خبير صحراوي لـ”أفريقيا بريس”: فتح البعثات الدبلوماسية يكرس رؤية المغرب للحل

51
خبير صحراوي لـ
خبير صحراوي لـ"أفريقيا بريس": فتح البعثات الدبلوماسية يكرس رؤية المغرب للحل

حوار مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. محمد سالم عبد الفتاح، هو باحث وإعلامي صحراوي، غادر المغرب في مراهقته سنة 2004 إلى مخيمات تندوف، بعد اقتناعه بأطروحة البوليساريو، واشتغل مباشرة في “وزارة الإعلام الصحراوية”، محررا ومذيعا ومعدا لبرامج سياسية، رغم صغر سنه. لكنه سرعان ما اصطدم مع أحد كبار قادة الجبهة برتبة “وزير”، فالتحق بالتدريب العسكري، لينتهي به المطاف مرة أخرى متمردا على أطر “مدرسة الشهيد الولي العسكرية” التابعة للبوليساريو. فشعر بخيبة كبيرة من تجربته، وقام بمراجعة قناعاته السياسية، ونشر العديد من المقالات النقدية للبوليساريو، على مواقع وصفحات صحراوية شهيرة، خلال مقامه بمخيمات تندوف والجزائر.

وفي سنة 2015، قرر العودة إلى مدينته العيون، وأسس وساهم في تأسيس منابر وجمعيات للبحث والتحليل في قضايا السياسة والإعلام وحقوق الانسان. يرأس حاليا المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان بالعيون، ساهمت في تحريك النقاش حول قضية الصحراء. يعتبر من أبرز المحللين المغاربة في الشأن الصحراوي والجيوسياسي للمنطقة، حيث يُطلب رأيه باستمرار من طرف الإعلام المغربي والدولي. في الحوار التالي، يقدم لنا عبد الفتاح قراءته لحصيلة العام الذي ودعناه، لقضايا المغرب وجواره الأوروبي والمغاربي، وتوقعاته للعام الجديد..

محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان

يُنهي المغرب العام 2022 وقد طوى فصول أزمتين كبيرتين مع إسبانيا وألمانيا. لكن الأزمة الأخرى مع فرنسا ما تزال عصية على الحل، رغم الزيارة “الباردة” لوزيرة الخارجية الفرنسية مؤخرا إلى الرباط.. برأيك، لماذا طالت الأزمة بين الرباط وباريس؟ وهل يطوي البَلدان الأزمة خلال العام الجاري؟

ما يجمع هذه القوى الوازنة داخل الاتحاد الأوروبي هو حالة التوجس التي انتابت بعض دوائر صنع القرار داخلها، إزاء تصاعد الأدوار التي بات يضطلع بها المغرب في جواره الإقليمي وفي عمقه الإفريقي، منذ تدشين الرباط لعودتها للاتحاد الإفريقي، وممارستها لإنزال اقتصادي كبير في عمقها القاري. إلى جانب انفتاح الرباط على شركاء استراتيجيين آخرين من خارج الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وإسرائيل وبلدان أخرى، مع حفاظ المغرب على علاقات جيدة حتى مع الصين وروسيا اللتين يتخوف الفاعل الأوروبي من أي تواجد لهما في المنطقة المغاربية.

وتعود أسباب سوء الفهم الذي تسبب في أزمات دبلوماسية وفي فتور لعلاقات المغرب مع تلك بعض الدول، التي تعد من أهم القوى داخل الاتحاد الأوروبي، بالأساس، إلى عدم استيعاب صانع القرار الأوروبي للتحولات الجيوسياسية التي تشهدها الضفة الجنوبية للمتوسط. لا سيما تلك المتعلقة بتصاعد دور الرباط في المنطقة وإقدامها على تنويع شركاءها الاستراتيجيين، باعتبار المقدرات الاستراتيجية الهامة التي بات يتوفر عليها المغرب، وموقعه الهام ضمن المعادلة الإقليمية في مجال الضفة الجنوبية للمتوسط وغرب إفريقيا.

وفي حين كانت إسبانيا وألمانيا أكثر مرونة وقدرة على تصحيح مواقفها إزاء المغرب وقضاياه المصيرية، بقيت فرنسا عاجزة عن فهم التحولات التي تشهدها المنطقة، بحكم ماضيها الاستعماري في المجال المغاربي وفي غرب إفريقيا، وهي المناطق التي ينظر إليها صانع القرار الفرنسي على أنها مجالات محتكرة لتصريف نفوذه فيها، رغم تراجع دور باريس مؤخرا.

لكن ما سيحسم القرار الفرنسي على غرار ما قام به شركاؤها الأوروبيون الآخرون، هو ارتباط مصالح بلدان الاتحاد الأوروبي في المنطقة بالتحالف الاستراتيجي الذي يجمعها مع المغرب، إلى جانب مرونة الرباط وحكمة واتزان قرارتها، بعكس خصوم المغرب الذين أبانوا عن قدر كبير من صبيانية مواقفهم الغير متزنة إزاء مختلف المتدخلين الدوليين. خاصة حين أقدمت الجزائر على محاولات لابتزاز مواقف بلدان الاتحاد الأوروبي، من خلال التهديد بتوظيف ورقة تصدير الغاز وعرقلة المبادلات التجارية. فضلا عن رفض حكام الجزائر الانصياع للنداءات المتتالية للمجتمع الدولي، ممثلا في هيئات الأمم المتحدة، للدخول في حوار مع الرباط حول نزاع الصحراء وبقية الملفات محل الخلاف بين البلدين، بحكم انعكاس الأزمة التي تشهدها العلاقات بين البلدين على مصالح جل المتدخلين الدوليين، وفي مقدمتهم بلدان الاتحاد الأوروبي طبعا.

من بين النجاحات التي تُحسَب للمغرب خلال العام 2022، هناك الإنجاز الكروي التاريخي الذي حققه أسود الأطلس بمونديال قطر.. من وجهة نظر جيواستراتيجية، ما هي المكتسبات الأخرى —غير الرياضية— التي جناها المغرب من وراء ذلك؟

لا شك أن لهذا الإنجاز الكروي الذي حققه المغرب انعكاسات تتجاوز ما هو رياضي، أهمها تقوية الجبهة الداخلية من خلال صقل الحس الوطني عند عموم المغاربة، وتكريس الإجماع حول القضايا والتحديات الوطنية، عبر انخراط كافة المكونات الاجتماعية والثقافية المغربية في مظاهر تشجيع الفريق الوطني، وعبر التداول الواسع للرموز الوطنية من طرف جل المغاربية في مختلف شوارع مدن وأقاليم المملكة. وحتى في أوساط الجالية المغربية بالخارج.

فضلا عن الصيت الدولي المتحقق، من خلال التمثيل المشرف للعالمين العربي والإسلامي وحتى على مستوى القارة الإفريقية. وهو ما انعكس في شكل إشعاع دولي غير مسبوق للمغرب. فمن النادر أن يتحقق مثل هذا الدعم الشعبي العارم لبلد ما وترفع أعلامه ويهتف باسمه في المجالين العربي والإسلامي، إلى جانب القارة الإفريقية. وهو ما يمكن أن يساهم في دعم مواقف المغرب دوليا، ويرسخ الإجماع العربي والإسلامي الداعم لقضايا المغرب الوطنية مثلا. فضلا عن تعزيز عودة المغرب لحضنه الإفريقي، من خلال الأدوار الريادية التي بات يضطلع بها في عمقه الإقليمي والقاري.

وبالتأكيد فإن حضور المغرب الدولي سيحصن أيضا المكاسب السياسية والدبلوماسية، المتعلقة بملف وحدته الترابية، على اعتبار المعارك التي يخوضها ضد فلول المعسكر الداعم للانفصال، من خلال توظيف قوته المرنة التي ستتعزز عبر الاستثمار في المجال الرياضي، بعد أن عكف على إنزال اقتصادي هائل في عمقه القاري، وعلى جهد دبلوماسي وإنساني وحتى أدوار دينية وثقافية، باتت تبوؤه مكانة ريادية في المجالين العربي والإفريقي.

من ضمن الديناميكيات التي شهدها المغرب خلال العام الذي ودعناه، نذكر تَواصَل فتح قنصليات بأقاليم الصحراء.. برأيك ما هي القيمة الديبلوماسية والأهمية السياسية لهذا المسار المغربي؟

افتتاح البعثات الدبلوماسية يعد أرقى أشكال الاعتراف الدولي، الذي يحظى بأهمية بالغة في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية، لإضفاء أو تكريس شرعية أي واقع سياسي في أي حيز ترابي. وبالتالي فإن أهمية خطوات من قبيل افتتاح القنصليات الأجنبية التي ناهزت الثلاثين قنصلية في مدينتي العيون والداخلة (بالصحراء)، تكمن في أنها تساهم في حسم معركة الاعتراف الدولي لصالح المغرب، باعتباره عاملا معنويا وقانونيا ينسجم مع واقع السيادة المغربية المتجسد على أرض الواقع. كما ينسجم مع التطور الذي يشهده تعاطي الشرعية الدولية مع ملف النزاع، ممثلا في قرارات مجلس الأمن وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأمين العام الأممي، والتي باتت جميعها تنحى إلى الواقعية والعقلانية وتتقاطع مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي، كأساس وحيد للحل السياسي للنزاع المفتعل.

فإلى جانب الدول التي افتتحت قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، هناك دول أخرى وسعت نطاق اشتغال بعثاتها الدبلوماسية لتشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة. في حين سجلت العديد من القوى الدولية الوازنة مواقف صريحة تعترف رسميا بالسيادة المغربية على الصحراء، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أدوار واشنطن المرتبطة بتدبير النزاع حول الصحراء على مستوى الأمم المتحدة، كونها الممسكة بالقلم في ما يتعلق بإعداد مسودات قرارات مجلس الأمن حول الصحراء. فضلا عن كونها المساهم الأبرز في تمويل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، كما سارعت قوى دولية أخرى لها حضورها الوازن في المنطقة، إلى دعم الموقف المغربي وتأييد مبادرته للحكم الذاتي، كإطار وحيد للحل السياسي، في مقدمتها إسبانيا بأدوارها التاريخية في النزاع، وبأدوارها السياسية الهامة المتعلقة بدعم الجهود والمساعي الأممية الرامية إلى حل النزاع. فضلا عن دول أخرى من حجم ألمانيا، بلجيكا وهولندا وحتى فرنسا.

ينضاف إلى ذلك أيضا التكتلات الإقليمية، من قبيل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الخليجي، وحتى الاتحاد الأوروبي على لسان رئيس دبلوماسيته جوزيف بوريل. إلى جانب مواقف عديد القوى الدولية الهامة الداعمة للمغرب من خلال عديد الشراكات والتفاهمات الأمنية والاقتصادية، التي تشمل الأقاليم الجنوبية وسواحلها، والتي تعد اعترافا ضمنيا بالسيادة المغربية على الصحراء.

هذا الزخم الدبلوماسي الذي تحقق في السنوات الأخيرة، هو في حقيقة الأمر نتاج لمقاربة ملكية تم تبنيها منذ اعتلاء الملك محمد السادس لسدة الحكم، تكرست مع الإعلان عن المبادرة المغربية للحكم الذاتي، ثم المشروع التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، إلى جانب الجهد الدبلوماسي الكبير الذي دشن من خلال الزيارات الملكية لعديد القوى الإقليمية في القارة الإفريقية، والتي مهدت لعودة المغرب لحضنه القاري وتبوء مكانة الريادة إقليميا. حيث كانت مساهمة الدول الإفريقية بارزة ضمن دينامية مسلسل افتتاح القنصليات الأجنبية في الصحراء.

على مستوى العلاقات المعقدة مع الجزائر، انتهى العام 2022 على إيقاع خفض التوتر العسكري، تراجع إيقاع التهديدات الجزائرية بشن الحرب، على نحو يبعث على التساؤل عن السر وراء هذه “التهدئة” المفاجِئة؟

لطالما راهنت الجزائر على توظيف جبهة البوليساريو كأداة طيعة لاستهداف المصالح المغربية. لكن التطورات التي شهدها ملف الصحراء في السنوات الأخيرة، جعلت من الجبهة ورقة محروقة ضمن لعبة الحرب بالوكالة، التي تشنها الجزائر ضد الوحدة الترابية للمملكة. ما حذا بها (الجزائر) إلى الخروج بوجهها المكشوف كطرف رئيسي معني بالنزاع حول الصحراء، حيث تصدت لمواجهة الانتصارات والمكاسب التي يحققها المغرب لتدعيم وحدته الترابية.

لكن التصعيد الجزائري ضد المغرب لم يكن عسكريا، بقدر ما كان سياسيا وإعلاميا بالدرجة الأولى، من خلال البيانات العديدة الصادرة عن أعلى هرم السلطة في النظام الجزائري (قصر المرادية)، ثم الشحن والتحريض عبر وسائل الإعلام الجزائرية. إلى جانب بعض الخطوات الدبلوماسية من قبيل سحب السفير الجزائري بالرباط، والإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية، بالإضافة إلى رفض الوساطات المساعي التي بذلها بعض المتدخلين الدوليين، لأجل تجاوز الأزمة بين القوتين الإقليميتين المغاربيتين.

كما كانت للتصعيد الجزائري جوانب اقتصادية أيضا، دون أن ينجر عنها أي فعالية في التأثير في مواقف البلدان المعنية التي جددت في معظمها مواقفها المؤيدة للمغرب. فإلى جانب غلق الأجواء الجزائرية في وجه الطيران المغربي، رفضت الجزائر تجديد اتفاقية تصدير الغاز إلى إسبانيا والبرتغال عبر أنبوب المغرب العربي الذي يمر عبر المغرب. كما دشن النظام الجزائري حملة ابتزاز مسعورة ضد دول الجوار لثنيها عن تأييد الموقف المغربي، كما تم أيضا توظيف المنح المالية والتهديد بقطع إمدادات الغاز، إلى جانب عرقلة المبادلات التجارية.

وبالعودة إلى سياقات التصعيد الجزائري، يتضح جليا أن الأمر يرتبط بالجبهة الداخلية للجزائر، فلطما وظفت الأخيرة التصعيد ضد المغرب لأجل تصدير أزماتها، خاصة وأنها (الجزائر) تعيش على وقع أزمة مشروعية منذ الانقلاب على مخرجات العملية السياسية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وما نجم عنها من حرب أهلية عاشت على وقعها البلاد.

هذه الأزمة (ضعف مشروعية النظام) عادت إلى الواجهة مع مرض رئيسها الراحل عبد العزيز بوتفليقة، فيما فشل النظام في إضفاء الشرعية على خلفه عبد المجيد تبون، بحكم المقاطعة الواسعة التي شهدتها معظم المحطات الانتخابية، حيث لعبت أزمة الكوفيد 19 دورا هامة في إخماد الحراك الاحتجاجي الجزائري. فكان لا بد من شماعة لتأجيل النقاش الداخلي مع انتهاء مبرر جائحة الكوفيد 19. ويبدو أن النظام الجزائري قد نجح بالفعل في سياسية الإلهاء التي اعتمدها، من خلال موجة التصعيد غير المسبوقة التي شنها ضد المغرب.

إلى جانب العامل الداخلي، فقد راهن النظام الجزائري على احتضان بعض الفعاليات الدولية لأجل اكتساب الشرعية والصيت الدولي، من قبيل احتضانه للقمة العربية في نونبر الماضي، وهو ما تطلب التهدئة مع المغرب، بحكم فشله في تجاوز دور الرباط داخل جامعة الدول العربية.

على هذا الصعيد كذلك، لماذا فشلت جولات المبعوث الأممي دي ميستورا إلى الصحراء في بعث الروح في الجهود الدولية لتحريك الملف، باتجاه دفع فرقاء النزاع نحو مخرج سياسي متوافق عليه؟

لا يزال من المبكر الحكم على فعالية الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي دي ميستورا في الصحراء، رغم الانسداد والتوتر السياسي المسجل في المنطقة. لكن نجاح أي مسعى لتحريك مياه النزاع الراكدة، يمر حتما عبر الانخراط الجدي للجزائر في تلك المساعي الدولية الرامية إلى طي ملف النزاع. وذلك بحكم تورطها المفضوح في النزاع، سيما مع تراجع دور البوليساريو بعد فشل دعايتها الحربية.

لكن التطورات الهامة التي شهدها ملف النزاع حول الصحراء، منذ عملية تأمين معبر الكركرات في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وما انجر عنها من تغير في ميزان القوة المرتبط بالصراع حول الصحراء، سيساهم في التأسيس لمقاربات جديدة للحل السياسي المنشود، من شأنها أن تأخذ بالحسبان كافة التطورات الميدانية والدبلوماسية المسجلة، والتي تصب في جلها في صالح المغرب. وهو ما بدأ يتجلى بالفعل في المقاربة الأممية المعبر عنها في توصيات الأمين العام الأممي وقرارات مجلس الأمن، التي باتت تنحى إلى الواقعية والعقلانية، وتعترف بالسيادة المغربية المتجسدة على كافة الأقاليم الجنوبية للمملكة. كما تسجل موقفا صريحا من التورط الجزائري في النزاع، ليس فقط لكونها طرف رئيسي معني بالنزاع، ولكن لكونها الطرف المعرقل للجهود والمساعي الأممية الرامية إلى طي ملف النزاع الذي عمر أكثر من اللازم.

وبالتالي فرغم ما يبدو عليه المشهد الإقليمي من توتر وتصعيد، إلا أن مساعي المجتمع الدولي ممثلة في الوساطة التي يقودها الأمين العام الأممي ومبعوثه الشخصي دي ميستورا، معززا بقرارات مجلس الأمن الدولي، سوف تفضي لا محالة إلى جلوس كافة الأطراف المعنية، وفي مقدمتها الجزائر، على طاولة المفاوضات. وحينها ستفرض المعطيات المسجلة على الأرض النظر في مقاربات جديدة للحل، ضمن سقف السيادة المغربية. وبالتأكيد سيكون للجزائر حقها في تلبية مطالبها المرتبطة بأمنها ومصالحها القومية.

تعقد جبهة البوليساريو هذا الشهر مؤتمرها العام السادس عشر، في ظل انقسام داخلي وتراجع الدعم الشعبي لأدائها.. ما هو الجديد الذي يمكن أن يتمخض عنه المؤتمر؟

رغم ما تعيشه البوليساريو من تفكك وترهل تنظيمي وضعف في قدرتها على التعبئة والتأطير في مخيمات تندوف، نتيجة التراجع الكبير في أدائها والهزائم والانتكاسات المتتالية على كافة المستويات الميدانية، الدبلوماسية والسياسية، إلا أنه من المستبعد أن يتمخض عن مؤتمرها العام أي تغيير يذكر على مستوى قيادتها السياسية.. وذلك بحكم ارتهان مشروعها الانفصالي لحاضنته الجزائر، وارتباطه بأدوار سياسية وأمنية واستخباراتية، تقع في صميم أجندات الأجهزة الأمنية والعسكرية الجزائرية.

فبالرغم من حالة الشغور والضعف في زعامتها السياسية، منذ افتضاح تهريب زعيمها ابراهيم غالي إلى إسبانيا بغرض العلاج، والتداول الواسع لماضيه الإجرامي، إلا أن ما يعمق من أزمة الزعامة في الجبهة هو احتراق صورة كافة العناصر القيادية الرئيسية فيها، بحكم افتضاح تورطهم هم أيضا في جرائم ضد الإنسانية في حق الصحراويين، ومتابعة معظمهم لدى القضاء الدولي بتهم ثقيلة، بالقتل خارج القانون، والاختطاف، والتعذيب، والاغتصاب، الخ. إلى جانب انكشاف اغتنائهم من النهب الممنهج للمساعدات الإنسانية المخصصة لقاطني مخيمات تندوف.

فمع اقتراب انعقاد مؤتمر الجبهة الانفصالية العام، يحتدم الصراع فيما بين ذات القيادة المحروقة، على المواقع المدرة للتربح وجني الثروة، والمرتبطة أساسا بتدبير مخازن السلاح، والمساعدات الإنسانية، والمحروقات، والأدوية… كما تلجأ القيادات المتصارعة إلى توظيف العصبيات القبلية لأجل التعبئة والتحشيد العشائري.

ومع تدهور الوضع الأمني في مخيمات تندوف، تحتمي العناصر القيادة ذاتها بعصابات الجريمة المنظمة التي تأخذ في كثير من الأحيان طابعا قبليا، حيث تتعاون على توفير الصناديق السوداء التي توظفها لأجل تمويل حملات التعبئة والتأطير، في تقاطع واضح مع أجندات الجماعات المسلحة في بلدان الساحل، التي توفر الأسواق (السوداء) لبيع السلاح والمساعدات الإنسانية المنهوبة من مخيمات تندوف.

وبالتالي فأيّا تكن العناصر القيادية المتصدرة للمشهد في جبهة البوليساريو، إلا أن تفكك المشروع الانفصالي وارتباطه برعاية الأنشطة غير القانونية، إلى جانب الارتهان للعصبيات القبلية، جميعها عوامل سوف يزيد من حدة الانقسام الداخلي الذي بات ينعكس في شكل اصطدامات واقتتال واحتراب داخلي، تتورط فيه العناصر القيادية للبوليساريو بمعية بعض المسؤولين في الجيش الجزائري بقطاع تندوف. ويتم فيه الاستقواء بالجماعات المسلحة وبعصابات الجريمة المنظمة التي يتصاعد نفوذها بمخيمات تندوف.

وعلى العموم، ستبقى الكلمة الأخيرة للاستخبارات الجزائرية، في اختيار من سيقود المشروع الانفصالي المترهل بالصحراء، خلال مؤتمر الجبهة العام القادم، بحكم تحكمها في مخرجاته عن طريق حصر لوائح المؤتمرين في الموالين لها، وتشديد الإجراءات الأمنية الرامية لإغلاق المؤتمر في وجه معارضي القيادة. فيما يساهم صراع الأجنحة داخل النظام الجزائري في احتدام الانقسام الداخلي الذي تعيش على وقعه البولساريو، بسبب توزع ارتباط وولاء العناصر القيادية لمختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية الجزائرية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس