذلك، في تدريبات القيادة (CPX) والتدريبات الميدانية (LIVEX) وكذا تحديد الأهداف التدريبية لمركز العمليات والقوات البرية والجوية ووحدات الدعم، مع تنظيم الجوانب اللوجستية المتعلقة بالإقامة والإعاشة والوقود والذخيرة والنقل والصحة والمعدات التقنية.

وعن دلالات هذه المناورات العسكرية وخطرها على الجزائر في ظل تزامن إجرائها مع التوتر الحاد في العلاقات الجزائرية – الفرنسية، أكد الخبير في شؤون الدفاع والأمن، الصحفي الجزائري المعروف أكرم خريف، المقرب من سلطات بلاده والخبير في قضايا الدفاع والأمن ومؤسس موقع “مينا ديفانس” المتخصّص في الشؤون العسكرية لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أنه “لا يوجد تهديد على الجزائر فهذا تدريب عادي، وليس أول تدريب تجريه دول أوروبية وغربية داخل التراب المغربي، حيث تبحث هذه الدول عن مناطق شبه صحراوية للتدرّب”.

مناورات “استفزازية”؟

في حلقة من برنامج البودكاست الذي يقدمه المحلل الجزائري عبدو السمار على قناته على منصة يوتيوب، وخصصها لمناقشة غضب بلاده من تنظيم المغرب وفرنسا لمناورات “شركَي 2025″، كشف أن السبب الذي يقف وراء ذلك “الغضب” إنما هو “خوف النظام الجزائري”. وعلى نفس الخط يقول موقع “ويكيليكس صحراوي” المعروف بتسريباته: “حتى نفهم أسباب مخاوف النظام الجزائري من مناورات “شرگي 2025″، نقول إن بيان الخارجية الجزائرية جاء بعد 24 ساعة فقط من تسلم الجيش المغربي مروحيات أمريكية من نوع “أباتشي” نسخة AH64E Guardian. فالمفاجئ أن الرباط لم تضع هذه المروحيات داخل ثكنات جيشها بالصحراء الغربية، بل تم وضعها في ثكنة وسط المملكة [بمدينة خريبكَة]. بمعنى أن الرباط لا تنوي استخدامها ضد جبهة البوليساريو، بل هي موجهة بالأساس ضد الجيش الجزائري الذي تعتقد الرباط أن قيادته لا يمكن الوثوق في نواياها”…

ويضيف “ويكيليكس صحراوي” قائلا: وثمة مؤشر آخر يُخيف الجزائر، ويعود إلى مناورات “الأسد الإفريقي”، حيث كانت قوات الجيش الأمريكي خلال المناورات تقوم بتعطيل الدفاعات الجوية الجزائرية، بسبب كون رادارات بطاريات الدفاع الجوي للجيش الجزائري المثبتة على الحدود الغربية مع المغرب يبلغ مداها 1000 كلم، و تغطي مساحة 500 كلم داخل التراب المغربي. وكانت إدارة مناورات “الأسد الإفريقي” ─في إطار التدابير الاحترازية─ تخشى من التفعيل التلقائي للبطاريات الجزائرية عند استخدام الذخيرة الحية، أو عند تحرك الطائرات المقاتلة، مما كان يفرض على القوات الأمريكية تعطيل رادارات بطاريات الدفاع الجوي الجزائرية. و هذا ما كان يُزعج قيادة الجيش الجزائري، التي لم تكن لتجرؤ على استدعاء السفيرة الأمريكية أو الاحتجاج عبر بيان تصف فيه ذلك السلوك العسكري بالاستفزازي”.

ووفقا لمصادر “ويكيليكس صحراوي” دائما، فإن مناورات “شركَي” تمارس فيها نفس الطقوس العسكرية التي تمارس خلال مناورات “الأسد الإفريقي” من تعطيل للدفاعات الجوية الجزائرية”. لكن الذي تغير الآن وأثار غضب الجزائر، هو أن ذلك سيحدث هذه السنة في ظل توترات دبلوماسية غير مسبوقة بين قصري الإليزيه والمرادية، ولذلك حذرت الجزائر فرنسا بأنها غير موافقة على المشاركة الفرنسية في مناورات “شركَي 2025″…

وأيا كانت خلفيات رد الفعل الجزائري حيال المناورات المغربية-الفرنسية المزمع تنظيمها بعد نصف عام، وجب التذكير بأنه منذ 2018، قام الجيش الوطني الشعبي الجزائري بإجراء ثلاث مناورات عسكرية ─على الأقل─ بالذخيرة الحية، على الحدود الغربية والجنوبية الغربية مع المغرب، وتم تصويرها وبتها في التلفزيون وشبكات التواصل، حتى تنقل “رسائل” لمن يهمهم الأمر. ومنذ 2019 تاريخ وصول الرئيس الحالي للجزائر عبد المجيد تبون وقائد الأركان الفريق السعيد شنقريحة، أصبحت المناورات العسكرية ترافقها تهديدات علنية ورسمية للمغرب بإعلان الحرب عليه. ولم نسجل قط أن المغرب احتج أو هدد الجزائر، على الرغم من أن مناوراتها تلك حملت أسماء من قبيل “اكتساح 2018” و”طوفان 2018″، واستعملت فيها صواريخ باليستية أطلقتها غواصات من البحر باتجاه مناطق حدودية مع المغرب، وشاركت فيها المدفعية والطائرات المقاتلة الروسية الصنع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس