ماذا بعد إعادة فتح المغرب “حدوده” مع سبتة ومليلية المحتلتين؟

32
بوابة العبور بين
بوابة العبور بين "بني أنصار" المغربية ومليلية المحتلة

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. “يوم تاريخي”، هكذا وصف الإعلام الإسباني يوم الثلاثاء الماضي، لأنه شهد إعادة فتح “الحدود” البرية بين المغرب ومدينتيه السليبتين سبتة ومليلية. فقد تمت تغطية “الحدث” بأدق تفاصيله، شاملة عدد “العابرين” في الاتجاهين، ومظاهر “الفرح” و”الغناء”، وأماني وآمال الإسبان والمغاربة من سكان المدينتين والمناطق المحيطة بهما. ولم تفوت شخصيات كبيرة من عالم السياسة في مدريد “اليوم التاريخي”، لتزور المدينتين وتدلي بتصريحات في اتجاهات مختلفة؛ بين مهنئة بما تحقق ومحذرة من أن المغرب لم يعلن –رغم ما جرى الاتفاق حوله–عن تخليه عن مطالبه التاريخية في استرجاع مدينتيه المحتلتين.

على العكس من ذلك، تابع الإعلام المغربي ببرود هذا “الفتح”، الذي يُنهي إغلاقا غير مسبوق من طرف المغرب، لـ “الحدود” الوهمية استغرق 26 شهرا. والمدهش أنه بينما لم يتوقف المسؤولون الإسبان (على المستويين الجهوي والمركزي)، عن إطلاق التصريحات والتوضيحات لتنوير رأيهم العام؛ “لمع” المسؤولون المغاربة بصمتهم كالعادة، كما تقول العبارة الفرنسية، تاركين إعلام بلادهم يجتهد في إعادة تدوير أخبار الجارة الشمالية.

ورغم ذلك، يدفعنا الموقف دفعا إلى محاولة الوقوف عند السؤال الأكبر، الذي لم يتوقف عن طرحه الكثيرون في المغرب وإسبانيا: ماذا بعد عودة الحياة إلى المعبرين “الحدوديين” أخيرا؟

تأتي خطوة إعادة فتح بوابتي العبور، على مستوى معبرَيْ بني انصار (مع مليلية المحتلة) و”تاراخال2″ (مع سبتة المحتلة)، في إطار تنزيل اتفاق المصالحة، الموقع بين السلطات المغربية والإسبانية في 7 أبريل الماضي بالرباط. لكن ما ليس مفهوما هو أن الحكومة المغربية أبقت الغموض كاملا، حول تفاصيل الموضوع، منذ عودة الدفء إلى العلاقات بين الرباط ومدريد في مارس الماضي. وفي الوقت الذي كان الناطق الرسمي باسمها مصطفى بايتاس، يكتفي بالقول إن “إعادة فتح المعابر الحدودية مع مليلية وسبتة المحتلتين يبقى  رهينا بتطور الوضعية الوبائية”، وأنه لا جديد بالتالي في الموضوع، كان إعلام الجارة الشمالية ومسؤولوها يخبرون رأيهم العام بتفاصيل تأكد صدق أغلبها.

“يوم تاريخي”..

مدينة مليلية المحتلة
مدينة مليلية المحتلة

فتحت الحدود البرية بين المغرب وإسبانيا على مستوى بوابتَيْ سبتة ومليلية، في الليلة الفاصلة بين الاثنين والثلاثاء الماضيين. فسُمح بالعبور للمسافرين الأوروبيين أو المغاربة من حاملي تأشيرات شينغن. أمّا المواطنون المغاربة العاملين بشكل قانوني في المدينتين، والذين حُرموا من استئناف أعمالهم منذ أغلقت “الحدود” قبل أكثر من عامين، فلن يمكنهم العبور مجددا إلا اعتبارا من 31 مايو القادم.
وقد أتاح فتح المعبر مع سبتة المحتلة بعودة بعض المغاربة، الذين كانوا عالقين منذ اندلاع أزمة وباء كورونا. وعبر العابرون بسعادتهم بالعودة إلى المغرب وسط أجواء فرح وزغاريد. بينما لوحظ تراجع كل من السلطات الإسبانية والمغربية، عن بعض “الامتيازات” التي كان سكان جانبي “الحدود” يستفيدون منها قبل إغلاقها في 13 مارس 2020. هكذا تشهد مصالح الشرطة في مليلية المحتلة اكتظاظا غير معهود، بسبب الارتفاع الطارئ في طلبات جواز السفر ومصالح التلقيح ضد فيروس كورونا. فالمغرب أصبح يشترط توفر سكان سبتة ومليلية المحتلتين، على جواز التلقيح وجواز سفر يتم ختمه عند بوابتي العبور. وكانت بطاقة التعريف الإسبانية، التي تحمل عنوان صاحبها بسبتة أو مليلية، كافية للسماح له بدخول المناطق المغربية القريبة من مدينته. بالمقابل، لم يعد مسموحا لمواطني إقليم الناظور القريب من مليلية دخول المدينة المحتلة بتقديم بطاقة التعريف الوطنية المغربية فقط، وكذلك سكان تطوان القريبة من سبتة المحتلة. ولا يعلم السكان المعنيون ما إذا كان الأمر يتعلق فقط بإجراءات مؤقتة، لتفادي تدفق كبير من السكان على المدينتين المحتلتين، أم أنها ستظل سارية المفعول.
مصادر إعلامية إسبانية بالثغرين المحتلين، قالت إن حركة العبور في الاتجاهين كانت “خفيفة”. ولم يزد الأمر عن بضع مئات من العابرين وبضع عشرات من السيارات بالنسبة لكل واحدة من المدينتين. بينما كان حجم رواج المسافرين والعربات أضعاف ذلك بحوالي 10 مرات، قبل 2020. فالتقديرات الإسبانية تقول إن كلا من سبتة ومليلية كانتا تشهدان تنقل ما بين 10 و20 ألف وافد أو مغادر لكل واحدة منهما يوميا، إلى جانب حوالي 3 آلاف مركبة.

التهريب انتهى!

“المغرب لن يسمح بدخول ولا حتى دانون واحد” عبر الحدود! هكذا صدرت التعليمات إلى الجانب المغربي للجمارك، حيث  صدرت تحذيرات صارمة للقادمين من سبتة ومليلية المحتلتين، بأن أي شيء يحملونه معهم (أكلا كان أو ملابس أو سلعا أخرى) سيتم حجزه، تحت طائلة “التهريب” الذي لم يعد المغرب يتساهل معه.

وسبق أن حذرت الحكومة المغربية من أنها “لن تتسامح، بعد إعادة فتح الحدود وبأي حال من الأحوال”، مع عودة أنشطة التهريب بين الثغرين المحتلين وباقي التراب الوطني. وكان تهريب السلع والبضائع يتم في السابق في ظروف مهينة على ظهور حمّالات، مستفيدا من غياب جمارك تجارية (المغرب لا يتعرف بـ “الحدود” مع مدينتيه المحتلتين). وتذهب التقديرات إلى أن حجم البضائع المهربة من المدينتين كان يزيد عن مليار أورو سنويا (حوالي 11 مليار درهم)، قبل منعه في خريف 2019، حيث كانت تدفّق السلع من المدينتين إلى الأراضي المغربية بأثمان رخيصة، في إطار ما عُرف باسم “التهريب المعيشي”، الذي لقي لعقود طويلة رواجا كبير، لكنه حرم الجمارك المغربية من مداخيل مالية هامة. فضلا عن انتقادات منظمات حقوقية وطنية ودولية بسبب الظروف المأساوية التي كانت النساء تنقلن فيها البضائع على ظهورهن، ما كان ينتج عنه تدافع في المعابر الحدودية، أودى خلال السنوات الماضية بحياة عدد منهن.

ومنذ توقفت هذ التهريب، سجلت إدارة الجمارك المغربية ارتفاعا في مداخيلها بنحو 4 مليارات درهم (قرابة 400 مليون دولار)، وفق ما أعلنت في ديسمبر الماضي. لكنّ القرار ألقى بالمقابل بالكثيرين في البطالة، خصوصا من النساء. وكبديل عن التهريب، استثمر المغرب في إقامة مناطق تجارية وصناعية، على طول الساحل القريب من سبتة المحتلة، لتشغيل ممتهني التهريب السابقين.

على الجانب الآخر، خاب الظن برجال الأعمال وتجار مدينتي مليلية وسبتة، الذين بنوا ثرواتهم وصنعوا رخاء المدينتين من البضائع المهربة إلى المغرب. ولذلك عبروا للحكومة الإسبانية بأن إعادة فتح الحدود “لا تكفي” لتطبيع علاقات المدينتين بمحيطهما المغربي. ولذلك، يضغطون عليها لكي تقنع نظيرتها المغربية بإقامة “جمارك تجارية”. وهو ما يرفضه المغرب لأنه سيكون بمثابة اعتراف بواقع احتلال مدينتيه.

ثم ماذا بعد؟

مدينة سبتة المحتلة
مدينة سبتة المحتلة

الواقع أنه منذ الإعلان عن تاريخ إعادة فتح “حدود” سبتة ومليلية مع المغرب، وحتى قبلها، تعددت التحليلات والتأويلات في ارتباط بالاتفاق، الذي أبرمه رئيس الحكومة الإسبانية مع العاهل المغربي في 7 أبريل الماضي. وذهبت كثير منها إلى حد شيطنة حكومة بلادها، واتهامها بالتآمر مع الطرف المغربي. هكذا، فبحكم أن ثمة ملفات وقضايا مترابطة كانت عالقة بين الرباط ومدريد، وتطرق لها البيان المشترك الذي تضمن خارطة الطريق، لـ “المرحلة الجديدة” بين البلدين.

كثير من الشخصيات والتشكيلات السياسية عابت على رئيس حكومة بلدها، كونه لم يحصل على “ضمانات” من المغرب بأنه لن يطالب مستقبلا باسترجاع مدينتيه المحتلتين، في مقابل اعتراف مدريد “الثمين” بمقترح الحكم الذاتي.

ولأن المجال لا يسمح باستحضار جميع اتجاهات الرأي بهذا الخصوص، نورد “صوتا” سياسيا إسبانيا له دلالة خاصة.. ويتعلق الأمر بنائب رئيس جزر الكناري الذي يشغل وزير الخزينة رومان رودريغيز، عبر عن رفض حكومته الجهوية لموقف الحكومة المركزية بمدريد، بشأن قضية الصحراء والمتمثل في الاعتراف بـ “حق تقرير المصير”، مشددا على أنه “بعد الانتهاء من مشكل الصحراء، سوف يتجه المغرب نحو سبتة و مليلية”.

وأضاف رودريغيز في معرض رده على سؤال من زميل له في حكومة الكناري قبل أيام، حول التغييرات في مواقف الحكومات الإسبانية والفرنسية والألمانية بشأن الصحراء، قائلا: “نحن لا نشارك المغرب رغبته في الضم، نحن نحاربها [كذا]”.  مبديا تخوفه من أن تؤدي هذه المواقف الجديدة إلى الدفع بالاتحاد الأوروبي أيضا، إلى مراجعة موقفه بشأن هذه القضية.

أكثر من ذلك، قال نائب رئيس جزر الكناري الذي يشغل وزير الخزينة رومان رودريغيز، إنه يتمنى “ألا ينجح المغرب أبدا في ممارسة سيادته على الصحراء، ما لم يقرر الشعب الصحراوي ذلك”، متوجسا من أنه بعد حل مشكل الصحراء، “ستحاول المملكة ضم مدينتي سبتة ومليلية ومياه الكناري المتمتعة بالحكم الذاتي”. هذا هو السبب في أن نائب رئيس الكناري يرى أنه من الملح العمل على ترسيم الحدود البحرية بين جزره والمياه المغربية، وفقا لوسائل إعلام كنارية.

من الواضح إذن أن إسبانيا لم تكتف بتمزيق أوصال المغرب شمالا وجنوبا بالأمس، بل ما تزال تواصل سياسة الابتزاز نفسها في إطار سياسة تعدد الأصوات والأدوار المعروفة. لكن من الواضح أيضا، أن لا شيء تغير في العمق، بخصوص الحقوق المغربية في سبتة ومليلية وجزره المتوسطية التي تحتلها مدريد. بدليل أن النقاش السياسي الإسباني الداخلي، ما زال رهين المخاوف نفسها من كون المغرب لا يزال يرفض الاعتراف بسياسة الأمر الواقع!

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس